دينيّة
12 أيار 2020, 07:00

يا قدّيسة مريم تضرّعي لأجلنا!

ريتا كرم
أودع الله كنيسته إلى والدته الطّاهرة لقيادة شعبه نحو الخلاص، فلجأ إليها المؤمنون في أفراحهم وأتراحهم ضارعين إليها لتشفع لهم عند ابنها يسوع وتراهم يكرّمونها طيلة السّنة وبالأخصّ في الشّهر المريميّ في صلوات وزيّاحات يوميّة، إذ تُتلا خلالها مسبحة الورديّة وتُختم بطلبة تُبرز فضائل العذراء.

 

تُقسم هذه الطّلبة إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل والثّالث يطلب فيها المؤمن "الرّحمة" من الثّالوث الأقدس عبر الـ"كيرياليسون".

أمّا الثّاني فهو خاصّ للابتهال للعذراء والتّأمّل في صفاتها مردّدين في ختام كلّ واحدة عبارة "تضرّعي لأجلنا".

وفي التّفاصيل، يصرخ الأبناء إلى مريم "الأمّ" و"البتول" و"السّلطانة" لكيّ تصلّي لأجلهم ومعهم. فما هي المعاني الّتي يحملها كلّ من الألقاب الاثنين والخمسين؟

 

يا قدّيسة مريم

إمتلأت من النّعمة الإلهيّة واتّحدت إرادتها مع إرادة الآب، فصارت "آمة للرّبّ" طائعة لمشيئته، مكرّسة قلبها له، فباتت قدس أقداس حقيقيّ، بنعمة الله، يسكنه ويملكه وحده، واستحقّت بذلك لقب القدّيسة الّتي فاقت القدّيسين فرادة وكمالاً، بالرّوح والجسد. فيا "قدّيسة مريم" علّمينا سبل القداسة!

 

يا والدة الله

"عظيم سرّ التّقوى الّذي ظهر في الجسد"، فوُلد الإله المتأنّس "يسوع" أيّ الله نفسه، بلاهوته وناسوته من مريم العذراء، بنعمة الرّوح، وصار المستحيل حقيقة إيمانيّة حيّة وفعل محبّة الله في أعلى صورها. وهكذا سمت العذراء من والدة عاديّة لتكون "والدة الله" بكلّ ما للكلمة من معنى. فيا "والدة الله" إحمي بنيكِ!

 

يا عذارء العذارى

كرّست نفسها للرّبّ، فالتصقت بمحبوبها وعاشت حياة تليق بالسّماء، فكانت عذراء في جسدها وروحها. بها تمثّل كلّ من اختار طريق الله ملتزمًا كمريم البتوليّة والعفّة والطّهارة وإنكار الذّات والطّاعة تعبيرًا عن هذا الحبّ العظيم. وها هي مريم "عذراء العذارى" تشعّ نقاوة وطهرًا وتتربّع في عليائها شفيعة للعذارى والرّهبان والرّاهبات والمكرّسات. فيا "عذراء العذارى" نقّي أرواحنا وأجسادنا!

 

يا أمّ سيّدنا يسوع المسيح

"ها أنت تحبلين وتلدين ابنًا وتسمّينه يسوع" هكذا بشّر ملاك الرّبّ مريم، "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم" وبهذه الآية أعلن ليوسف مشروع الله الخلاصيّ. وعن المسيح المنتظر نفسه تكلّم الأنبياء في العهد القديم، وتابعت نصوص العهد الجديد ذكره والشّهادة لمجده ما يؤكّد أنّ يسوع هو رجاء الأجيال وحكمة الله المعلنة والمخلّص الحبيب، وأنّ مريم هي أمّ سيّدنا يسوع المسيح. فمنك نطلب سلامه!

 

يا أمّ النعمة الإلهيّة

يسوع هو ينبوع كلّ النعم، بل هو النّعمة السّماويّة بذاتها. وها هي مريم الممتلئة نعمة تصبح أمّ النّعمة الإلهيّة بفعل اتّحادها بابنها الحبيب، فتراها توزّعها على أبناء الله مشجّعة إيّاهم على الاقتراب منه والثّبات في محبّتهم له.عن "أمّ كلّ النّعم" تحدّث الآباء والقدّيسون وبكرمها في نثر الهبات السّماويّة أشادوا، فكرّمتها الأجيال الّتي لا تزال تطلب شفاعتها لدى يسوع. فيا أم ّ النّعمة الإلهيّة تضرّعي لأجلنا!

 

يا أمًّا طاهرة

نقيّة الفكر والقلب والإرادة هي، بالفضيلة الملائكيّة السّامية تمسّكت، وجوهر قداسة الله اقتدت، بالطّهارة سارت دربها مع الرّبّ، بلا عيب. فتراها أمًّا نقيّة حصّنت نفسها من كلّ دنس بشريّ بإيمان لا يوصف، وإرادة لا تُقهر وحبّ لا حدود له. وهل من طهر يفوق ذاك الّذي أظهرته العذراء الّتي داست قوّات الشّرّ؟! فيا أمًّا طاهرة طهّرينا من دنس الخطيئة!

 

يا أمًّا عفيفة

لم تعرف رجلاً في حياتها، فارتفعت إلى مستوى أعلى من الملائكة لأنّ الرّوح القدس قد حلّ عليها وقوّة العليّ ظلّلتها، فاحتفظت ببتوليّتها وعفّتها طوال حياتها على الأرض، فأضحى جسدها وحواسها في حالة سامية جعلتها تحظى بأثمن الكنوز: العفّة. فيا أمًّا عفيفة خلّصينا من الفساد!

 

يا أمًّا غير مدنّسة

لم تدنّس بتوليّتها، لم تقع تحت سيطرة الشّرّ، ظلّت جميلة بلا عيب في نظر الله، فأحبّته بكلّ قلبها وكلّ نفسها وكلّ قوّتها وكلّ قدرتها، على عكس حوّاء الأولى الّتي خلقت بلا دنس ولكنّها ابتعدت عن الله ولم تطعه فأصابتها اللّعنة وطردت، في حين أنّ مريم حوّاء الثّانية أطاعت فاستحقّت التّطويب والمجد. فيا أمًّا غير مدنّسة نجّينا من كلّ شرّ!

