لبنان
17 آب 2020, 11:15

وبات للكنيسة السّريانيّة أسقفًا جديدًا!

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت كنيسة السّريان الكاثوليك يوم السّبت، برسامة الخوراسقف أفرام أنطوان سمعان مطرانًا نائبًا بطريركيًّا على القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ بإسم مار يعقوب أفرام سمعان، في قدّاس إلهيّ ترأّسه البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان في كاتدرائيّة سيّدة البشارة- المتحف، عاونه فيه رئيس أساقفة الموصل وتوابعها يوحنّا موشي، ورئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السّينودس المقدّس أفرام يوسف عبّا، وكاهن الرّعيّة السّريانيّة في عمّان وسائر الأردنّ الأب فراس دردس، والقيّم البطريركيّ العامّ وأمين سرّ البطريركيّة الأب حبيب مراد.

وشارك في القدّاس آباء السّينودس المقدّس، والسّفير البابويّ في لبنان المطران جوزف سبيتري، وممثّلون عن البطاركة، وإكليروس من مختلف الكنائس الشّقيقة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى يونان عظة قال فيها: "في هذا اليوم تحتفل الكنيسة قاطبةً بأهمّ الأعياد لأمّنا العذراء مريم، والدة الله الكلّيّة القداسة، وهو عيد نياحها، أيّ انتقالها نفسًا وجسدًا إلى السّماء. ولكن كم يختلف احتفالنا هذا العام عن السّنوات الماضية! لبناننا الجميل الصّغير بمساحته والكبير بحضارته ورسالته، محطّ أنظار القريب والبعيد، يجتاز هذه الأيّام أخطر مراحل تاريخه الحديث. فمن ضائقة اقتصاديّة لم تُعرَف منذ عقود، إلى الوباء الكونيّ المخيف، إلى النّكبة الإجراميّة المروّعة الّتي سبّبها انفجار مرفأ بيروت يوم الثّلاثاء 4 آب! كم وكم من الآلام والدّموع: ضحايا بالمئات، جرحى بالآلاف، عشرات الكنائس المتضرّرة ومنازل لا تُحصى أضحى سكّانها على الطّرقات...!

إلى العذراء مريم أمّنا السّماويّة، ܡܠܝܰܬ ܪܚܡܶܐ أيّ المليئة بالمراحم، كما اعتدنا أن ندعوها في تقليدنا السّريانيّ، نضرع كي بشفاعتها المستجابة، يُشفق الرّبّ إلهنا على لبنانِنا المنكوب، فيتعزّى المفجوعون بفقد أعزّائهم، ويشفى الجرحى، وتُبنى البيوتُ المهدّمة... هي "ملجانا ورجانا"، قادرة أن تبلسم القلوب، وتعيد الرّجاء حيث لا بصيص من نور، كي يبقى شبابنا، رغم الكوارث والانقسامات والتّحدّيات، صامدين ومتجذّرين في لبنان الوطن الرّسالة.

ولأنّ شعبنا في بلدان هذا المشرق المعذَّب، من العراق فسوريا إلى لبنان، هو شعب مؤمنٌ وضع رجاءه بالرّبّ المخلّص الّذي وعد كنيسته أن يبقى معها إلى المنتهى "فلا تقوى عليها أبواب الجحيم" كما استمعنا في الإنجيل بحسب القدّيس متّى، اجتمعنا بعونه تعالى في هذا المساء، كي نحتفل بذبيحة القدّاس الإلهيّة، في كاتدرائيّة سيّدة البشارة الّتي عرفت الكثير من النّكبات إلى يومنا هذا. جئتم أيّها الأحبّاء، لتشاركوا في فرحة سيامة عزيزنا الخوري أفرام سمعان، الّذي انتخبه مجمعنا الأسقفيّ أيّ السّينودس، أسقفًا نائبًا بطريركيًّا على القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ. وقد أعطيناه اسمًا أبويًّا هو مار يعقوب أخو الرّبّ، أحد الإثني عشر، والأسقف الأوّل على أورشليم المدينة المقدّسة.

