سوريا
04 أيار 2021, 05:00

يوحنّا العاشر في إثنين الباعوث: إفرحوا رغم كلّ شيء!

تيلي لوميار/ نورسات
أحيت الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق إثنين الباعوث، في قدّاس إلهيّ دعا فيه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر إلى الفرح رغم كلّ شيء، في عظة ألقيت بالنّيابة عنه لوجوده في كاتدرائيّة النّبيّ الياس- حلب، عظة أتت على ضوء ما ترتّله الكنيسة للمناسبة: "ولئن كنت نزلت إلى قبرٍ يا من لا يموت إلّا أنّك درست قوّة الجحيم وقمت غالبًا أيّها المسيح الإله، وللنّسوة حاملات الطّيب قلت افرحنَ، ووهبت رسلك السّلام يا مانح الواقعين القيام"، فقال:

"هذا ما ترتّله الكنيسة اليوم ولسان حالها فرح القيامة ونصر سيّد الحياة والموت. هيَ رسالةُ الفرحِ يضعُها ناظم التّسابيح على لسان السّيّد إلى النّسوة ومنهنّ إلى كلّ منّا: "وللنّسوة حاملات الطيب قلت افرحن، ووهبت رسلك السّلام". رسالة المسيح إلى كلّ منا في هذا اليوم: افرحن وافرحوا رغم كلّ شيء. إفرحوا جميعًا وليفرح كلّ منّا في القلب لأنّ المسيح كسر قيود الموت وحطّم جحيم النّفوس وكحّلها بنور القيامة.

إفرحوا رغم كلّ محنة. إفرحوا رغم كلّ مصاب. إفرحوا رغم كلّ وباء. لأنّ فرحنا من نكهةٍ أخرى محلّاةٍ بعبير الرّجاء الّذي زرعه فينا سيّد الرّجاء وربّ القيامة يسوع المسيح الّذي كسر بصليبه شوكة الموت وسمّر عليه ضيقاتنا.

والفرح القياميّ لصيق سلام النّفس ويهبه المسيح لتلاميذه ولكلّ محبّيه ومريديه. فرح القيامة فرحٌ سماويّ يجد طريقه إلى سائر القلوب ولا يقف في وجهه يسرٌ أو فقرٌ، فرجٌ أو ضيقٌ، مكانٌ أو زمان. فرح القيامة ميرون النّفس المصلوبة مع النّاصريّ والقائمة معه. فرحها فيه شيءٌ من نكران بطرس وبعضٌ من جرأة توما وقطراتٌ من دموع مريم. فرحها حاضنٌ وداعة يوحنّا وتيقّن لوقا وبشارة متّى ومفخرة بولس وخفر ووداعة الجماعة المسيحيّة الأولى.

"إقبلي منّا بشائر الفرح بقيامة المسيح" هذا ما يضعه كاتب التّسابيح على لسان النّسوة مخاطباتٍ في أورشليمَ نفسَ كلّ منّا. إقبلي منّا يا خليقة بشائر الفرح بقيامة المسيح الّذي بنوره نعاين كلّ نورٍ يضيء حياتنا ويسكب فيها مجاري الغبطة.

نصلّي اليوم من أجل سوريا الّتي قاست وتقاسي إلى الآن آثار الحرب والدّمار والّتي دفعت وتدفع من دم قلوب أبنائها ومن سني حياتهم ضريبة المصالح الدّوليّة تشريدًا وعنفًا وإرهابًا وهجرةً وتهجيرًا وغلاء معيشةٍ وأزمةً عامّةً تستهدف أوًلاً وأخيرًا كرامة شعبٍ له حقّه المقدّس بالحياة. نصلّي من أجلها وهي الواحدة الموحّدة مهما أقصيت عن محافلَ ومهما اعتدي على أرضها ولها الحقّ في ردّ العدوان من أيٍّ كان. نصلّي من أجل العين السّاهرة على حدودها وعلى كرامتها. وندعو مجدّدًا إلى رفع هذا الحصار الاقتصاديّ الآثم الّذي يستهدف أوّلاً وأخيرًا حياة وكرامة شعبها. لقد قاسى السّوريّون مرارة الحرب والإرهاب والخطف والحصار والاستهداف الخارجيّ ودفعوا من فلذات أكبادهم ليبقى الوطن ويبقوا فيه حرًّا سيّدًا مستقلّاً. من حق السّوريّ أن يحنَّ إلى أيّامٍ ماضية نعمت فيها البلاد بالاستقرار والطّمأنينة. نقول كلّ هذا، وعلى قلوب السّوريّين جميعًا يجثم هذا الحصار الاقتصاديّ الّذي تظهر آثاره في كلّ شيء وتطال أوّلاً وأخيرًا المواطن المستهدف في لقمة العيش. وكمسيحيّين أصلاء في هذا النّسيج السّوريّ تجرّعنا كما غيرُنا كأس التّجربة المرّة لنبقى هنا في هذه الأرض ونقرع أجراسنا وقتَ نشاء.