 

يا أمًّا بغير عيب

كما أنّ الله كامل، لا بدّ من أن تكون والدته كاملة. فاختار مريم بين كلّ نساء الأرض ونالت حظوة عند الله، وجعلها بين كلّ البنات "كالسّوسنة بين الشّوك". فالرّبّ شاء أن يولد على هذه الأرض فاقتضى أن يختار أمًّا له تليق بهذا المجد، لا تشوّهها أيّة نجاسة، فكانت مريم الخيار الأمثل الّتي عاشت بعيدة عن شوائب هذا العالم، فاستحقّت أن ندعوها "أمًّا بغير عيب"، فنقيّنا من كلّ ما يعيب صورة المسيح فينا!

 

يا أمًّا حبيبة

غمرها الله بثمار الرّوح القدس: المحبّة والفرح والسّلام والأناة واللّطف والصّلاح والإيمان والوداعة والعفاف، فأحبّها من عرفها في كلّ العصور، فهي الّتي أحبّتهم في كلّ الظّروف، عزّتهم في ضيقهم وباركتهم في فرحهم. فتراها جميلة الخلق وطيّبة النّفس، هي أمّ الفضائل لا تردّ أحدًا خائبًا، فلحبّها تصنع المعجزات وتفيض نعمًا وعطاء على أبنائها. فيا أمًّا حبيبة علّمينا أن نحبّ بدون شروط!

 

يا أمًّا عجيبة

منحها الله امتيازات عديدة، فجعلها ابنة الآب، عروس الرّوح القدس ووالدة الله، فأظهرها الإله أمًّا تعطي الحياة، أمّ المخلّص الممتلئة نعمة. تمجّدت في حياتها على الأرض وكذلك في انتقالها، فرفعها الله بالرّوح والجسد. بها يشرق الفرح وبها تتجدّد الخليقة، فيا أمًّا عجيبة إشفعيِ بنا متى حضرنا أمام ابنك الحبيب!

 

يا أمّ الكنيسة

"لن أترككم يتامى" بذلك وعد يسوع وكان كما قال: مريم أمّ الكنيسة. ففي البشارة كانت حاضرة لتلبية مشيئة الرّبّ، عند أقدام ابنها المصلوب مكثت، وعلى حلول الرّوح القدس على الرّسل والتّلاميذ شهدت، فولدت الكنيسة في ذلك اليوم وصارت العذراء أمًّا لها، متربّعة على رأسها، متسربلة بشمس البرّ يسوع ومتوّجة بالاثني عشر تربط بين المسيح والكنيسة. فيا أمّ الكنيسة أملكي على حياتنا!

 

يا أمّ المشورة الصّالحة

هي مثال الحكمة والفطنة، نموذج للمشورة والقيادة الصّالحة، هي طريق كلّ مؤمن نحو الخلاص، نحو يسوع حكمة الله. ما بخلت يومًا على كلّ من لجأ إليها، بل أعطته المسيح الحكمة الأزليّة الّذي منه كلّ معرفة. يا أمّ المشورة الصّالحة قودي سبيلنا!

 

يا أمّ الخالق

بما أنّ المسيح به كلّ شيء فهو الخالق. وبتأنّسه من العذراء مريم أضحت أمّه وبالتّالي أمّ الخالق. فيا أمّنا علّمينا أن نحفظ الوديعة الخليقة!

 

يا أمّ المخلّص

"ها أنت تحبلين وتلدين إبنًا وتسمّينه يسوع هذا يكون عظيمًا وابن العليّ يدعى"، بشارة كانت وفعلاً أصبحت، فولدت مريم المخلّص، فادي البشريّة. وباتت أمّ الكلمة المتجسّد الّذي أعلنت الملائكة ولادته للرّعاة قائلين: "اليوم ولد لكم مخلّص. فيا أمّ المخلّص خلّصينا!

 

يا بتولاً حكيمة

أحسنت اختيار الطّريق إلى الحياة الكاملة، ففي كلّ أدوار حياتها كانت مثالاً في الحكمة، امتثلت لإرادة الله وتحقّق ذلك بطاعتها وتسليمها "فالرّبّ يعطي حكمة ومن فمه المعرفة والفهم". ومريم كانت تحفظ جميع الكلام وتتأمّل به في قلبها. فيا بتولاً حكيمة إمنحينا الحكمة!

 

يا بتولاً مكرّمة

رفعت بنعمة الله، وإنّما دون ابنها، فوق جميع الملائكة وجميع البشر، هي والدة الإله الكلّيّة القداسة الحاضرة في حياة المسيح. تكرّمها الكنيسة بشعائر خاصّة، بخشوع واحترام، ولاسيّما منذ مجمع أفسس، فتحقّقت بذلك كلمات العذراء النّبويّة حين قالت: "جميع الأجيال تطوّبني لأنّ القدير صنع بي العظائم"، فترى شعب الله يتشفّع بالعذراء حين يقدّم العبادة لابنها الأزليّ. فيا بتولاً مكرّمة تشفّعي بنا!

 

يا بتولاً ممدوحة

مدحها الملاك جبرائيل كما نسيبتها أليصابات قائلين: "مباركة أنت في النّساء"، وقد قام الكثيرون بذلك مذّاك، إذ تحتفظ الكنيسة بنصوص ومدائح كثيرة تكريمًا لمريم، تسلّمتها من الرّسل والآباء الأوائل، وحفظتها كميراث روحيّ لفائدة المؤمنين الّذين لا يكفّون إلى اليوم عن مدحها في صلواتهم. فيا بتولاً ممدوحة تضرّعي لأجلنا!

 

يا بتولاً قادرة

العذراء قادرة بقدرة الله، حباها المسيح بكلّ النّعم والفضائل، وقد برهن ذلك في عرس قانا إذ لم يردّ لها طلبًا، فكانت كلمتها مستجابة أبدًا. فيا بتولاً قادرة أعينينا!

 

يا بتولاً حنونة

فاض قلبها رحمة وحنانًا لا يوصفان، فهي الّتي تسارع لنجدة أبنائها في وقت الضّيق والخطر، تحميهم من حبائل الشّرّ وتخلّصهم من كلّ تجربة. بصلواتها وشفاعتها الدّائمتين أمام يسوع الملك ترعى أبناءها وتجعل من حبّها حصنًا منيعًا أمام الشّدائد والمصاعب، تتدخّل في السّاعات الحرجة، وتُظهر نفسها لهم داعية إيّاهم إلى الصّلاة والتّوبة فهي الّتي تفرح فرح كلّ أمّ لخلاص أبنائها الأحبّاء. فيا بتولاً حنونة إرحمينا!