جميعنا يعلم مدى التّحدّيات الّتي ستجابه المطران الجديد في خدمته الأسقفيّة، إن في الأراضي المقدّسة وإن في المسؤوليّة الملقاة عليه، كمدبّر بطريركيّ لأبرشيّة القاهرة، بعد وفاة راعيها المثلّث الرّحمات مار اقليميس يوسف حنّوش.

فهو يحتاج إلى صلواتنا وتشجيعنا كي يبدأ ويستمرّ في خدمته الأسقفيّة الجديدة، بالنّعمة والعافية، بالفرح والسّلام.

"لا يستهن أحدٌ بحداثتك، بل كن مثالاً للمؤمنين بالكلام، والسّيرة والمحبّة والإيمان والعفاف... لا تُهمِل الموهبة الّتي فيك..." (1 طيمثاوس 4).

كلماتٌ مؤثّرةٌ لبولس رسول الأمم، وجّهها إلى تلميذه طيمثاوس "ابنه الحبيب والأمين في الرّبّ" كما كتب في (1 كو 4 :17)، كي يذكّره بسموّ الدّعوة الّتي إليها دعاه الرّبّ المخلّص، ليتابع رسالة الكرازة بإنجيل الخلاص، ويبذل ذاته كالرّاعي الصّالح لخدمة النّفوس الموكلة إليه.

وفي الإنجيل الّذي سيعلنه على مسامعنا مار يعقوب أفرام بعد سيامته، سنتعرّف على حقيقة الرّاعي الصّالح والصّفات الّتي عليه أن يتحلّى بها. لقد دُعي ليمارس خدمته الأسقفيّة متمثّلاً بمعلّمه الإلهيّ راعي الرّعاة الحقيقيّ، وهي خدمة مجّانيّة قبل أن تكون ترقية إلى الكرامة، خدمة تتجلّى: بالمحبّة الفائقة حتّى بذل الذّات ومثاله يسوع الفادي، بوداعة قلب الرّبّ وتواضعه، وبالحكمة المستنيرة بمواهب الرّوح القدس.

على الأسقف الجديد أن يعيش دعوته للخدمة بروح الحقّ، مجسّدًا كلامه وموعظته وتعليمه، بأفعال تثبتُ مصداقيّته ونزاهته، ليضحي قدوةً لكهنته والمؤمنين في أبرشيّته. واليوم أكثر من أيّ وقت مضى، يحوز الأسقف على تقدير المؤمنين ورضاهم، متى اختبروا فيه صورة الأب الحقيقيّ، الّذي يشهد لدعوته بقناعة وصدق، يخدم ويتفانى ويبذل ذاته بسخاء، ساعيًا لتقديس ذاته والنّفوس المؤتمَن عليها، دون شروط أو تمييز. لنذكر ما جاء في الرّسالة المنسوبة إلى يعقوب الرّسول أخي الرّبّ، على الإيمان أن يُترجَم وأن يحيا بأعمال المحبّة والرّحمة والعدالة (يع 2).

وعليه أن يمارس سلطته الكنسيّة بروح الوداعة والتّواضع، كأبٍ يتفهّم ويُرشد ويوجّه مَن أُوكِلوا إلى رعايته، إكليروسًا ومؤمنين، متذكّرًا بأنّه وحده الرّوح يُحيي، وليس الحرف. ولم يعد خفيًّا أنّ عصرنا الّذي يتبجّح بأولويّة الحرّيّات الفرديّة الّتي تنشرها وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ، يميل إلى رفض مفهوم السّلطة عامّةً، والرّوحيّة بشكلٍ أخصّ. كم هو جميلٌ وحكيمٌ ما كتبه إغناطيوس الأنطاكيّ، شفيع كرسينا البطريركيّ، متوجّهًا إلى الأسقف وكهنته وجماعته المؤمنة، أن كونوا في وحدة متناغمة، "...على انسجامِ الأوتار والقيثارة، وهكذا، باتّفاق الشّعور وتناغُم المحبّة، تُنشدون يسوع المسيح..." (رسالته إلى أفسس 4).

