يوحنّا العاشر صلّى في كنيسة رقاد السّيّدة في حلب وافتتح دار المطرانيّة القديمة
كان في استقباله كلًّ من راعي الأبرشيّة المطران افرام (معلولي)، راعي أبرشيّة صور وصيدا وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت الياس (كفوري)، راعي أبرشيّة عكّار وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت باسيليوس (منصور)، الأستاذ ديمتري عيسى ممثّل محافظ مدينة حلب حسين دياب، أمين سرّ مجلس المحافظة الأستاذ جورج بخاش، مجلس الأبرشيّة وآباء كهنة وشمامسة.
بعد الاستقبال، أقيم لقاء في مكان إقامة البطريرك يوحنّا العاشر رحّب في بدايته المطران أفرام (معلولي) بالبطريرك والوفد المرافق متحدّثًا عن أهمّيّة فعاليّة "نور من حلب".
بدوره، أشاد يوحنّا العاشر بالشّعب الحلبيّ وصبره لاسيّما في أحلك الظّروف الّتي مرّ بها، مؤكّدًا أنّ فعاليّة "نور من حلب" هي رسالة إلى العالم أجمع "بأنّنا باقون ومتجذّرون وصامدون".
هذا وأقام يوحنّا العاشر صلاة الشّكر في كنيسة رقاد السّيدة لمناسبة ترميمها وإعادة افتتاحها، وافتتح دار المطرانيّة القديمة، بدعوة من راعي الأبرشيّة وفي إطار فعاليّة أسبوع النّور.
وشارك في خدمة الصّلاة، إلى جانب راعي الأبرشيّة، كلّ من المطارنة: الياس (أبرشيّة صيدا وصور وتوابعهما)، جورج (أبرشيّة حمص وتوابعها)، باسيليوس (أبرشيّة عكّار وتوابعها) والأساقفة أرسانيوس دحدل وموسى الخصي ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة وذلك بحضور الشّيخ د. عبد السّتّار السّيّد، وزير الأوقاف في سوريل، السّيّد حسين دياب محافظ حلب، فاعليّات حزبيّة أمنيّة اجتماعيّة، قضائيّة، قانونيّة ونقابيّة، رؤساء الكنائس المسيحيّة في حلب، الأخوات الرّاهبات، أعضاء مجلس الشّعب، المنظّمات والجمعيّات الخيريّة والدّوائر والمؤسّسات وأعضاء مجلس الأبرشيّة ورؤساء وأعضاء الهيئات الكنسيّة وجمهور كبير من المؤمنين.
بعد صلاة الشّكر، ألقى الأب المتقدّم في الكهنة وكاهن كنيسة رقاد السّيّدة العذراء الأب غسّان ورد كلمة ممّا جاء فيها: "إنّ وقوفنا اليوم في كنيسة لها من العمر مئات لهي شهادة للتّاريخ بأنّنا أمناء لهذا الشّرق المتألّم أبدًا، ولكنّه قائم، ومن فقرنا وعوزنا نستطيع أن نصنع أعجوبة، هي أعجوبة المحبّة لوطن نراه جميلاً بجمال كنيستنا، ونؤكّد اليوم أنّ أجراس كنيستنا ستبقى تقرع معلنة عن قداديس وصلوات مستمرّة".
ثمّ كانت كلمة ألقاها الشّيخ د. عبد السّتّار قال فيها: "إنّه يوم عظيم عندما نرى المسلم والمسيحيّ يدًا بيد يحتفلان بإعادة الكنائس والمساجد والأهمّ إعادة إعمار الإنسان، هذا الإنسان الّذي تعرّض للتّدمير والتّهجير، وما شهدناه خلال السّنوات الماضية لا يشبهنا ولا نشبهه ولا ينتمي لإسلامنا ولا ننتمي له."
أضاف: "إنّ المسيحيّ الحقيقيّ هو الّذي أحبّ المسلم الحقيقيّ، والمسلم الحقيقيّ هو الّذي أحبّ المسيحيّ الحقيقيّ، ولن نقبل أن يكون المسيحيّ إلّا مواطنًا أصيلاً قبل كلّ النّاس وهذا هو انتماؤنا ودولتنا وكنائسنا وجوامعنا".
بعدئذ، ألقى المطران أفرام معلولي كلمة أوضح فيها: "نجتمع في هذا اليوم البهيّ السّاطع الضّياء تحت كنف السّيّدة العذراء الّتي نكرّمها جميعًا، هنا في هذه الكنيسة التّاريخيّة الّتي شهدت عبر تاريخها ما لم نشهده نحن الحاضرين ههنا. حجارتها أخبرتنا كيف أنّها عاصرت غزاة وطامعين، وأبرارًا ومؤمنين. أخبرتنا كيف دمّرت لمرّات كثيرة، وصمدت ونهضت. أخبرتنا كيف أنّ يد العبث مدّت إليها، وخرّبتها قذائف الحقد في العام 2012، وكيف هبّ أبناؤها لإعمارها وإعادتها إلى الرّونق الأصيل الّذي بنيت عليه، وكان على رأسهم وفي مقدمتهم راعي رعاتنا، البطريرك يوحنّا العاشر.