 

يا بتولاً أمينة

أتمّت كامل واجباتها تجاه الله والقريب، فكانت أمينة على النّعم الّتي وهبها الله لها، ففي الهيكل خدمت الرّبّ واستسلمت بكامل قلبها لله وحده وعلّلت نفسها برغبة واحدة وهي البقاء آمة له خاضعة أبدًا لمشيئته، مواظبة على معيشتها في الهيكل حيث كان الرّوح القدس يهيّء فيها مسكناً لله الكلمة، حفظت الشّريعة بأمانة، زاولت عملها بالشّغف نفسه وصارت أمّ المسيح الطّفل والشّابّ والرّجل الّذي لم تتوان عن خدمته لحظة. فيا بتولاً أمينة علّمينا الأمانة!

 

يا مرآة العدل

كالمرآة، هي تعكس صورة يسوع بفضائله السّامية، فهي كما تمّ وصفها "شمس البرّ" الّتي أشرقت لتعكس صورة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. هو الحقّ والعدل، لذا تراها تجسّد كذلك هاتين الفضيلتين اللّتين جعلتا من مريم مرآة العدل. فمنك نطلب أن تحيي وجداننا فنعدل!

 

يا كرسيّ الحكمة

أطلقت الكنيسة عليها لقب كرسيّ الحكمة لأنّ الحكمة الإلهيّة أيّ يسوع قد حلّ فيها ومنها تدفّق نهر الحقائق الإلهيّة الّذي يجرف معه كلّ ما هو باطل، فهي "ضياء النّور الأزليّ ومرآة عمل الله النّقيّة وصورة جودته"، هي مقرّ طاهر للابن المتجسّد بحكمة إلهيّة. فيا كرسيّ الحكمة طهّرينا!

 

يا سبب سرورنا

هو السّرور الحقيقيّ، نبع السّلام الدّاخليّ، باتّحادنا به فرح لا يوصف. ومريم والدة الله، هي سبب هذه السّعادة، إذ ولدت الحياة للعالم، فأعادت العذراء بذلك الرّجاء والبهجة إلى قلوب البشر، بشفاعتها كانت توبة الخطأة وتعزية الحزانى وشفاء المرضى. فمن سواها يكون إذًا سبب سرورنا؟ هلمّي واقبلي منّا عربون حبّ يا نبع كلّ النّعم!

 

يا إناء روحيًّا

كالإناء امتلأت نعمًا إلهيّة، فاختارها الله لتحمل القدّوس البارّ، فتكون بذلك إناء روحيًّا ينضح على المؤمنين الهبات السّماويّة حتّى انقضاء الدّهر، فيستقون منه ويروون قلوبهم التّوّاقة إلى القداسة من خيرات وضعت بين يديها. فيا إناء روحيًّا إروي عطشنا!

 

يا إناء مكرّمًا

من طوّبتها الأجيال، كرّمتها الكنيسة. ومن امتلأت نعمة صارت إناء ينضح حياة. مريم تفجّر النّبع الحيّ ولن ينضب. احتوت الرّوح فأشرق منها الكلمة وفاص منها النّور غير المحدود. فيا إناء مكرّمًا مباركة ثمرة بطنك!

 

يا إناء العبادة الجليلة

أحبّت الله بكلّ قلبها ونفسها وقدرتها وذهنها، عبدته عبادة كاملة بإيمانها ورجائها وطهارتها، وجّهت أفكارها وحواسها نحوه وحده. فجلّتها الكنيسة لأنّها عكست صورة صادقة وصحيحة للعبادة الحقّة. فيا إناء العبادة الجليلة أرشدينا إلى ابنك!

 

يا وردة سرّيّة

في جنّته زنبق الطّهارة وبنفسج التّواضع ووردة العفّة، في مريم العذراء غرس الرّبّ كلّ الزهور. هي الوردة الّتي نمت وسط أشواك العالم خالية من شوكة الخطيئة وفاح عطرها في حياة كلّ من تنشّق رائحتها الذكيّة. وهي سرّيّة لأنّ جمال نفس مريم وقوّة شفاعتها تتخطّى كلّ ما هو ملموس أو مسموع. فيا وردة سرّيّة عطّري حياتنا!

 

يا أرزة لبنان

هي بيت الرّبّ المختارة منذ الأزل ليحلّ فيها عمّانوئيل، وكان الملك سليمان قد استقدم من لبنان ألواح الأرز الصّلب لبناء الهيكل وتثبيته على أساس متين وثابت مستخلص من شجرة الأرز، لذا ينسب إلى مريم لقب أرزة لبنان لأنّها ساهمت في بناء بيت الرّبّ على أسس لا تتزعزع. فيا أرزة لبنان ثبّتينا في الإيمان الصّلب!

 

يا برج داود

كقلعة الملك داود المرتفعة والّتي بناها وملأها بالجنود محصّنًا إيّاها بالعتاد للدّفاع عن أورشليم، هي مريم العذراء في المسيحيّة، تدافع عن الإيمان، تقاوم الشّرّ وتردّه عن الكنيسة، وكالحصن المنيع هي شامخة تحمي أبناءها من وترشدهم. فيا برج داود حصّني حياتنا!

 

يا برج العاج

ثمينة ونادرة، متينة وقويّة هكذا هي مريم كبرج عاجيّ يلمع لفرادته وجماله. هي الأمّ الوحيدة لله، والملكة الواحدة على المخلوقات والملائكة. قيل عنها في كتاب "نشيد الأناشيد" "عنقك كبرج من العاج" فكما أنّ العنق يحمل رأس الجسد، هي تحمل يسوع المسيح. فيا برج العاج إحملينا لنكون أعضاء ثابتين في هذا الجسد!

 

يا بيت الذهب

مثل هيكل سليمان المرصّع داخله بالذهب، هي والدة يسوع الّتي جمعت هبات النّعمة وامتيازات المجد ففاقت الذّهب غنى، فهي الّتي حملت المسيح في أحشائها الكنز الأثمن، لذا لقّبتها الكنيسة ببيت الذهب. فمن كنزك إغنينا!