كما أنّ الأسقف مدعوّ أن يقوم برعاية الموكَلين إلى خدمته، متّكلًا دومًا على النّعمة الإلهيّة الّتي سينالها في سيامته وخدمته، ومستلهمًا مواهب الرّوح القدس، لاسيّما الحكمة والمشورة. إذ كلّنا نعلم كم أضحت الخدمة الأسقفيّة مليئة بالصّعوبات، وكم عليها أن تجابه التّحدّيات المتنوّعة، إن من داخل الكنيسة وإن من خارجها. على الأسقف الجديد أن يتعامل مع الآخرين بحكمةٍ أبويّةٍ وبفطنةٍ وصبرٍ وتفهُّم. عليه أن يتقيّد بالقوانين الكنسيّة ويلجأ إلى الاستشارة قبل أن يتّخذ القرارات الهامّة المتعلّقة بخدمة الكهنة ورسالتهم، وفي حقل الرّعاية ومعالجة الأمور الاجتماعيّة. وهو مدعوّ ليكون حكيمًا ومنفتحًا في الحوار المسكونيّ، وفي بناء العلاقات الإيجابيّة مع المسؤولين الرّوحيّين والمدنيّين، في نيابةٍ بطريركيّةٍ ممتدّةٍ على مساحةٍ واسعة.

وعليه أن يقدّر النّعمة الّتي وُهِبت له، إذ أنه بسيامته، سيُضحي عضوًا في مجمع الأساقفة، أيّ سينودس كنيستنا السّريانيّة. فيدرّب نفسه على الحوار البنّاء، ويشارك في دراسة المواضيع الكنسيّة واللّيترجيّة والرّعويّة، إن في الأصقاع البطريركيّة وإن في كنيسة الانتشار. ويتذكّر بأنّ كنيسته الشّاهدة والشّهيدة من أجل الرّبّ يسوع فادينا، تحتاج إلى طاقاته الشّابّة الأمينة والملتزمة.

وخير ما أختم به كلمتي، النّشيد السّريانيّ الموجَّه للرّوح القدس، قبل وضع اليد على الأسقف الجديد مار يعقوب أفرام:

"أيّها الرّوح القدس الفارقليط، الخفيّ في جوهره، خالق الكلّ بموهبته، نبع النّبوءة وكمال الكهنوت، يا مانحًا الحكمة للبسطاء والتّعليمَ القويم للصّيّادين، ومكمّلًا البيعة المقدّسة بالمعرفة، أنتَ المساوي للآب والإبن في الجوهر والتّكريم، أيّها الرّوح القدوس لك المجد. آمين".

من جهته، وبعد رسامته مطرانًا، وبعد المناولة أكمل المطران الجديد الاحتفال بالقدّاس الإلهيّ وألقى كلمة قال فيها:  

""لا تقل إنّي صغير، حيثما أرسلك تذهب"

اخترتُ هذه الآية شعارًا لخدمتي الأسقفيّة لأضعها نصب عينَيّ طوال مسيرتي هذه، متيقّنًا أنّ الاستجابة لدعوة الرّبّ لا يعيقها سنٌّ ولا تؤخّرها خبرةٌ ولا يعوزها علمٌ، بل الرّبّ الإله، راعي الرّعاة الأعظم، هو فاحص القلوب والكلى، وعالم بخفايا الإنسان ومكنونات كيانه.

قبل ميلاد يسوع المسيح مخلّصنا بحوالي ستماية عام، كلّم الرّبّ إرميا النّبيّ ودعاه لحمل رسالة جديدة، رسالة محبّة وسلام، رسالة أمل ورجاء للشّعب اليهوديّ قبل الجلاء. لكنّ النّبيّ رفض دعوة الرّبّ معلّلًا أنّه صغير السّنّ وقليل الخبرة وطريّ العود.

