سوريا
21 كانون الأول 2021, 06:00

يوحنّا العاشر في رسالة الميلاد: نسأل السّلام والتّعافي لسوريا والاستقرار المرجوّ للبنان ولكلّ بلدٍ وبقعة من هذا الشّرق

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، إلى رعاة كنيسته وأبنائه وبناته حيثما حلّوا في أرجاء كرسيه الرّسوليّ، رسالة لمناسبة عيد الميلاد المجيد، جاء فيها نقلاً عن إعلام البطريركيّة:

"إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكيّة المقدّسة

وأبنائي وبناتي حيثما حلّوا في أرجاء هذا الكرسيّ الرّسوليّ

من عتم المغارة يفتح الطّفل يسوع عينيه على عتمات عالمنا الحاضر. من قلبها المظلم يخفق قلب النّور حبًّا ببشرٍ جاء من أجلهم. على قشّ مزود وضعت العذراء مولودها الّذي ترهّب الملائكة أمام عرشه. من عتم المغارة يطلّ على عتمة دهرٍ انتظر مجيئه. يطلّ على بشريّةٍ توسَّدَتْ عتبات الزّمن مترقّبةً مجيء سيّد الزّمن. من عتم المغارة يطلّ على عالمٍ لم يحظَ فيه حتّى بمنزلٍ. من عتم المغارة يطلّ على عتمات الدّهور ليجلوها برونق رويّةٍ وبسلامِ ملائكةٍ. من عتم المغارة يطلّ طفلها على زمهرير الإنسانيّة الّتي ترتجي دفء محبّةٍ. من عتمها يسمّر عينيه في عيني العذراء ويمدّ عبرها سبل التّعزية إلى قلب البشريّة العطشى إلى عزائه الإلهيّ.

ومن ضعة المزود يطلّ طفل باسمٌ يتوسّد بساطة دنيانا. من ضعة المزود مسيحٌ رذل أرائك المجد ليوشّح بالمجد قلوبًا هامت به. من ضعة المزود طفلٌ يتوسّد مزاود القلوب ليضيء عتم مغاورها بنوره المحيي. من ضعة المزود "إلهُ السّلام وأبو المراحم" مزوِّدًا بالسّلام نفوسًا تاهت في صليب شقائها وتاقت إلى بساطة المغارة.

من عين ذاك الطّفل نظرةٌ إلى كل منّا. من عينه سلامٌ إلى العذراء الطّاهرة فخرِ جبلتنا. من عينه بريقٌ يكسر أحزاننا وعزاءٌ يشفي جراحاتنا. من عينه نورٌ يكتسح تجبُّرَ ظلامٍ ورويَّةٌ تستأصل قوّةَ بطشٍ. من عينه جبروتٌ يسحق جبروت البشر الفارغ وسلامٌ يحطّم طبول الحروب. من قلبه بلسمٌ يعزي المحزونين ويهدّئ من روع القلقين. من قلبه نغتذي أملاً ومن بسمته نغرف رجاءً ومن أيقونته نستمدُّ ميرون خلاص ومن صليبه فجرَ قيامة.

وافانا في أيّامٍ فاقت تعاسة أيامنا. قبلَهُ أجدادنا في أيّامٍ لم تكن بأفضل من أيّامنا. غرسوهُ سيّدَ حياةٍ في الجبال وفي المدن والقرى. نقشوا صليبه في قلوبهم وفي الحجر على السّواء. شهدوا له إله محبّةٍ وعانقوه إله خلاص. حفروا ختم إنجيله في قلوبهم وحفروه في أخاديد شرقهم أديارًا وكنائس ومدافن. علَّوهُ في أجراسهم راية فخرٍ وجبلوه في نفوسهم قربان محبّةٍ وشهادةٍ وإيمانٍ.

نغرف اليوم من هدوء وسلام طفل المغارة ماءَ تعزيةٍ انتظرته سامريّةٌ من معلّمٍ على بئر يعقوب. نغرف اليوم من حنان الطّفل الّذي نسأله أن يحفظ أطفالنا. نسأله الرّأفة بعالمه. نسأله رفع الوباء الحاضر. نحني أمامه ركبة القلب سائلين التّعزية لكلّ من هم في ضيق. نسأله أن يضع يده في يد الأطبّاء والكوادر الطّبّيّة ليرفع عن قلب البشريّة ثقل نير الوباء وسائر الأمراض. نسأله أن يتقبّل في نوره الإلهيّ نفوس أحبّةٍ غادرونا إلى لقياه على رجاء القيامة.

نذكر في هذا الميلاد كلّ أخٍ لنا قسا عليه وجه الحياة. نذكر ضحايا الحروب العبثيّة وما أكثر ما دفع الشّرق من نتائجها! نسأله السّلام والتّعافي لسوريا والاستقرار المرجوّ للبنان ولكلّ بلدٍ وبقعة من هذا الشّرق ومن هذا العالم. نسأله السّلام للأرض الّتي احتضنته، للشّرق الجريح ولفلسطين المصلوبة على قارعة طريق الأمم.

نسأله من أجل المفقودين والمخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي اللّذان تختصر قضيّتهما شيئًا ممّا دفعه ويدفعه الإنسان المستهان الكرامةِ من بعضِ أبناء الطّينةِ والوافرُ الكرامةِ من ربّها وجابلها السّماويّ.

نحن اليوم بتسبيح الملائكة نمشحه وبِدِعةِ يوسف نرقبُه. نحن اليوم بتأمّل العذراء ننظره وبتهليل الرّعاة نسربله. نحن اليوم بحميَّة المجوس نوافيه وبشوق قلوبهم نضمّخه. نضعه قنديلاً ينير مغارة النّفس وإنجيلاً منحوتًا في القلب. ندفئه طفلاً برأفة أفعالنا وتعطفنا. ندفئه طفلاً عندما نُلبس فقيرًا، ونقيمه ربًّا عندما نتعطّف كما تعطّف هو. نسأله من أجلكم إخوتي وأحبّتي أبناء كنيسة أنطاكية في كلّ مكان. ألا أعادها الله عليكم جميعًا أيّامًا ملؤها اليُمنُ والبركة.

على قشّ مزودٍ وضعت مريم رجاءَ البشريّة "إلهَ السّلام وأبا المراحم" له المجد إلى الأبد آمين."