 

يا تابوت العهد

اختارها الله وأعدّها منذ الأزل لمسيرة الخلاص، فجعلها تحمل المخلّص ليعيد إلى الذّاكرة قصّة موسى الّذي صنع تابوت العهد بأمر من الله، والّذي حوى أناء ذهبيًّا يضمّ المنّ السّماويّ وعصا هاورن ولوحي الوصايا، والّذي اختفى بعد خراب أورشليم وبقي مكانه المقدّس فارغًا إلى أن جاء يسوع الخبز الحقيقيّ النّازل من السّماء، والكاهن والمشرّع الأعظم ليسكن أحشاء مريم، فجعلها الله تابوت العهد الجديد. فاجعلي منّا ورقة بيضاء تحتوي الكلمة!

 

يا باب السّماء

مريم هي باب العبور إلى السّماء، وهذا ما أكّده الآباء من خلال تفسير رؤيا يعقوب الشّهيرة، فرأوا بالسّلّم المنتصب على الأرض ورأسه إلى السّماء وملائكة الله تصعد وتنزل عليه، مريم الّتي نزل الله الكلمة عبرها إلى الأرض، فضلاً عن أمثلة الكتاب المقدّس في هذا الشأن، والعبرة واحدة: مريم هي "سفر الحياة" الّتي وجب تكريمها لنيل الحياة الأبديّة. فيا باب السّماء عبّدي طريقنا بالفضائل لنرث الملكوت!

 

يا نجمة الصّبح

هي بوصلة كلّ تائه في بحر العالم، تبشّر بظهور شمس العدل على كلّ متألّم وجائع وحزين، نجم يبرق بأشعّة قداسة طبيعيّة، أعطى الضّوء للعالم دون أن يفقد بتوليّته أو طهارته. هي ميناء الخلاص بعد كلّ تجربة وضيق وشدّة، هي المشرقة كالصّبح، الجميلة كالقمر، هي نجمة الصّبح. فأنيري عالمنا المتخبّط بالظلام!

 

يا شفاء المرضى

هي دواء الخطأة وصحّة المرضى، تضمّد الجراحات، تخفّف الآلام وتقود إلى التّوبة والشّفاء من أمراض النّفس والجسد، هي مريم الّتي من وجدها وجد الحياة ونال مرضاة من الرّبّ. فيا شفاء المرضى إشفي قلوبنا العقيمة وأجسادنا السّقيمة!

 

يا ملجأ الخطأة

هي أمّ حنون ترأف بأبنائها الضّالين والخطأة التوّاقين إلى التّوبة، يداها ممدودتان نحو كلّ ضالّ، تحضن الجميع بدفء وتمهّد لهم الطّريق إلى ابنها يسوع، فتشفع لهم عنده طالبة لأبنائها العفو والغفران. فيا ملجأ الخطأة أعينينا في ضعفنا!

 

يا معزّية الحزانى

ذاقت الألم والحزن، فقدت يوسف وشهدت على آلام ابنها، فعادلت الحزانى في أحاسيسهم وأوجاعهم، لذا تراها تدرك آلامهم وتعرف كيف تعزّيهم في حزنهم وتقوّيهم في ضعفهم. فيا معزّية الحزانى كوني لنا خير عزاء!

 

يا معونة الّنصارى

أضاف البابا بيوس الخامس على طلبة العذراء هذا اللّقب، عام 1571، بعد أن هاجم العثمانيّون دول شرق البحر الأبيض المتوسّط حتّى حدود شبه الجزيرة الإيطاليّة حيث شكّلت الدّول الأوروبّيّة الخاضعة لسلطة البابا تحالفاً لصدّ هذا الهجوم، وقد طلب الحبر الأعظم أن تقام الصّلوات وأن تتلى المسبحة الورديّة ليحفظ الله الكنيسة، وهكذا هزم الجيش العثمانيّ ونالت العذراء هذا اللّقب على أنها معينة المسيحيّين في كلّ حين وفي أيّ حال. فيا معونة النّصارى ثبّتينا في أرضنا!

 

يا سلطانة الملائكة

يرفع التّقليد الكنسيّ كرامة العذراء فوق الملائكة وكلّ الرئاسات ويطلق عليها سلطانة الملائكة، فهي رغم كونها أرواحاً طاهرة إلا أنّها في حضور الله تكون خادمة ترهب العذراء أمّ ملك الملوك. فيا سلطانة الملائكة لك كلّ الإكرام!

 

يا سلطانة الآباء والأنبياء

تفوّقت بإيمانها على ابراهيم وبعظمتها على داود وبحكمتها على يوسف، ومارست طوال حياتها الفضائل المسيحيّة، فتربّعت سلطانة على الآباء. وفي اللّاهوت الكنسيّ ترتفع مريم في درجة قربها من الله، فهي قد قبلت الرّوح القدس ليتّحد بكلّ كيانها فيتحقّق التجسّد، في حين قبل الأنبياء الرّوح في الذّهن والفم فقط لينطقوا بكلمة الله، فتقدّمت قداستها على نبوّتهم. فيا سلطانة الآباء والأنبياء قوّمي سراطنا!

 

يا سلطانة الرّسل

"وظهرت في السّماء آية عظيمة امرأة ملتحفة بالشّمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً"، هي مريم الّتي أشرق منها شمس البرّ يسوع، وتحتها يوحنّا المعمدان يحيط بها الرّسل الاثني عشر الّذين رافقتهم في حمل الرّسالة للعالم. وها هي تواصل ذلك اليوم من خلال ظهوراتها. فيا سلطانة الرّسل كلّلي حياتنا!

 

يا سلطانة الشّهداء

هاجرت أرضها هربًا إلى مصر، اضطهدت وفقدت وحيدها، فغرس سيف الألم في نفسها كنبوءة سمعان الشيخ "وأنت سيجوز سيف في نفسك حتّى تُكشف أفكار من قلوب كثيرة"، تحمّلت بصبر وإيمان ورجاء، وصارت أمّ الشّهيد الأعظم يسوع المسيح. فيا سلطانة الشّهداء إنزعي سيوف الألم من صدورنا!

 

يا سلطانة المعترفين

مريم الوفيّة حتّى النّهايات لم تنكر المسيح مرّة، معترفة بالجميل للثّالوث بما حباه من نعم. وكانت أمًّا للمعترفين الذّين ضحّوا بحياتهم مستشهدين في سبيل الكلمة.  فيا سلطانة المعترفين أنقذي المضطهدين!

