لبنان
25 أيار 2021, 13:30

وسام الاستحقاق اللّبنانيّ الفضّيّ ذو السّعف للمطران درويش في يوبيله

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك عصام يوحنّا درويش بيوبيله الكهنوتيّ الذّهبيّ ويوبيله الأسقفيّ الفضّيّ، خلال قدّاس احتفاليّ ترأّسه في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة- زحلة، يوم السّبت، بحضور بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، والمطارنة إدوار جاورجيوس ضاهر، إيلي بشارة حدّاد وعبدو عربش ولفيف من كهنة الأبرشيّة، بحضور لفيف من الإكليروس من مختلف الكنائس الشّقيقة.

خلال القدّاس منح رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون، ممثّلاً بمستشاره الوزير سليم جريصاتي، المطران درويش وسام الاستحقاق اللّبنانيّ الفضّيّ ذي السّعف.

وبعد الإنجيل المقدّس، تلا المطران إدوار ضاهر رسالة تهنئة موجّهة من البابا فرنسيس إلى المطران درويش وجاء فيها:  

"في هذا الاحتفال السّعيد باليوبيل الفضّيّ لسيامتك الأسقفيّة، نهنّئكم بفرح بهذه المناسبة، ومن خلال شفاعة العذراء مريم الطّاهرة، نتمنّى لكم مواهب الرّوح القدس الوفيرة، ونمنحكم بركتنا الرّسوليّة كما نمنحها لأبنائنا المؤمنين في أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك، وأطلب منكم بالوقت ذاته أن تصلّوا لأجلي."

ثمّ كانت كلمة للمطران درويش قال فيها: "في بداية كلمتي أتوجّه بشكري العميق إلى فخامة الرّئيس العماد ميشال عون، لرعايته احتفالات اليوم، نسأل الله أن يباركَ رئاستَهُ ويمدَّهُ بالقوّة ليقودَنا إلى لبنانَ الجديد، وأرحّبُ بمحبّة كبيرة بممثّله معالي الوزير الصّديق الدّكتور سليم جريصاتي.

كما أرحّبُ باسم إخوتي الكهنة ورهبانِ الأبرشيّة وراهباتها ومؤمنيها ومؤمناتِها، بغبطة البطريرك يوسف العبسيّ وأشكره على ترؤّسِه هذا القداسِ الإلهيّ، فحضورُه معنا يُضفي على الاحتفال بهجةً ورونقًا بهيًّا.

كما أرحّبُ بكم إخوتي أصحابَ السّيادة وأحيّي كلَّ واحدٍ منكم شاكرًا لكم حضورَكم ومشاركتَكم. إنّه لفرحٌ كبير أن تباركوا احتفالاتِ أبرشيّتنا.

شكرًا لكم جميعًا، أيّها الأحبّاء، فأنا معَكُم أتذكَّرُ اليومَ بامتنانٍ وشكرٍ عميقين، هبةَ كهنوتي الرّائعةَ، الّتي لا تضاهيها هبةٌ، ونعمةَ الأسقفيّة الّتي أشعر، يومًا بعد يومٍ، أنّي لم أكنْ أستحقُّها لولا نعمةُ الله وصلواتُ والديَّ وإخوتي.

إنّي أشكر الرّبّ على هذه النّعمة، نعمةِ الدّعوة، الّتي خصّني بهاـ فمنذ صغري اختارني وربطني به، فصرتُ أسيرًا لمحبّته، وبذلك كانت حياتي ربحًا. وعلى مرِّ السنينَ شُغفتُ بدعوتي، فشددَني الربُّ ونشَّطَ ضعفي، لأكونَ أهلًا للأمانة ومستحقًا لأحافظَ على الوديعة. والسّنواتُ الخمسون علّمتني أن أكون فرِحًا في حياتي، فكنت أحسبُ نفسي اسعدَ الخلائق، لذلك أجدُ أنّ هذا اليوبيل هو زمنُ نعمةٍ جديدة، تُزادُ على نِعَمٍ كثيرة منحني إيّاها الرّبُّ وفاقت كلَّ توقّعاتي.

