لبنان
21 حزيران 2022, 05:55

يوحنّا العاشر في أحد جميع القدّيسين: عليّ أنا أن أكون ذلك المسيحيّ الّذي يعيش في صيرورة دائمة

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام القدّاس الإلهيّ الّذي احتفل به في أحد جميع القدّيسين في دير سيّدة البلمند البطريركيّ، ألقى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر كلمة دعا فيها إلى العيش في صيرورة دائمة مدى الحياة، صيرورة تتحقّق بالتّوبة.

وفي التّفاصيل، قال البطريرك يوحنّا العاشر في كلمته نقلاً عن إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

"يا أحبّة،

بعد أن أتممنا كلّ الأعياد العظيمة الّتي تعبّر عن تدبير الله الخلاصيّ من أجلنا، والّتي تُوِّجت بعيد العنصرة، عيد حلول الرّوح القدس الّذي أسّس الكنيسة، يأتي هذا الأحد الّذي حدّده آباؤنا القدّيسون تذكارًا لجميع القدّيسين.

إذا تأمّلنا في ذلك، وإذا تأمّلنا في النّصوص الّتي تُتلا في هذا الأحد، وفي المقاطع الكتابيّة الّتي سمعناها (الإنجيل المقدّس من بشارة القدّيس متّى، والرّسالة من بولس الرّسول إلى العبرانيّين)، نستطيع أن نتكلّم الكثير على هذه المعاني، وعلى سبب تخصيص هذا الأحد لجميع القدّيسين.

دعوني، اليوم، أتوقّف عند هذه النّقطة فقط، وأقول إنّ الكنيسة- عبر أولئك الآباء الّذي رتّبوا ذلك- تُذكِّرنا أنّ كلّ هذا العمل، التّدبير الخلاصيّ، هو كي نتقدّس، وأنّ مسعى كلِّ واحد منّا، كمسيحيّ، هو، بالنّتيجة، أن يعيش حياة القداسة.

نعم! والقداسةُ ما هي؟

القداسةُ، ببساطة، هي الصّيرورةُ، الكينونةُ في الحياة بالمسيح يسوع. وهذه الصّيرورة بالمسيح يسوع- أيّ أن تصبح مسيحيًّا- كيف تتحقّق؟

تتحقّق بالتّوبة، وما هي التّوبة؟ وماذا نقصد، هنا، بالتّوبة؟

التّوبةُ هي ما يقوله الرّسول بولس: "أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ أَمَامُ" (فيلبّي 3: 13). أيّ أن يترك الإنسانُ أفعالَ الظّلمة والخطيئة والّتي لا تليق، وأن يتجدّد ويتحلّى بالفضيلة وينظر إلى أمام، أيّ إلى السّيّد، وبالتّالي، يتجدّد (هذا الإنسان) بكلّ كيانه. هذه هي التّوبة، هذه هي الصّيرورة بالمسيح يسوع وهذه هي القداسة.

والرّبّ يقول لتلاميذه، في المقطع الإنجيليّ الّذي تُلي: "مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ" (10: 32). إذًا، كيف نعترف نحن بالرّبّ يسوع المسيح؟

الإعتراف الصّوتيّ واللّفظيّ هو أن تعلن بفمك أنّك تؤمن بالمسيح يسوع، هل هذا هو الاعتراف فقط؟

الإعتراف هو بالصّوت والقول، وهو اعتراف بالقلب؛ هو اعتراف بالفكر والذّهن، وهو اعتراف بكلّ كيان الإنسان، بتصرّفاته وبأقواله، بمشاعره وأحاسيسه وأفعاله وبكلّ ما يقوم به؛ وهذا هو معنى الصّيرورة بالمسيح يسوع.

