يوحنّا العاشر في رسالة الصّوم: إنّنا باقون في أرضنا الّتي منها نستمدّ الهويّة والكيان
"على عتباتِ الصّوم الأربعينيّ المقدّس تناجي الكنيسة ربّها جوقًا واحدًا صارخَا من عمق النّفس "لا نصليَنَّ يا إخوة فرّيسيًّا". هذا ما تفتتح به الكنيسة المقدّسة تسابيحها اللّيتورجيّة للصّوم المقدّس. وهذا ما تناجي به ربّ القيامة.
حلّة النّفس في هذا الموسم المبارك هي التّواضع. تواضع الصّلاة هو مفتاحها لتلج قلب الرّبّ. تقولها الكنيسة في أولى تسابيحها لهذه الفترة، لتهمس في إذن كلّ منّا: إنّ المسيح عروسَ النّفس وختنها يريدها مزدانةً بحلية التّواضع. يريدها موشاةً بثوب نكران الذّات. يريدها جبّارةً في الصّلاة الخفرة المبتعدة عن كلّ ظهورٍ وتظاهرٍ وعن زيفِ روحانيّةٍ قشريّة، وما أكثرها في أيّامنا. تواضعها هو الّذي يحنّن قلب الرّبّ عليها إذ تصرخ: ارحمني. إنّ المسيح يريد من نفسنا أن تكون من العذارى العاقلات اللّواتي هيّأن له سراج الرّحمة والتّواضع والصّدقة فجعلن كيانهنَّ خدرًا لسكناه بالرّوح.
في الصّوم ربيعُ النّفوس التّائقة إلى إشراق المسيح. في الصّوم إزهار النّفس مع إزهار الطّبيعة. في الصّوم ربيعُ نفسٍ تنفض عن كيانها زمهرير خطيئة لتتّشح برونق قيامة. في الصّوم ربيع نفوسٍ تنفض عنها فرّيسيَّةَ كبرياء لتلتحف بقيامة تواضع.
ندخل هذا الموسم الصّياميّ وجرح المسيحيّة المشرقيّة ما زال مفتوحًا ونازفًا. وهذا الجرح يختصر ما عاناه إنسان هذا الشّرق من كلّ الأطياف وهو خطف مطراني حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي منذ نيسان 2013 وسط تعتيمٍ شاملٍ على هذا الملفّ ووسط سكوت دوليّ مستنكر. نرفع صلاتنا من أجلهما ومن أجل كلّ مخطوف.
ندخل حلبة الصّوم في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ وجودنا كمسيحيّين في هذا الشّرق. ندخل الصّوم متأمّلين تاريخ كنيسة أنطاكية الّتي لم تحتّمِ يومًا إلّا بصليب المسيح ولم تقتَتْ إلّا برجائه. قرونًا وقرونًا حفظت أمانتها وإيمانها له. وهي الّتي صبغت الدّنيا باسمه وصبغت رسلَه باسمه القدّوس. وكلّ ذلك لنقول إنّنا باقون في أرضنا الّتي منها نستمدّ الهويّة والكيان.
أعادها الله عليكم أيّها الأحبّة أيّامًا مباركة مستظلّين برحمته الإلهيّة لكي نعبر جميعًا إلى فجر قيامة المسيح له المجد إلى الأبد، آمين."