ما زلتُ أذكر ما قالَهُ لي مرشدي عندما كنتُ أتهيّأُ للرّسامةِ الكهنوتيّة في دير المخلّص، بأنَّ كلَّ ما يُحقّقُهُ الكاهنُ في حياته هو لمجدِ الرّبّ. وأنا اليومَ لا أحتفلُ أبدًا بما حققتُهُ خلالَ خدمتي الكهنوتيّة أو الأسقفيّة، إنّما أحتفل معكم بنعمة الرّبّ الّتي رافقتني فكانت كلُّها لمجد الله.

خمسون سنةً كانت حياتي مغامرةً شيّقةً وأخّاذة، لم يكن فيها يومٌ مثلَ آخر، ولا قداسٌ مثلَ آخر، فكانت سنواتُ خدمتي في لبنان وأستراليا، غنيّةً بالفرح والعطاء، نشدتُ دومًا الحداثة والتّغيير والتّجدّد. الحداثة هي انعطافات فكريّة إيجابيّة لمجرى التّاريخ. والتّغيير هو جزء حتميّ من حياة الإنسان. أمّا التّجدّدُ فهو علامةُ حضور الرّوح في كنيسته.  

لكنّني اختبرتُ أيضًا مشقّاتٍ كثيرة، فالنّاس الّذين يقاومون هذه الثّلاثيّة كُثُر، لأنَّ ما نشأوا عليه يعتبرونَه مقدّسًا وهو أحيانًا كثيرةً غيرُ ذلك. ففي التّجدّدِ محبّةٌ، والمحبّةُ لم تكن يومًا جامدةً، إنّها مثلُ القلب تتحرّكُ باستمرار وتنبضُ بالحياة، ويومًا بعد يوم تنقشع الرّؤيا فنرى الآخر نعمةً لأنّه سرٌ من أسرار الله.

نجحت أحيانًا كثيرةً وعرفتُ فتراتِ تعثّر وفشل، تعرّضتُ لصعوباتٍ ومحن، لكن الرّبَّ حَمَلَ صليبي وقوّاني، ارتضيتُ أن أكونَ ذبيحةَ إنسانٍ لأصيرَ ذبيحةَ الله، شعرتُ بأبُوّتي الرّوحيّة لأنّني أحببتُ الإنسان، فكانَ غايةَ جهادي وخَتْمَ رسالتي (1كور9/2). وكانت أجملُ المغامرات بأن تَحملَ خيمتَك وتَصعدَ من جديدٍ وترعى الآخرين بسلطةِ المحبّة الّتي تفوق الوصف...

المغامرةُ الحقيقيّة هي أن أحبّ، يعني أن أنسى ما ورائي وأمتدَّ إلى ما هو أمامي (فيل3/13). أنت لستَ مستكبِرًا إذا آمنتَ أنكَ في الحقّ. وبذلك تشهد، لا لنفسك، ولكنْ للإيمان الّذي اقتبستَه من الله. أنت لستَ كبيرًا بحدِّ ذاتك بل بالنّعمة. من هذا الباب المُشَرّع للخدمة الواجبة دخَلتِ المحبّة كياني، حاولتُ أن أكونَ طفلاً مع الأطفال وشابًّا مع الشّباب وجائعًا مع الجياع وفقيرًا مع الفقراء، واعتبرتُ أنّ المحبّةَ هي أن ترعى حاجاتِ النّاسِ كلَّها.  

أعترف اليوم أمامكم أنّ كثيرًا من الرّؤساءَ والنّاسَ لم يفهموني على حقيقتي، ربّما لأنّي لم أعتبر التّعبيرَ عن ذاتي من أولويّاتي، وربّما لأنّي كنتُ أفكّرُ وأعملُ بطريقةٍ لا تتلاءمُ مع قناعاتِ الكثيرينَ من حولي. لقد ظهرَ لي أنَّهُ لا مفرَّ للكاهن من أن يحملَ صليبَهُ بفرحٍ، وأحيانًا كثيرةً لا بدَّ لهُ من أن يناديَ بسمعانٍ قيروانيٍّ جديدٍ يساعده على حمل صليبه...  