عبر تعاقب الأجيال، وعلى مرّ العصور كانت الكنيسة، ولم تزل، ولن تفتأ، تمخر عباب التّاريخ الكونيّ ناشرة عطر بخورها خلاصًا وسلامًا ومحبّةً في كلّ أرجاء الأرض. هي الّتي وعت منذ أن استولى عليها الرّوح وأطلقها للشّهادة أنّ السّرّ الّذي اؤتمنت عليه لتسبي إليه البصائر إنّما يكمن في القيامة الّتي تلألأت على الصّليب".
أضاف: "تعلّمنا ألّا نفصل بين القيامة والصّليب، فصرنا نعي بأنّ الاتّضاع يلازم كلّ ارتقاء، والانخفاض يسبق كلّ ارتفاع، وأنّه لا يوجد نهوض من دون رقاد. صرنا ندرك أنّ الانتصارات دائمًا تتقدّمها الأتعاب، والأكاليل تسبقها قطرات العرق والدّم.
بهذا الإيمان نعيش، ليس فقط كمسيحيّين، بل مسلمين ومسيحيّين، ودعني أقول: كأبناء هذا البلد الطّيّب سورية. بهذا الإيمان قاربنا تلك الفترة الصّعبة الّتي مرّت علينا وعبرت. بهذا الوعي تحصّنا حتّى غدت أحلامنا أطول من هذا اللّيل الحالك، فانتصرنا عليه ونصرنا بعضنا البعض. لقد دمّرت هذه الكنيسة وخربت، ولكنّنا جعلنا من الدّمار، بنعمة الله وعطاء المحسنين، فرصةً للإعمار. فمنذ اللّحظة الأولى كرّس البعض تعبهم وجهدهم، واجتهد كثيرون بفكرهم، وقدّم آخرون من سخاء عطائهم، ولن آتي على ذكر الأسماء هنا لئلّا تخونني الذّاكرة البشريّة المحدودة، بل سأكتفي بالدّعاء لكلّ من قدّم وساهم في إتمام هذا العمل، جمعيّة كانت أم أفرادًا، أخًا مسلمًا كان أم مسيحيًّا، مصلّيًا لربّ العزّة أن يخطّ اسمه في مصحف الحياة الّذي لا يزول الذّكر فيه. تمّ هذا العطاء لتعود الكنيسة كما ترونها، وكما أرادها الأب غسّان ورد، تحفة معماريّة رائعة تتمتّع الأبصار بها وبيتًا يجتمع فيه المؤمنون ليرفعوا التّمجيد لله الخالق".
وإختتم كلمته بالقول: "حسب وصيّة إنجيلنا، فلنصلّ لمن دمّر هذا المكان قائلين: اللّهم اجعلهم تجاه الغضب أسيادًا، وللرّغائب غير اللّائقة أعداءً، للنّاس في وقت الضّيق مسعفين ولخدمة الإنسانيّة مجاهدين. أنتم يا من تهتمّ عن رؤيتكم السّامية وشرّدتم في ظلمة النّفوس، امضوا في الطّريق الملكوتيّة واطرحوا عنكم بتمييز كلّ ما هو ضارّ."
كما قدّم للبطريرك حُجْرًا صغيرًا توجد عليه أيقونة السّيّدة العذراء.
مقابل ذلك، ردَّ البطريرك يوحنّا العاشر شاكرًا وقائلاً: "نحن ههنا لنعيد افتتاح المطرانيّة القديمة في حلب ولنحتفل بافتتاح كنيسة السّيّدة، هذه الكنيسة هي كنيسة حلب التّاريخيّة الّتي تعود إلى عصور وعصور، نحن ههنا لنؤكّد أنّنا كمسيحيّين توأم هذه الأرض، نحن ههنا في حلب القديمة الّتي نفضت عنها غبار الحرب والدّمار لنقول للعالم أجمع أنّ نور الحقّ أقوى من نور الباطل. نحن ههنا في جيرة أنطاكية المدينة القديمة الّتي تنحدر منها الكنيسة اسمًا وأصالة أنطاكية التّاريخ، أنطاكية الرّوح وعاصمة الشّرق التّاريخيّ".
أضاف: "حيٌّ هو الرّبّ الّذي شاءنا كمسيحيّين ومسلمين في هذه الأرض، حيٌّ هو الرّبّ الّذي وقف معنا ونتّكل عليه دون سواه، حيٌّ هو الرّبّ السّاهر علينا. نفتتح دار قديمة لنضع في الأذهان أنّنا شهود لاستمراريّة المسيحيّة المشرقيّة الّتي أرادها الله في هذه المدينة. نحن ههنا وجرح حرب لم يندمل وكذلك جرح المسيحيّين مع تغييب مطرانينا يوحنّا (ابراهيم) وبولس (يازجي) رغم أنّنا قد طرقنا كلّ الأبواب وطرحنا قضيّتهما."