هذا هو معنى الحياة الّتي هي حياة التّقديس وحياة القداسة. فيصبح مسعى الإنسان وجهده أن يترك ما وراء، أيّ أفعال الظّلمة، ويمتدّ إلى ما هو أمام، ويلتصق بالنّور. وبالتّالي: تفكيرُهُ، كلماتُهُ، حواسُّهُ، كلُّ ما يقوم به، كلُّ ما يتصرّف به وكلُّ ما يشعر به، كلُّ هذا يُحاول أن يجعله بالمسيح يسوع؛ كما يقول الرّسول بولس: "كُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ" (كولوسّي 3: 17).

نعم، اليوم، الكنيسة تريد أن تذكّرَنا، وتقولَ لنا:

يا إنسان! هذا كُلُّهُ من أجلك. هذا كُلُّهُ ليس لكي يكون تذكاراتٍ جميلة، أمورًا تتأمّل بها وتمرّ، وكأنّك تقرأ قصّةً ما، وانتهت.

لا!

هذه الأفعال الخلاصيّة هي من أجل قداستك، ومن أجل تقديسك، ومن أجل خلاصك.

وهذا شيء جميل جدًّا، إذ عندما نتكلّم عن القداسة، ونتذكّر أولئك القدّيسين كما هم أعطَوا حياتَهم للمسيح، وكما هم اعترفوا به، وكما هم شهدوا لحياتهم به، فإنّنا نقتدي نحنُ بِهِم، هم الّذين سبقونا، ونشهدُ للمسيح يسوع ونعترف به سيّدًا وربًّا وإلهًا.

نعم، الرّبّ الإله يُعطينا، خاصّة نحن معشرَ المسيحيّين، أن نُدرِك أنّ كلّ ما تمّمه الرّبّ، منذ أَنْ وُلِد بالجسد من العذراء مريم، فقد تمّمه من أجل خلاصنا نحن البشر، من أجل خلاصِكَ أنتَ يا إنسان، وهذه هي البشارة الحقيقيّة. لهذا، نحن نقول: البشارة، الإنجيل، البشارة الّتي هي بشارة الفرح، بشارة الخلاص، بشارة السّلام. لذا، على كلِّ واحد منّا أن يعي هذا الأمر: أنّ ما تُمِّمَ هو من أجلي؛ وعليّ أنا أن أكون ذلك المسيحيّ الّذي يعيش في صيرورةٍ دائمةٍ، كلّ يوم، في صيرورةٍ دائمةٍ لا تنتهي مدى الحياة.

وإن سقط الإنسان يعود فيقوم، ويعود فيسقط، ويعود فيقوم؛ ولهذا، يكون في هذه الصّيرورة المتواصلة، يومًا فيومًا؛ لأنّه يريد أن يكون للسّيّد الّذي أحبّه، وأن يبادله حبًّا بحبّ، هو الّذي رُفِع على الصّليب من أجلنا وقام من بين الأموات وداس الموت من أجل خلاصنا. وكما نَذكر، ونُذكِّر، دومًا، عندما يختم الكاهن أيّ صلاة، وكما سيختم القدّاس الإلهيّ، اليوم، يقول الكاهن: "أيّها المسيح، إلهنا، [والجملة الآتية الّتي تتغيّر بحسب المناسبة الطّقسيّة، أمّا اليوم الأحد: يا من قام من بين الأموات من أجل خلاصنا]...".

نُذكّر، دومًا، أنّ الرّبّ تمّم كلّ عمل الفداء الخلاصيّ هذا مِن أجلك أنتَ، يا إنسان! وكلّنا مدعوّون إلى أن نسير في هذا الطّريق، وهذا الطّريق يقول فيه الرّبّ: "إِنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (متّى 11: 30)، ونتيجته كما يقول كاتب المزامير: "ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!" (مزمور 34).

دَعونا نَعِشْ كلّنا هذه الأسرار الإلهيّة، نَعِشْ هذه البركة الإلهيّة؛ لكي نكون شهودًا للسّيّد، لكي نكون نجومًا لامعة تسطع بنوره الإلهيّ، فتَتَقدَّس هي، وتُقَدِّس مَنْ حَوْلَها؛ هو المُبارَك والممجَّد إلى الأبد، آمين."