أتوجّهُ بكلمةٍ أخيرة إلى إخوتي وأصدقائي في أبرشيّةِ استراليا ونيوزيلندا، وإلى أبناء وبنات أبرشيّتي في الفرزل وزحلة والبقاع، وأقولُ لهم بأنَّ محبّتي لكُم كانت مصدرَ قوّتي وعملي الكنسيّ والرّوحيّ والاجتماعيّ، كما كانت سيّدةُ النّجاة إلى جانبي ترافقُني وتأخذُ بيدي وتقودُ خطواتي.

الآن وقد شارفتُ على الانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتي، أُوصيكُم بأن تحافظوا على سيّدة النّجاة فهي لكم وأنتم لها.

أشكر مجدّدًا فخامةَ رئيس الجمهوريّة، وغبطةَ البطريرك والسّادةَ الأساقفة والأخوةَ الكهنة وجمهورَكم الكريم. وشكري الخاصّ للرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة وللرّهبان الّذين ساهموا في تنشئتي. أسألُ الله أن يباركَكُم جميعًا بشفاعة الأمّ العذراء مريم سيّدة النّجاة، آمين."

كما قدم المتروبوليت صيقلي للمطران درويش علبة ذخائر القدّيسين جلبها معه خصّيصًا من موسكو عربون محبّة وتقدير.

بدوره، ألقى البطريرك العبسيّ كلمة توجّه فيها إلى المطران درويش قائلاً:" يسعدنا في هذا اليوم المبارك أن نكون هنا وأن نشارك أخانا سيادة المطران يوحنّا عصام درويش راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع الجزيل الاحترام في الاحتفال بيوبيله المضاعف، ذكرى مرور خمسين عامًا على رسامته الكهنوتيّة وخمسة وعشرين عامًا على سيامته الأسقفيّة الّتي حصلت في هذه الكاتدرائيّة المقدّسة على يد المثلّث الرّحمة البطريرك مكسيموس الخامس حكيم وكنت أنا من الّذين نعموا وفرحوا بحضورها بداعي الصّداقة الّتي كانت تربطني بالأب عصام آنذاك.

ومع سيادة الأخ المطران عصام نشكر اليوم الله تعالى على كلّ ما صنعه له وبه على مدى هذه السّنوات. أقول نشكر الله تعالى اليوم ولكن ما كانت حياة سيادته في كلّ لحظاتها إلّا فعل شكر دائم عملاً بوصيّة الرّسول بولس إلى أهل أفسس: "في كلّ وقت وعلى كلّ حال اشكروا الله الآب باسم ربّنا يسوع المسيح" (أف5: 20). وما هذا اليوم إلّا اليومَ الّذي جُمع فيه زمان الشّكر كلُّه فكان يوبيلاً أيّ تهليلاً.

يقولون إنّ اليوبيل استراحة. أجل إنّه استراحة، إنّما استراحة المحارب، أيّ استراحة لا نتقاعس فيها ولا نستسلم بل نستعيد فيها قوانا ونرتّب أمورنا ونتهيّأ للانتقال إلى خطوة جديدة، لأنّ الحياة مع المسيح الّتي اخترناها مسيرة لا تتوقّف بل تستمرّ إلى أن نبلغ إلى "ملء اكتمال المسيح" (أف4: 13)، إلى أن نصير في الله، كما يعلّم بولس. هكذا يوبيل أخينا المطران يوحنّا عصام. إنّه خطوة إلى الأمام في إثر خطوات ابتدأت وما انقطعت يومًا بل تتتالى وتتقدّم.

إذا ما أردنا أن نختصر هذه الخطوات، أن نعنون مسيرة سيادته قلنا إنّها مسيرة حياة، حياة مع الله ومع الإنسان في آن واحد، مسيرة لا نقرؤها في الكتب، بل نشاهدها ونسمعها في اللّحظة، لأنّ الكتب تقيّد وتحدّ وتطوي في حين أنّ الحياة ليس لها حدود، تستوطن القلب والعقل وتنبعث على الدّوام.