أؤمن أنّ الرّبّ رافقني وظلّلني بحضوره في حياتي ليلًا ونهارًا، وعضدتني يمينه، فانتشلتني من الغرق وحفظتني وشدّدتني في خضمّ الآلام والمصاعب والتّحدّيات الّتي جابهتني، فغلبتها متّكلًا على الله الّذي يقوّي ضعفي. ولا تغيبُ عن بالي كلمة يوسف الصّدّيق في سفر التّكوين الّذي خاطب إخوتَه بعدما انقلبوا عليه وخانوه بالقول: "أنتم قصدتم لي شرًّا، أمّا الله فقصد لي خيرًا" (تك 50: 20).

إنّها لمناسبةٌ مباركةٌ أن يصادف يوم رسامتي الأسقفيّة مع عيد انتقال أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء والدة الإله بالنّفس والجسد إلى السّماء. وهنا يستحضرني هذا البيت الرّائع من شعر مار بالاي أحد آبائنا وملافنتنا السّريان: «ܐܰܪܥܳܐ ܘܰܫܡܰܝܳܐ ܝܰܘܡܳܢ ܐܶܬܠܰܚܰܡܘ܆ ܢܝܰܩܪܽܘܢ ܫܽܘܢܳܝܳܐ ܕܰܒܬܽܘܠܬܳܐ ܡܰܪܝܰܡ» "الأرض والسّماء التقتا اليوم لتكرّما انتقال البتول مريم".

نعم في هذا اليوم المقدّس، تتّحد السّماء والأرض عبر شخص والدة الإله مريم الّتي شكّلت جسرًا شافعًا للبشريّة جمعاء لدى ابنها الحبيب ربّنا يسوع المسيح. وها أنا اليوم أطلب منها وهي الكلّيّة القداسة، في هذا العيد العظيم، أن ترمقني بعنايتها الوالديّة في مسيرتي الجديدة الشّاقّة والشّيّقة، بل درب الآلام المفرح كي أسيرَ بهدي قيامة الرّبّ الفادي. ولا غرو، فنحن في بلدان شرقنا الغالي نعيش البروق والعواصف الّتي تضرب بنا من كلّ حدبٍ وصوب، لاسيّما في وطننا الحبيب لبنان الّذي يعاني من سلوك حكّامه ومسؤوليه أكثر من أيّ معاناة أخرى، ولعلّه لم يكن يكفي بلدنا الغالي التّقهقر الاقتصاديّ والفساد السّياسيّ والإداريّ والماليّ وأزمة وباء كورونا، ليأتي الانفجار المروّع في الرّابع من آب الجاري، والّذي زلزل بيروت وهزّ لبنان والعالم ليقضي على ما تبقّى من مقوّمات بلدٍ يكاد يلفظُ أنفاسه الأخيرة. لذلك نضع وطننا وشرقنا بين يديكِ يا أمّنا طالبين لبلادنا السّلام والأمان، ولشعوبنا الطّمأنينة والاستقرار.

وإنّي أدعو الشّباب اليوم إلى عدم الاستسلام رغم الظّروف العصيبة والواقع المرير، بل الاستمرار في المطالبة بحقوقهم المسلوبة من قِبَل حكّامهم الّذين لا يرون في حكمهم واستبدادهم سوى مصالحَهم الشّخصيّةَ ورهاناتِهم الرّخيصةَ، هم الّذين باعوا النّفوس بحفنةٍ من الفلوس. نريد أن يرجع لبنان إلى سابق عهده من الجمال والقوّة، لبنان على قياسه لا على قياس دول غريبة عنه.

غبطةَ أبينا البطريرك الكلّيّ الطّوبى،

لا يمكن أن تمرّ هذه السّيامة دون كلمة شكر لكم، ليس لأنّ هذا واجب أو تقليد، بل هو عرفانُ جميل. لقد كان لي الشّرف وحظيتُ بنصيبٍ صالحٍ أن أخدم تحت رعايتكم المباشرة في أمانة سرّ البطريركيّة ودوائرها المتعدّدة، وأن أرافقكم في بعض أسفاركم وزياراتكم الرّسوليّة، وأن أشارككم ولو جزءًا يسيرًا من عملكم المضني في رعايةِ كنيستنا وتدبيرِها في كلّ مكان. إنّه لمحظوظٌ جدًّا ذلك الكاهن الّذي يعمل في ظلّ كنفكم، لأنّه سيتعلّم الكثير الكثير ويكتسب خبرةً واسعة النّطاق في المجالات كافّةً.