 

يا سلطانة العذارى

احتفظت ببتوليّتها قلبًا وفكرًا وجسدًا، عاكسة القوّة والرجاء والمعونة والقدوة، فأضحت مثالاً للعذارى اللّواتي وهبن أنفسهنّ لله من أجل ملكوته. فيا سلطانة العذارى قدّسي المكرّسات!

 

يا سلطانة جميع القدّيسين

هي في مقدّمة القدّيسين، ومثلهم الأعلى ودليل لهم في طريقهم على خطى المسيح. فلا قداسة إلّا مرورًا بالعذراء مريم قدوتهم وقائدتهم. فيا سلطانة جميع القدّيسين قدّسينا!

 

يا سلطانة السّموات والأرض

هي أمّ الله صانع السّماء والأرض، توّجها بتاج العظمة والمجد هي من تنظر إلى أبنائها في عليائها بعين الرّحمة والحنان. وعلى الأرض، كرّموها، فشكروها وشيّدوا على اسمها مقامات انتشرت في المعمورة كلّها، واتّخذها ملوك كثيرون شفيعة لهم، فيا سلطانة السّموات والأرض إجذبينا إلى ابنك!

 

يا سلطانة حُبل بها بلا دنس

دخلت العالم ممتلئة نعمة منذ حُبل بها، ومُنحت امتيازاً خاصًّا منزّهًا إيّاها من الخطيئة الأصليّة. بقيت وفيّة في حفظها للشّريعة وكرّست حياتها للخدمة في الهيكل حتّى لم يستطع الشّرّ أن ينال منها سوءًا. فيا بريئة من الخطيئة الأصليّة أعطنا براءة الأطفال!

 

يا سيّدة الانتقال

الرّوح الّذي حلّ عليها وأحيا جسدها لتصير أمًّا لابن الله، هو نفسه أحيا جسدها المائت ونقله إلى المجد السّماويّ لأنّها سلّمت أمرها تسليمًا مطلقًا لعمل الرّوح القدس، جسدًا ونفسًا. فيا سيّدة الانتقال أحيي الإنسان فينا!

 

يا سلطانة الورديّة المقدّسة

بعد المزامير المئة والخمسين، جاءت السّبحة وشكّلت سلسلة ورود عربون صلاة وتأمّل في أسرار الخلاص تكريمًا للعذراء الّتي حملت إلينا الحياة والخلاص بالمسيح يسوع. فيا سلطانة الورديّة المقدّسة علّمينا عمق الصّلاة!

 

يا سلطانة العائلات

العائلة هي كنيسة صغيرة تكوّنت ببذرة إيمان الزّوجين نيلها الأسرار المقدّسة، فصارت بذلك خليّة في جسد المسيح السرّيّ أيّ الكنيسة. فيها نتعلّم الصّلاة والفضائل والقيم المسيحيّة ومنها تتكوّن المجتمعات، هي النّموذج الحيّ لعلاقة الله مع شعبه. وبما أنّ مريم هي آمة الرّبّ وأمّ الكنيسة، فهي مثال وقدوة وسلطانة العائلات. فيا أمّ الله باركي عائلاتنا!

 

يا سلطانة السّلام

أعطت العالم رئيس السّلام الّذي سبّحته الملائكة، لم تخذل أبدًا من رام السّلام من خلال ابنها، لا بل قرّبته منه ونثرت بركاته عليه بفيض وجود. هي الّتي كُرّس العالم لها مرارًا وتكرارًا لوقف الحروب والعنف. واليوم نضرع إليك يا سلطانة السّلام أن تفيضي على المسكونة هذه النّعمة فتحظى بالسّلام بعد الحرب وبالمحبّة بعد الكره وبالأخوّة بعد العداوة!

 

ومع الطّلبة الأخيرة، ندعو الله أن يفيض السّلام على الأرض بشفاعة مريم ملكة السّلام مصلّين معًا طلبة العذراء كاملة كالآتي:

 

كيرياليسون. كريستياليسون. كيرياليسون.
يا رَبَّنا يسوع المسيح أنصِت إلَينا
يا رَبَّنا يسوع المسيح إستَجِبنا
أيُّها الآبُ السماوي ألله إرحَمنا
يا ابْنَ الله مْخَلِّص العالَم إرحَمنا
أيُّها الروحُ القُدُس الله إرحَمنا
أيُّها الثالوثُ القُدّوس الإلَهُ الواحِد إرحَمنا
يا قديسة مريم تضرّعي لأجلنا
يا والدة الله تضرّعي لأجلنا
يا عذراء العذارى تضرّعي لأجلنا
يا أُمّ سيِّدنا يسوع المسيح تضرّعي لأجلنا
يا أُمّ النعمة الإلهية تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا طاهرة تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا عفيفة تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا غير مدنّسة تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا بغَير عَيب تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا حبيبة تضرّعي لأجلنا
يا أُمًّا عجيبة تضرّعي لأجلنا
يا أُمّ الخالِق تضرّعي لأجلنا
يا أُمّ المُخَلِّص تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً حكيمة تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً مكرّمة تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً مَمدوحة تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً قادرة تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً حنونة تضرّعي لأجلنا
يا بتولاً أمينة تضرّعي لأجلنا
يا مرآة العَدل تضرّعي لأجلنا
يا كُرسيَّ الحِكمة تضرّعي لأجلنا
يا سبب سرورنا تضرّعي لأجلنا
يا إناءً روحيًّا تضرّعي لأجلنا
يا إناءً مُكرَّمًا تضرّعي لأجلنا
يا إناءَ العِبادة الجَليلة تضرّعي لأجلنا
يا وردة سريّة تضرّعي لأجلنا
يا أرزة لبنان تضرّعي لأجلنا
يا بُرجَ داود تضرّعي لأجلنا
يا بُرجَ العاج تضرّعي لأجلنا
يا بيت الذهب تضرّعي لأجلنا
يا تابوت العهد تضرّعي لأجلنا
يا باب السماء تضرّعي لأجلنا
يا نجمةَ الصُبح تضرّعي لأجلنا
يا شِفاءَ المَرضى تضرّعي لأجلنا
يا ملجأ الخطأة تضرّعي لأجلنا
يا مُعَزِّية الحَزانى تضرّعي لأجلنا
يا معونة النصارى تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الملائكة تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الآباء تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الأنبياء تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الرسل تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الشهداء تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة المُعترفين تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة العذارى تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة جميع القدّيسين تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة السّماوات والأرض تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الورديّة المقدّسة تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة حُبِلَ بِها بِلا دَنَس تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة الإنتقال تضرّعي لأجلنا
يا سلطانة السلام تضرّعي لأجلنا
يا حمل الله الحامِل خَطايا العالم أنصِت إلَينا
يا حمل الله الحامِل خَطايا العالم إستَجِبنا
يا حمل الله الحامِل خَطايا العالم إرحَمنا
كيرياليسون. كريستياليسون. كيرياليسون.