وكم من أناس، من رهبان وإكليريكيّين، من شباب وعلمانيّين، استوطنت في قلوبهم وعقولهم صورة الكاهن عصام المعلّم والمربّي والمرافق والأب والموجّه، حين كان في الإكليريكيّة ومن ثمّ في الدّارين، دارِ صيدا ومن ثمّ دارِ زحلة، يدلّهم على يسوع ويريهم الدّرب الّتي تقود إليه. ومنهم من تبوّأ مراكز في العالم وفي الكنيسة. في كلّ واحد منهم كان يرى الإنسان ويسعى إلى بناء الإنسان لاعتقاده بأنّ الإنسانيّة هي القاعدة المشتركة الّتي يمكن أن يُبنى عليها بأشكال متنوّعة وموادّ متنوّعة وأهداف متنوّعة وتصوّرات متنوّعة. فرأيتَهم في ما بعد متحابّين متضامنين متكافلين على هذا التّنوّع، يفاخرون بعضهم بأنّهم كانوا ممّن لمسهم فكرُ "أبونا عصام" وقلبه، ممّن تتلمذوا على يده، ممّن أنقذ حياته من بعد يأس أو تجربة مرّة... ويفاخر بعضهم الآخر بأنّهم ممّن لمستهم يده، يدُ الكاهن العامل في المدارس المهنيّة، على مثال القدّيس يوسف الّذي نحتفل به في هذا العام، يد الكاهن المقتنع بأنّ إنسانيّة الإنسان تكتمل بأن نوفّر له عملاً يعطيه حياة لائقة وبأنّ العمل نفسه يصقل شخصيّة الإنسان.

هذا الّذي رآه النّاس ولمسوه في الأب عصام، وما رافقه من رؤية واسعة بعيدة ومن جدارة في الإدارة ومن إقدام في العمل ومن إرادة في التّعاون مع الآخرين، لم يأتِه من العدم أو بإلهام أو بومضة، بل قد كان أنضجه ونمّاه في السّنوات الطّويلة الّتي قضاها منذ صغره في الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة يتربّى على الفضائل والمبادئ الإنجيليّة والآداب الرّهبانيّة على يد كهنة رهبان أفاضل كانوا كواكب مضيئة في سماء الرّهبانيّة الّتي أعطت كنيستنا الملكيّة الكثير وواكبتها وحضنتها منذ نشأتها. من هذه البيئة العامرة بالرّوحانيّة، وبالطّبع من خبرته وتمرّسه اللّاحقين صهر وكوّن الأب عصام في داخله الرّاهب والكاهن والمرسل تحثّه محبّة المسيح الّتي لا يفصله عنها شيء على غرار الرّسول بولس، فكان بنوع خاصّ مع الشّبيبة والحركات الرّسوليّة ومنها بنوع أخصّ رسالة الأولاد، ميداد. كانت محبّته للشّبيبة تضرم قلبه فما كان يهدأ ولا يستكين، متنقّلاً من نشاط إلى نشاط حتّى يومنا، يشهد على ذلك مكتب الشّبيبة الملكيّة الّذي أنشأه والّذي عقد له مؤتمره الأوّل منذ نحو أربع سنوات هنا في زحلة، جامعًا شبيبتنا من البلدان العربيّة، والّذي ما زال يرعاه ويشجّعه ويدعمه، والّذي كان له مشاركة فاعلة كبيرة في مؤتمر الشّبيبة الملكيّة الّذي عُقد في آب 2018 في الرّبوة بلبنان.

إلى جانب محبّة الشّباب والعمل معهم في مختلف نشاطاتهم ومع غيرهم من أبنائه أيضًا ومن أجلهم كانت لسيّدنا عصام منذ البدايات أيضًا، منذ أن كان كاهنًا، محبّة العمل الاجتماعيّ الّتي كان شعارها أو بالحريّ محرّكها قول السّيّد المسيح: "أعطوهم ليأكلوا" و"كلّ من سقى إخوتي هؤلاء الصّغار كأس ماء بارد فقد سقاني أنا"، والّتي تجلّت بأعمال متنوّعة، من دار العناية ودار الصّداقة الّتي علّمت وخرّجت وساعدت المئات من الطّلّاب إلى الإعانات الإغاثيّة ومائدة يوحنّا الرّحيم الّتي تطعم المئات يوميًّا، مرورًا بأعمال أخرى كثيرة. وفي هذا الخطّ الاجتماعيّ عينه طوّر سيادته مستشفى تلّ شيحا من حيث تنظيم الإدارة وتحسين الأبنية وتحديث المعدّات وأضفى على هذا المستشفى فكرة جديدة وتصوّرًا حديثًا ليبقى على الدّوام كما كان حين أنشئ معلّمًا طبّيًّا تفخر به كنيستنا الملكيّة ومدينة زحلة.