سيّدنا، أقولها على الملأ وأمام جمهور المؤمنين الحاضرين ههنا: لولاكم لمَا نلتُ سرّ ملء الكهنوت، درجة الأسقفيّة السّامية! وها أنا أقف أمامكم الآن بفضل دعمكم وتشجيعكم الأبويّ والمجّانيّ. وهذا دينٌ عليّ لن أفيَه مهما سعيتُ وفعلتُ. سأحاول أن أفيَه بالحبّ والصّلاة والطّاعة لكم ولتوجيهاتكم الأبويّة السّديدة ما حيِيتُ، وهذا الدّين ليس فقط لما قدّمتموه لي شخصيًّا، بل لما قدّمتموه ولا تزالون تقدّمونه لكنيستنا السّريانيّة الكاثوليكيّة وللكنيسة الجامعة من تضحيات ومشقّات وأحمال ثقيلة ينوء عن حملها الجبابرة، فضلاً عن مآثركم العظيمة الّتي، إن سكت البشر عنها، لَنطق الحجر وجاهر بها. فكيف لا أطأطئ رأسي إجلالاً أمام كلّ هذا. فإنّ فكركم النّيّر وحنانكم وعطفكم وإنسانيّتكم جليّة للقاسي والدّاني، إلّا لغليظي الرّقاب وقساة القلوب وناكري الجميل. فلا خوفَ على كنيستنا لأنّكم أنتم راعيها، بل وكما تقول الصّلاة ܐܶܠܦܳܐ ܠܳܐ ܛܳܒܥܳܐ لن تغرقَ السّفينة ما دمتم أنتم قبطانَها.

سيّدنا، كلّي رجاء ألّا أخيّب ظنّكم فيّ، بل أن أُثبتَ لكم أنّ اختيارَكم لي، بما فيّ من ضعف ووهَنٍ، سيعود بالمردود ويأتي بالنّتيجة المبتغاة. وأعاهدكم أنّي سأكون على قدر المسؤوليّة، وأنّ كرامة الأسقفيّة ستزيدُني طيبةً في القلب وبساطةً في العيش، وأن أحافظ على وديعة الإيمان والأخلاق وأمانة وكالة الرّعيّة، أيّ النّيابة البطريركيّة في القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ الّتي لي شرف رعايتها باسمكم.

أشكر أصحاب السّيادة الأحبار الأجلّاء آباء السّينودس المقدّس لكنيستنا الّذين أولُوني ثقتَهم، وأعدهم أن أكون بينهم أخًا صغيرًا يتعلّم منهم ويغتني لخير الكنيسة، كبنيامين بين إخوته. وقد اتّصلوا بي جميعُهم مهنّئين ومعتذرين عن الحضور بسبب تعذُّر السّفر إلى لبنان في ظلّ الظّروف المعروفة. وهنا أخصّ بالذّكر والشّكر الحاضرين معنا اليوم:

مار أثناسيوس متّي متّوكة، عميد أحبار كنيستنا.

مار ربولا أنطوان بيلوني، الّذي على يده نلت سرّ المعموديّة المقدسة، وبوضع يده نلتُ السّيامة الشمّاسيّة منذ 14 سنة، ولطالما كان قريبًا من عائلتي بالمحبّة والمرافقة.

مار غريغوريوس بطرس ملكي، السّلف الصّالح في رعاية النّيابة البطريركيّة في القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ، أذكر محبّتكم والأيّام الجميلة الّتي قضيناها سويّةً في القدس، حيث تعلّمتُ منكم الأمانة والإخلاص للكنيسة. سيّدنا، إنّ النّيابةَ بيتُكم وهي بانتظار زيارتِكم متى شئتم.

مار متياس شارل مراد، النّائب العامّ لأبرشيّة بيروت.