تُقسم هذه الطّلبة إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل والثّالث يطلب فيها المؤمن "الرّحمة" من الثّالوث الأقدس عبر الـ"كيرياليسون".

أمّا الثّاني فهو خاصّ للابتهال للعذراء والتّأمّل في صفاتها مردّدين في ختام كلّ واحدة عبارة "تضرّعي لأجلنا".

وفي التّفاصيل، يصرخ الأبناء إلى مريم "الأمّ" و"البتول" و"السّلطانة" لكيّ تصلّي لأجلهم ومعهم. فما هي المعاني الّتي يحملها كلّ من الألقاب الاثنين والخمسين؟

 

يا قدّيسة مريم

امتلأت من النّعمة الإلهيّة واتّحدت إرادتها مع إرادة الآب، فصارت "آمة للرّبّ" طائعة لمشيئته، مكرّسة قلبها له، فباتت قدس أقداس حقيقيّ، بنعمة الله، يسكنه ويملكه وحده، واستحقّت بذلك لقب القدّيسة الّتي فاقت القدّيسين فرادة وكمالاً، بالرّوح والجسد. فيا "قدّيسة مريم" علّمينا سبل القداسة!

 

يا والدة الله

"عظيم سرّ التّقوى الّذي ظهر في الجسد"، فوُلد الإله المتأنّس "يسوع" أيّ الله نفسه، بلاهوته وناسوته من مريم العذراء، بنعمة الرّوح، وصار المستحيل حقيقة إيمانيّة حيّة وفعل محبّة الله في أعلى صورها. وهكذا سمت العذراء من والدة عاديّة لتكون "والدة الله" بكلّ ما للكلمة من معنى. فيا "والدة الله" إحمي بنيكِ!

 

يا عذارء العذارى

كرّست نفسها للرّبّ، فالتصقت بمحبوبها وعاشت حياة تليق بالسّماء، فكانت عذراء في جسدها وروحها. بها تمثّل كلّ من اختار طريق الله ملتزماً كمريم البتوليّة والعفّة والطّهارة وإنكار الذّات والطّاعة تعبيراً عن هذا الحبّ العظيم. وها هي مريم "عذراء العذارى" تشعّ نقاوة وطهراً وتتربّع في عليائها شفيعة للعذارى والرّهبان والرّاهبات والمكرّسات. فيا "عذراء العذارى" نقّي أرواحنا وأجسادنا!

 

يا أمّ سيّدنا يسوع المسيح

"ها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع" هكذا بشّر ملاك الرّبّ مريم، "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم" وبهذه الآية أعلن ليوسف مشروع الله الخلاصيّ. وعن المسيح المنتظر نفسه تكلّم الأنبياء في العهد القديم، وتابعت نصوص العهد الجديد ذكره والشّهادة لمجده ما يؤكّد أنّ يسوع هو رجاء الأجيال وحكمة الله المعلنة والمخلصّ الحبيب، وأنّ مريم هي أمّ سيّدنا يسوع المسيح. فمنك نطلب سلامه!

 

يا أمّ النعمة الإلهيّة

يسوع هو ينبوع كلّ النعم، بل هو النّعمة السّماويّة بذاتها. وها هي مريم الممتلئة نعمة تصبح أمّ النّعمة الإلهيّة بفعل اتّحادها بابنها الحبيب، فتراها توزّعها على أبناء الله مشجّعة إيّاهم على الاقتراب منه والثّبات في محبّتهم له.عن "أمّ كلّ النّعم" تحدّث الآباء والقدّيسون وبكرمها في نثر الهبات السّماويّة أشادوا، فكرّمتها الأجيال الّتي لا تزال تطلب شفاعتها لدى يسوع. فيا أم ّ النّعمة الإلهيّة تضرّعي لأجلنا!

 

يا أمّاً طاهرة

نقيّة الفكر والقلب والإرادة هي، بالفضيلة الملائكيّة السّامية تمسّكت، وجوهر قداسة الله اقتدت، بالطّهارة سارت دربها مع الرّبّ، بلا عيب. فتراها أمّاً نقيّة حصّنت نفسها من كلّ دنس بشريّ بإيمان لا يوصف، وإرادة لا تُقهر وحبّ لا حدود له. وهل من طهر يفوق ذاك الّذي أظهرته العذراء الّتي داست قوّات الشّرّ؟! فيا أمّاً طاهرة طهّرينا من دنس الخطيئة!

 

يا أمّاً عفيفة

لم تعرف رجلاً في حياتها، فارتفعت إلى مستوى أعلى من الملائكة لأنّ الرّوح القدس قد حلّ عليها وقوّة العليّ ظلّلتها، فاحتفظت ببتوليّتها وعفّتها طوال حياتها على الأرض، فأضحى جسدها وحواسها في حالة سامية جعلتها تحظى بأثمن الكنوز: العفّة. فيا أمّاً عفيفة خلّصينا من الفساد!

 

يا أمّاً غير مدنّسة

لم تدنّس بتوليّتها، لم تقع تحت سيطرة الشّرّ، ظلّت جميلة بلا عيب في نظر الله، فأحبّته بكلّ قلبها وكلّ نفسها وكلّ قوّتها وكلّ قدرتها، على عكس حوّاء الأولى الّتي خلقت بلا دنس ولكنّها ابتعدت عن الله ولم تطعه فأصابتها اللّعنة وطردت، في حين أنّ مريم حوّاء الثّانية أطاعت فاستحقّت التّطويب والمجد. فيا أمّا غير مدنّسة نجّينا من كلّ شرّ!