ولم يغفل سيادة المطران عصام يوحنّا النّاحية الثّقافيّة الكنسيّة بل قد أولاها عناية خاصّة طبعت خدمته الأسقفيّة. فها هي ذي هذه الكاتدرائيّة قد ألبسها حلّة جديدة بالإيقونات الرّائعة وأعاد إليها الجمال- الكنز الّذي كانت قد بنيت عليه فوق الأرض وتحت الأرض وجعلها تنطق من جديد بماضي آبائنا الغنيّ. وزيّن دار المطرانيّة بلوحات فنّيّة وحسّنها. وأطلق إذاعة "سما" لنشر الثّقافة الدّينيّة الإنجيليّة المسيحيّة. وأسّس المكتبة الإلكترونيّة والمتحف الكنسيّ اللّذين سوف ندشّنهما عمّا قليل. فالثّقافة هي الّتي تجمع أكثر من أيّ أمر مشترك آخر. وفي حين أنّ كلّ شيء مادّيّ في الحياة معرّض للاندثار فإنّ الثّقافة تبقى وتدوم لأنّها في فكر الإنسان بل هي فكر الإنسان. وما فعله سيّدنا عصام يوحنّا إنّما لتكون وتبقى سيّدة النّجاة ذاكرة الزّحليّين.

وهل من داع في ما نرى من هذه الألوان الجميلة ونسمع من هذه الأنغام العذبة أن نذكر عناية سيادة راعي الأبرشيّة بأبنائه الكهنة والرّهبان؟ هم أبناؤه والكلّ يعلّم محبّة الأب لأبنائه. إنّما لا بدّ من أن نضيف، وهنا الإضافة هامّة لأنّها نابعة من فكر سيادته، أنّ الأبناء هم أيضًا أعوان. أعوان يعني أنّهم مشاركون له في الخدمة وبالتّالي مسؤولون معه عنها. المسؤوليّة في المشاركة. هكذا كان يفهم هو خدمته الشّخصيّة بالنّسبة إلى الّذي اختاره، إلى الرّبّ يسوع، كما يعلّمنا القدّيس الرّسول بولس (2كور6: 1)، وهكذا كان يفهم خدمة الكهنة بالنّسبة إليه. إنّهم معاونوه، قلبه وفكره وذراعه الّتي بها يبلغ إلى الرّعيّة فتسمع صوته وتتبعه ويسمع صوتها ويقودها. لذلك وفّر لهم كلّ من شأنه أن يساعدهم في هذه الخدمة وحوّطهم بالمحبّة والتّقدير ومحضهم ثقته فكانوا له بإخلاصهم وغيرتهم والتزامهم وتضامنهم ولاسيّما بمثالهم، خير معين. وها هم اليوم من حوله مثل غصون الزّيتون، كما يقول صاحب المزامير، يشاركونه في الشّكر وفي فرح اليوبيل ويصلّون إلى الرّبّ يسوع أن يمنحه العافية والعمر الطّويل.

لكن لنعد إلى اليوبيل. قد يعتقد البعض أنّ اليوبيل منبر للمحاسبة، كرسيّ للقضاء نرى فيه هل نجحنا أم أخفقنا، أو اليوبيلُ مهرجان لنيل الجوائز والمكافآت بعد سنوات من الكفاح. ليس اليوبيل هذا ولا ذاك. ليست هذه فكرة اليوبيل، غاية اليوبيل. اليوبيل كما قلت استراحة في الله. أن ننتصب من جديد وأن نقول لله ها نحن بين يديك، نحن بضعفنا وقوّتنا، بقباحتنا وجمالنا، أن نقول له "لا لنا يا ربّ لا لنا بل لك"، أن نقول له من نحن لولا أنت؟ أن نقول له نريد أن نتابع السّير معك. مدّ لنا يدك. لا تتركنا. "أنظر إلينا وارحمنا بحسب حكمك للّذين يحبّون اسمك". أن ننشد له نشيد السّيّدة العذراء أمام أليصابات: "تعظّم نفسي الربّ فقد ابتهج روحي بالله مخلّصي". من هذا المنظار كلّ يوم هو يوبيل واليوبيل الّذي نحتفل به اليوم إنّما ليذكّرنا بذلك.