صلاتنا من أجل لبنان واستقراره ونموّه. ودعوتنا أن يضع الله في قلوب المسؤولين جميعًا الحسّ بالمسؤوليّة تجاه المواطن اللّبنانيّ الّذي أصبح مستهدفًا في لقمة العيش وأبسط مقوّمات الحياة الكريمة. دعوتنا إلى التّعالي عن الأنانيّات والمصالح الضّيّقة وتشكيل الحكومة اللّبنانيّة بأسرع وقت وإلى إزالة سائر العراقيل الّتي تقف في طريق تشكيلها وإلى الانصراف للاهتمام بشؤون النّاس الّذين تزداد مآسيهم يومًا بعد يوم. من حقّ كلّ لبنانيّ أن يعرف أين ضاع المال العامّ، وكيف نهبت ثروات الوطن، ومن المسؤول عن التّفجير الّذي هدم العاصمة بيروت. ومن حقّه أيضًا أن يحيا في بلدٍ يحضنه ويحترم أتعابه، فلا يصبح جلّ اهتمامه الحصول على فيزا للسّفر إلى بلدان تكافئ أتعابه وتحترم إنسانيّته. لقد سئمنا لغة الحروب والمتاريس وتقاذف المسؤوليّات وتبرير الهدر والسّرقات والزّبائنيّات في بلدٍ أريد له أن يكون، البلد الرّسالة. فلتكن رسالة لبنان كما شاءها خالقُهُ رسالةَ السّلام والطّمأنينة والنّموّ والازدهار لا الصّراع والمواجهة وتقاذف المسؤوليّات بين المكوّنات والأطياف. فليكن هذا العيد فرصة للعمل من أجل قيامة لبنان من هذا الواقع المرير الّذي وصل إليه. فليكن فرصة للمسؤولين لكي يدحرجوا حجر الأنانيّات والمصالح والكيديّات عن القبر الّذي وضعوا فيه هذا البلد. فليكن فرصة للجميع لكي يتساءلوا أين وضعوا القيم والمبادئ الّتي قام عليها لبنان. فليكن فرصة للتّوثّب نحو غدٍ أفضل ولإعلان قيامة هذا البلد واستعادة دوره في هذا الشّرق وفي العالم.

صلاتنا من أجل هذا الشّرق بكلّ بلدانه الأصيلة وبكلّ أطيافه الّتي شاءها الله مزروعة في قلبه. صلاتنا من أجل المخطوفين ومنهم أخوانا مطرانا حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي المخطوفين منذ أكثر من ثمانية أعوام والّذي يمثّل خطفهما جرحًا إنسانيًّا مشرقيًّا مسيحيًّا يتعدّى حدود أبرشيّتهما حلب الجريحة ليستصرخ ضمير الإنسانيّة جمعاء.

صلاتنا من أجل سلام العالم أجمع ومن أجل أن يرفع الله عن البشريّة جمعاء ثقل الوباء الحاضر ويشمل نفوس من قضوا بمراحمه الإلهيّة. صلاتنا أن تكون يده تعالى مع الطّواقم الطّبّيّة والخدميّة لتخفيف ألمِ ومحنةِ كلِّ مَنْ في ضيق.

وبالتّحيّة الفصحيّة وبالبركة الرّسوليّة من عرش الرّسولين بطرس وبولس، نتوجّه إلى سائر أبنائنا في الوطن وفي بلاد الانتشار. نسأل لكم أحبّتي كلّ خير وبركة. كان الله معكم حافظًا ومعينًا مباركًا أطفالكم وأبناءكم ومقدّسًا حياتكم وشاملاً إيّاها بسلامه القدّوس.

قام المسيح والظّلمة تهاوت.  

قام المسيح والملائكة فرحت.  

قام المسيح والأحزان تلاشت.  

قام المسيح والخليقة تجدّدت.

قام المسيح فضمّ موتانا إلى قلبه الطّاهر ومسح من العيون كلّ دمعة.

كلّ عام وأنتم بخير.

المسيح قام، حقًّا قام."