 

يا أمّاً بغير عيب

كما أنّ الله كامل، لا بدّ أن تكون والدته كاملة. فاختار مريم بين كلّ نساء الأرض ونالت حظوة عند الله، وجعلها بين كلّ البنات "كالسّوسنة بين الشّوك". فالرّبّ شاء أن يولد على هذه الأرض فاقتضى أن يختار أمّاً له تليق بهذا المجد، لا تشوّهها أيّة نجاسة، فكانت مريم الخيار الأمثل الّتي عاشت بعيدة عن شوائب هذا العالم، فاستحقّت أن ندعوها "أمّاً بغير عيب"، فنقيّنا من كلّ ما يعيب صورة المسيح فينا!

 

يا أمّاً حبيبة

غمرها الله بثمار الرّوح القدس: المحبّة والفرح والسّلام والأناة واللّطف والصّلاح والإيمان والوداعة والعفاف، فأحبّها من عرفها في كلّ العصور، فهي الّتي أحبّتهم في كلّ الظّروف، عزّتهم في ضيقهم وباركتهم في فرحهم. فتراها جميلة الخلق وطيّبة النّفس، هي أمّ الفضائل لا تردّ أحداً خائباً، فلحبّها تصنع المعجزات وتفيض نعماً وعطاء على أبنائها. فيا أمّاً حبيبة علّمينا أن نحبّ دون شروط!

 

يا أمّاً عجيبة

منحها الله امتيازات عديدة، فجعلها ابنة الآب، عروس الرّوح القدس ووالدة الله، فأظهرها الإله أمّاً تعطي الحياة، أمّ المخلّص الممتلئة نعمة. تمجّدت في حياتها على الأرض وكذلك في انتقالها، فرفعها الله بالرّوح والجسد. بها يشرق الفرح وبها تتجدّد الخليقة، فيا أمّاً عجيبة إشفعيِ بنا متى حضرنا أمام ابنك الحبيب!

 

يا أمّ الكنيسة

"لن أترككم يتامى" بذلك وعد يسوع وكان كما قال: مريم أمّ الكنيسة. ففي البشارة كانت حاضرة لتلبية مشيئة الرّبّ، عند أقدام ابنها المصلوب مكثت، وعلى حلول الرّوح القدس على الرّسل والتّلاميذ شهدت، فولدت الكنيسة في ذلك اليوم وصارت العذراء أمّاً لها، متربّعة على رأسها، متسربلة بشمس البرّ يسوع ومتوّجة بالاثني عشر تربط بين المسيح والكنيسة. فيا أمّ الكنيسة أملكي على حياتنا!

 

يا أمّ المشورة الصّالحة

هي مثال الحكمة والفطنة، نموذج للمشورة والقيادة الصّالحة، هي طريق كلّ مؤمن نحو الخلاص، نحو يسوع حكمة الله. ما بخلت يوماً على كلّ من لجأ إليها، بل أعطته المسيح الحكمة الأزليّة الّذي منه كلّ معرفة. يا أمّ المشورة الصّالحة قودي سبيلنا!

 

يا أمّ الخالق

بما أنّ المسيح به كلّ شيء فهو الخالق. وبتأنّسه من العذراء مريم أضحت أمّه وبالتّالي أمّ الخالق. فيا أمّنا علّمينا أن نحفظ الوديعة الخليقة!

 

يا أمّ المخلّص

"ها أنت تحبلين وتلدين إبناً وتسمّينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العليّ يدعى"، بشارة كانت وفعلاً أصبحت، فولدت مريم المخلّص، فادي البشريّة. وباتت أمّ الكلمة المتجسّد الّذي أعلنت الملائكة ولادته للرّعاة قائلين: "اليوم ولد لكم مخلّص. فيا أمّ المخلّص خلّصينا!

 

يا بتولاً حكيمة

أحسنت اختيار الطّريق إلى الحياة الكاملة، ففي كلّ أدوار حياتها كانت مثالاً في الحكمة، امتثلت لإرادة الله وتحقّق ذلك بطاعتها وتسليمها "فالرّبّ يعطي حكمة ومن فمه المعرفة والفهم". ومريم كانت تحفظ جميع الكلام وتتأمّل به في قلبها. فيا بتولاً حكيمة إمنحينا الحكمة!

 

يا بتولاً مكرّمة

رفعت بنعمة الله، وإنّما دون ابنها، فوق جميع الملائكة وجميع البشر، هي والدة الإله الكلّيّة القداسة الحاضرة في حياة المسيح. تكرّمها الكنيسة بشعائر خاصّة، بخشوع واحترام، ولا سيّما منذ مجمع أفسس، فتحقّقت بذلك كلمات العذراء النّبويّة حين قالت: "جميع الأجيال تطوّبني لأنّ القدير صنع بي العظائم"، فترى شعب الله يتشفّع بالعذراء حين يقدّم العبادة لابنها الأزليّ. فيا بتولاً مكرّمة تشفّعي بنا!

 

يا بتولاً ممدوحة

مدحها الملاك جبرائيل كما نسيبتها أليصابات قائلين: "مباركة أنت في النّساء"، وقد قام الكثيرون بذلك مذّاك، إذ تحتفظ الكنيسة بنصوص ومدائح كثيرة تكريماً لمريم، تسلّمتها من الرّسل والآباء الأوائل، وحفظتها كميراث روحيّ لفائدة المؤمنين الّذين لا يكفّون إلى اليوم عن مدحها في صلواتهم. فيا بتولاً ممدوحة تضرّعي لأجلنا!

 

يا بتولاً قادرة

العذراء قادرة بقدرة الله، حباها المسيح بكلّ النّعم والفضائل، وقد برهن ذلك في عرس قانا إذ لم يردّ لها طلباً، فكانت كلمتها مستجابة أبداً. فيا بتولاً قادرة أعينينا!

 

يا بتولاً حنونة

فاض قلبها رحمة وحناناً لا يوصفان، فهي الّتي تسارع لنجدة أبنائها في وقت الضّيق والخطر، تحميهم من حبائل الشّرّ وتخلّصهم من كلّ تجربة. بصلواتها وشفاعتها الدّائمتين أمام يسوع الملك ترعى أبناءها وتجعل من حبّها حصناً منيعاً أمام الشّدائد والمصاعب، تتدخّل في السّاعات الحرجة، وتُظهر نفسها لهم داعية إيّاهم إلى الصّلاة والتّوبة فهي الّتي تفرح فرح كلّ أمّ لخلاص أبنائها الأحبّاء. فيا بتولاً حنونة إرحمينا!