في الغد نحتفل بحلول الرّوح القدس على التّلاميذ الأطهار في العنصرة. تقول صلوات العيد إنّ الرّوح القدس "حين وزّع الألسن النّاريّة (على الرّسل) دعا الجميع إلى الوحدة". اليوم يدعونا الرّوح القدس إلى الوحدة نحن الّذين حصل كلّ واحد منّا على شعاع من ناره ومن نوره في سرّ الميرون المقدّس. "إنّ الجسد واحد والرّوح واحد والرّبّ واحد والآب واحد والإيمان واحد والمعموديّة واحدة" يقول بولس. فلنكن نحن كلّنا أيضًا على الدّوام واحدًا استجابة لصلاة يسوع، كما نحن عليه الآن في هذه اللّيتورجيّا الّتي تناولنا فيها جسد المسيح الواحد.

بإسمي، بإسم كنيستنا الملكيّة الممثّلة هنا بأساقفة وكهنة ورهبان وراهبات ومؤمنين نبارك لأخينا سيادة المطران عصام يوحنّا درويش بهذه الذّكرى المقدّسة العطرة. ونصلّي إلى الله أن يسربله بثوب القداسة والعافية والعمر المديد. نبارك ونصلّي معه اليوم بنوع خاصّ من أجل أهله الأحياء والأموات، من أجل الرّهبانيّة الباسيليّة المخلّصيّة، من أجل الرّعايا والمؤسّسات الّتي خدمها وأبرشيّة أستراليا وأبرشيّة زحلة. بشفاعة العذراء مريم سيّدة النّجاة صاحبة هذه الكاتدرائيّة والقدّيس يوسف الّذي نحتفل به في هذا العام.

إلى سنين عديدة سيّدنا عصام."

وبعد القدّاس، تمّ افتتاح المتحف البيزنطيّ، وأزيح السّتار في حديقة الأساقفة عن تمثال البطريرك كيرلّس مغبغب الّذي كان له الدّور الأساس في إعلان دولة لبنان الكبير. كما كانت جولة في الطّابق الأوّل من المطرانيّة على القاعات والصّالونات والممرّات الّتي ازدانت كلّها بالأيقونات والرّسومات الّتي نفّذها فنّانون أوكرانيّون، لينتقل بعدها الحضور إلى مكتبة سيّدة النّجاة الّتي دشّنها البطريرك العبسيّ، وجالوا في أرجائها، ثمّ استمع الحضور من الأرشمندريت إيلي ابو شعيا إلى شرح عن المكتبة وفكرة إنشائها، وعن عمليّة المكننة الّتي استطاعت حتّى اليوم إدخال أكثر من 15000 كتاب إلى الكمبيوتر، كما تحدّث عن مكتبة السّفير الرّاحل فؤاد التّرك الّتي قدّمتها عائلته، كذلك مكتبة العميد الرّاحل الدّكتور أنيس مسلّم، كما شاهد الجميع عرضًا من إعداد وتنفيذ المسؤول الإعلاميّ في الأبرشيّة خليل عاصي عن المكتبة والمتحف البيزنطيّ وحديقة الأساقفة.

وكانت للمناسبة أيضًا كلمة للسّفير إيلي التّرك شكر فيها المطران درويش بإسم العائلة لاحتضانه المكتبة "ولهذا الإنجاز القيّم الّذي سيبقى ساطعًا في أذهان الزّحليّين وعلى مرّ الأجيال موقعًا من أسقف احترف الإنجاز تاركًا بصمات لن تمحى مدى السّنين الحاكي."

كما قدّم المطران درويش إلى البطريرك العبسيّ مجلّدات من مجلّة الرّسول الّتي تصدرها المطرانيّة، تضمّنت نشاطات عشر سنوات بما فيها زيارات غبطته إلى الأبرشيّة.

وفي الختام، أقيم حفل عشاء على شرف الحضور.