يوحنّا العاشر في رسالة الصّوم: الصّوم هو مسيرة توبة ومسيرة رحمة تترجم أفعالًا
وفي نصّ الرّسالة كتب: "في الصّوم الكبير يناجي كلٌّ منّا ربّ الخلاص وسيّد الحياة والموت ويقول له ومن عمق النّفس: يا ربّ ارحم. في الصّوم الكبير المقدّس تمضي النّفس إلى الختن، إلى العريس السّماويّ الّذي تنهض وإيّاه وتتلمّس فجر قيامة. في الصّوم الكبير ترافق النّفس عريسها المسيحَ الإله. ترافقه وتناجيه في مسلك توبةٍ يتكلّل بدرب آلامٍ ويتكحّل بانبعاثٍ من قبرٍ فارغ.
ومن آحاد التّهيئة تستلهم هذه النّفس مسيرة توبةٍ فتناجي المسيح من على أعتاب الصّوم وتحني له ركبة القلب وتتأمّل وإيّاه، من الغد في أحد مرفع اللّحم، حظَّ من لم يصنع رحمةً ومن لم يرأف بالقريب كما وتتأمّل نصيبَ من صنع الرّحمة. تناجي الختن وتتأمّل معه في أحد الغفران ذاك الفردوس المفقود الّذي خسرته البشريّة مع أوّل الجبلة آدم.
ومع انطلاقة الصّوم، تتأمّل النّفس جمال وبهاء استقامة الرّأي في أحد تكريم الأيقونات الّتي تنقلنا من عالم اليوم إلى أبديّةٍ نتلمس نورها على وجوه القدّيسين. وإلى الأحد الثّاني تسير هذه النّفس لتتعلّم إكرام القدّيسين الّذين تلقّوا نعمهم وقداستهم من ذاك القدّوس الأوحد. وفي الأحد الثّالث منتصف المسيرة تعود هذه النّفس لتتأمّل عود الصّليب وذاك المعلّق عليه محبّةً ببشريّةٍ هجرته ولم يهجرها. ومع يوحنّا السلمي تلهج في سلك الفضائل وتسلك إلى أن تلاقي خبرة مريم المصريّة وتتعلّم معها أنّ التّوبة هي الأساس أوّلًا وأخيرًا في مسيرة الصّوم الكبير أيّ مسيرة التّوبة.
كلّ ذلك، كي تلاقي ختنها المسيح وتستقبله داخلًا فيها ومعها إلى أورشليم العلويّة فتفرش له أغصان النّفس وتدخل معه آلامه الخلاصيّة وتناجيه في جنّازهِ مسيحًا حياةً دائسًا الموت، وبُعيد ذلك، نورًا وربًّا قائمًا من بين الأموات وواهبًا الحياة للّذين في القبور.
هذه مسيرة الكنيسة وهذا دليلها لنفس كلٍّ منّا لنسلك صحبة هذا الختن السّماويّ. الصّوم هو مسيرة توبةٍ ومسيرة رحمةٍ تُترجم أفعالًا.
نرفع صلاتنا في هذه الأيّام المباركة ونسأل ربّ الرّحمة وإله الرّأفات أن يرسل رأفاته إلى العالم أجمع ويبارك الجميع ويديم في القلوب رجاءه الصّالح ويغرس في النّفوس بلسم عزائه الإلهيّ ويزرع في الكيان البشريّ شيئًا من رويّته ونورانيّته ويسكت بجبروت صمته ظلامَ هذا العالم المتأجّج حروبًا وخطفًا وغليانًا وتكفيرًاً. نسأله أن يضمّ راقدينا إلى صدره القدّوس ويطلع عليهم نور رحمته ويرسل الطّمأنينة إلى النّفوس والدّيار هو المبارك والممجّد أبد الدّهور، آمين".