 

يا بتولاً أمينة

أتمّت كامل واجباتها تجاه الله والقريب، فكانت أمينة على النّعم الّتي وهبها الله لها، ففي الهيكل خدمت الرّبّ واستسلمت بكامل قلبها لله وحده وعلّلت نفسها برغبة واحدة وهي البقاء آمة له خاضعة أبداً لمشيئته، مواظبة على معيشتها في الهيكل حيث كان الرّوح القدس يهيّء فيها مسكناً لله الكلمة، حفظت الشّريعة بأمانة، زاولت عملها بالشّغف نفسه وصارت أمّ المسيح الطّفل والشّابّ والرّجل الّذي لم تتوان عن خدمته لحظة. فيا بتولاً أمينة علّمينا الأمانة!

 

يا مرآة العدل

كالمرآة، هي تعكس صورة يسوع بفضائله السّامية، فهي كما تمّ وصفها "شمس البرّ" الّتي أشرقت لتعكس صورة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. هو الحقّ والعدل، لذا تراها تجسّد كذلك هاتين الفضيلتين اللّتين جعلتا من مريم مرآة العدل. فمنك نطلب أن تحيي وجداننا فنعدل!

 

يا كرسيّ الحكمة

أطلقت الكنيسة عليها لقب كرسيّ الحكمة لأنّ الحكمة الإلهيّة أيّ يسوع قد حلّ فيها ومنها تدفّق نهر الحقائق الإلهيّة الّذي يجرف معه كلّ ما هو باطل، فهي "ضياء النّور الأزليّ ومرآة عمل الله النّقيّة وصورة جودته"، هي مقرّ طاهر للابن المتجسّد بحكمة إلهيّة. فيا كرسيّ الحكمة طهّرينا!

 

يا سبب سرورنا

هو السّرور الحقيقيّ، نبع السّلام الدّاخليّ، باتّحادنا به فرح لا يوصف. ومريم والدة الله، هي سبب هذه السّعادة، إذ ولدت الحياة للعالم، فأعادت العذراء بذلك الرّجاء والبهجة إلى قلوب البشر، بشفاعتها كانت توبة الخطأة وتعزية الحزانى وشفاء المرضى. فمن سواها يكون إذاً سبب سرورنا؟ هلمّي واقبلي منّا عربون حبّ يا نبع كلّ النّعم!

 

يا إناء روحيّاً

كالإناء امتلأت نعماً إلهيّة، فاختارها الله لتحمل القدّوس البارّ، فتكون بذلك إناء روحياً ينضح على المؤمنين الهبات السّماويّة حتّى انقضاء الدّهر، فيستقون منه ويروون قلوبهم التّوّاقة إلى القداسة من خيرات وضعت بين يديها. فيا إناء روحيّاً إروي عطشنا!

 

يا إناء مكرّماً

من طوّبتها الأجيال، كرّمتها الكنيسة. ومن امتلأت نعمة صارت إناء ينضح حياة. مريم تفجّر النّبع الحيّ ولن ينضب. احتوت الرّوح فأشرق منها الكلمة وفاص منها النّور غير المحدود. فيا إناء مكرّماً مباركة ثمرة بطنك!

 

يا إناء العبادة الجليلة

أحبّت الله بكلّ قلبها ونفسها وقدرتها وذهنها، عبدته عبادة كاملة بإيمانها ورجائها وطهارتها، وجّهت أفكارها وحواسها نحوه وحده. فجلّتها الكنيسة لأنّها عكست صورة صادقة وصحيحة للعبادة الحقّة. فيا إناء العبادة الجليلة أرشدينا إلى ابنك!

 

يا وردة سرّيّة

في جنّته زنبق الطّهارة وبنفسج التّواضع ووردة العفّة، في مريم العذراء غرس الرّبّ كلّ الزهور. هي الوردة الّتي نمت وسط أشواك العالم خالية من شوكة الخطيئة وفاح عطرها في حياة كلّ من تنشّق رائحتها الذكيّة. وهي سرّيّة لأنّ جمال نفس مريم وقوّة شفاعتها تتخطّى كلّ ما هو ملموس أو مسموع. فيا وردة سرّيّة عطّري حياتنا!

 

يا أرزة لبنان

هي بيت الرّبّ المختارة منذ الأزل ليحلّ فيها عمّانوئيل، وكان الملك سليمان قد استقدم من لبنان ألواح الأرز الصّلب لبناء الهيكل وتثبيته على أساس متين وثابت مستخلص من شجرة الأرز، لذا ينسب إلى مريم لقب أرزة لبنان لأنّها ساهمت في بناء بيت الرّبّ على أسس لا تتزعزع. فيا أرزة لبنان ثبّتينا في الإيمان الصّلب!

 

يا برج داود

كقلعة الملك داود المرتفعة والّتي بناها وملأها بالجنود محصّناً إيّاها بالعتاد للدّفاع عن أورشليم، هي مريم العذراء في المسيحيّة، تدافع عن الإيمان، تقاوم الشّرّ وتردّه عن الكنيسة، وكالحصن المنيع هي شامخة تحمي أبناءها من وترشدهم. فيا برج داود حصّني حياتنا!

 

يا برج العاج

ثمينة ونادرة، متينة وقويّة هكذا هي مريم كبرج عاجيّ يلمع لفرادته وجماله. هي الأمّ الوحيدة لله، والملكة الواحدة على المخلوقات والملائكة. قيل عنها في كتاب "نشيد الأناشيد" "عنقك كبرج من العاج" فكما أنّ العنق يحمل رأس الجسد، هي تحمل يسوع المسيح. فيا برج العاج إحملينا لنكون أعضاء ثابتين في هذا الجسد!

 

يا بيت الذهب

مثل هيكل سليمان المرصّع داخله بالذهب، هي والدة يسوع الّتي جمعت هبات النّعمة وامتيازات المجد ففاقت الذّهب غنى، فهي الّتي حملت المسيح في أحشائها الكنز الأثمن، لذا لقّبتها الكنيسة ببيت الذهب. فمن كنزك إغنينا!

 

يا تابوت العهد

اختارها الله وأعدّها منذ الأزل لمسيرة الخلاص، فجعلها تحم