وإختتم بالقول: "نؤكّد من حلب على وحدة التّراب السّوريّ حتّى ٱخر شبر من حلب الّتي عاشت الأزمات والصّعوبات، ونوجّه نداء إلى العالم ونقول: "ارفعوا الحصار الاقتصاديّ الآثم عن شعبنا الّذي يستهدف لقمة عيشه، نحن لسنا هواة هجرة أو تهجير، نريد أن نحيا في بلدنا، نحن لم نُخلق لنموت على قاربة الشّواطىء، نريد أن نعيش في أرضنا وبلادنا. لذلك نصلّي من أجل سلام سوريا وسائر البلدان".
بعد ذلك، قدّم البطريرك يوحنّا أيقونة السّيّدة العذراء "أنغولبيون" للمطران أفرام معلولي تقديرًا لعطاءاته في خدمة أبرشيّة حلب.
كما ألبس الأب غسّان ورد صليبًا مقدّسًا تقديرًا لتضحياته في سبيل أن تبقى كنيسة رقاد السّيّدة أيقونة نابضة بالإيمان.
بعد ذلك، توجّه الجميع إلى المطرانيّة القديمة حيث أزاح البطريرك يوحنّا العاشر والفاعليّات المشاركة السّتار عن اللّوحة التّذكاريّة الّتي تؤرّخ لهذا اليوم التّاريخيّ.
بعدها، التقى الفاعليّات والمؤمنين في صالون المطرانيّة حيث علت أصوات التّراتيل الّتي فاح عبيرها من أفواه الشّبيبة الأرثوذكسيّة كما زيّنت الكشّافة المطرانيّة بعزفها الرّاقي الّذي يليق بهذا العرس الكنسيّ.
تجدر الإشارة، إلى أنّ إعادة ترميم المطرانيّة قد تمّت بإشراف المهندس المعماريّ الاستشاري رودولف خولي، والمهندس المعماريّ مجد خولي، ونفّذ الأعمال السّيّد مصطفى العمر وفريقه الفنّيّ واستمرّت الأعمال للعامين 2021 -2022.
أمّا الأحد فأقام البطريرك يوحنّا العاشر القدّاس الإلهيّ في كنيسة رقاد السّيّدة للرّوم الأرثوذكس وكرّسها ونضحها بالماء المقدّس على وقع قرع جرسها معلنة وديعة إيمان أبنائها الثّابتين رغم كلّ الأزمات.
عاون البطريرك في خدمة القدّاس كلّ من المطارنة: أفرام (أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما)، الياس (أبرشيّة صيدا وصور وتوابعهما)، جورج (أبرشيّة حمص وتوابعها)، باسيليوس (عكّار وتوابعها) والأساقفة أرسانيوس دحدل، موسى الخصي ولفيف من الآباء الكهنة والشّمامسة بحضور كنسيّ وشعبيّ.
في عظته بعد الإنجيل المقدّس قال البطريرك: "تعدّ هذه الكنيسة نعمة كبيرة لحلب، وتذكّروا دائمًا أنّكم أنتم الكنيسة أيّ جماعة المؤمنين، أثبتوا على إيمانكم وانظروا دائمًا إلى الأمام وثابروا على رسالتكم لأنّكم أبناء النّور".
أضاف: "جئنا إليكم لنؤكّد لكم عمق محبّتنا حيث لا نستطيع أن نعبّر عمّا يختلج في داخلنا من انسحاق وتخشع لنكون من جديد في حلب الشّهباء وبهذه المناسبة العظيمة إعادة افتتاح كنيسة السّيّدة والمطرانيّة القديمة.
يا أحبّة، نرى النّاس أحيانًا يتعبون من كثرة الحديث عن فضائل الصّبر، المحبّة، الخدمة، التّواضع وغيرها لأنّ النّاس يودّون أن يروا الإنسان الّذي يحبّ ويتواضع ويقوم بالأعمال الصّالحة. لذلك يا أحبّة، يجب أن تكون أعمالنا وأفعالنا صالحة ومثمرة تخدم الإنسان، علينا أن نبشّر بالمسيح يسوع وأن نحبّ الٱخر ونبادله الأعمال الصّالحة لأنّنا أبناء نَخلُق من الموت حياة".
تابع: "إنّ الله لم يخلقنا للشّرّ إنّما خلقنا على صورته ومثاله لنقوم بالصّالحات، فلنتمسّك بهذه الصّورة ولتكن رسالتنا رسالة محبّة وسلام وتلاقي بين أبناء الوطن الواحد.
يا أحبّة، نرفع صلاتنا اليوم من أجل سلام سوريا وسائر البلدان، وعلينا ألّا ننسى سيّدنا بولس الغائب الحاضر بأذهاننا وقلوبنا وسيكون يوم فرح عندما يراكم في هذه الكنيسة المقدّسة".
في ختام القدّاس، صافح البطريرك يوحنّا العاشر المؤمنين مانحًا إيّاهم بركته الأبويّة.