شكري الخاصّ يتّجه بمحبّة مميّزة إلى كلٍّ من صاحبي السّيادة:

مار يوحنّا بطرس موشي رئيس أساقفة الموصل وتوابعها، الّذي أحاط أبرشيّتَه العزيزة برعايةٍ أبويّة مميّزة، وقد نُكِبت بالاقتلاع، فحافظ عليها وأعادها سالمةً.

ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد والنّائب البطريركيّ على البصرة والخليج العربيّ وأمين سرّ السّينودس، والّذي يعمر قلبه بالمحبّة ويفيض بالتّفاني والإخلاص للكنيسة، وهو الرّاعي المحبّ والغيور.

أشكركما سيّدنا موشي وسيّدنا عبّا لتحمّلِكُما عناء السّفر من العراق رغم الظّروف الصّعبة، كي تشاركانا هذه الفرحة، وأنا أتشرّف أنّكما قبلتما طلبي باتّخاذكما عرّابين لي في هذه السّيامة.

ويعزّ علينا أن يغيب عنّا اليوم وجهان مشرقان طالما رغبا بشوق في المشاركة في هذه المناسبة:

المثلّثَي الرّحمات مار اقليميس يوسف حنّوش مطران القاهرة والنّائب البطريركيّ على السودان، ومار ثيوفيلوس فيليب بركات رئيس أساقفة حمص وحماة والنّبك وتوابعها، والّذي كنتُ أودّ أن يقف معنا كعرّاب في السّيامة! لقد شاء الرّبّ أن ينقلَهما إليه في عزّ العطاء، ونسألُه أن يتغمّدَهُما بمراحمه ويُنعِمَ عليهما بميراث ملكوته السّماويّ مع الرّعاة الصّالحين.

ولا يسعني في هذا المقام إلّا أن أذكرَ بالعرفان والمحبّة البنويّة المثلّث الرّحمات البطريرك مار إغناطيوس بطرس الثّامن عبد الأحد، الّذي وضع يده عليّ ومنحني موهبة سرّ الكهنوت المقدّس، ورافقني بمحبّته وصلاته، وقد كانت لي فرصةٌ ذهبيّةٌ أن أكتسبَ من خبرته وأرافقَه في سنيه الأخيرة في القدس وبيت لحم، سائلًا الله أن يمتّعَه بنصيب الوكلاء الأمناء في فردوس النّعيم.

شكري الجزيل إلى أصحاب السّيادة ممثّلي أصحاب الغبطة: سيادة المطران بولس مطر، ممثّلًا صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، صاحبا النّيافة المطران مار ثيوفيلوس جورج صليبا والمطران مار اقليميس دانيال كورية ممثّلَي صاحب القداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني، سيادة المطران جورج أسادوريان ممثّلًا صاحب الغبطة البطريرك كريكور بيدروس العشرين كبرويان، وسيادة المطران ميشال قصارجي، والّذين يعبّرون بوجودهم عن محبّتهم. أطلب صلاتَهم من أجل نجاح خدمتي، متمنّيًا لهم دوام النّجاح والتّوفيق.

أشكر جميع الإخوة الأعزّاء الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات المشاركين معنا، كلًّا باسمه. وأشكر أولئك الّذي اتّصلوا بي مهنّئين من خارج لبنان، ولم يتمكّنوا من الحضور. وأشكر كهنة أبرشيّة بيروت الأعزّاء، والرّهبان الأفراميّين، والرّاهبات الأفراميّات. أسأل الله أن يبارك في خدمتكم ورسالتكم لخير الكنيسة وخلاص نفوس المؤمنين. أنتم جميعًا في قلبي وصلاتي.

شكري الجزيل مع العرفان بالجميل يتّجه إلى جميع الّذين كان لهم تعبٌ في تنشئتي في مسيرتي الإكليريكيّة، بدءًا من المدراء ومعاونيهم وجميع الّذين تعاقبوا على خدمة الإكليريكيّتين الصّغرى والكبرى في دير سيّدة النّجاة – الشّرفة، وجامعة الرّوح القدس– الكسليك، وجامعة الحكمة– بيروت.

كما أشكر الّذين تولّوا مسؤوليّة الخدمة في المحاكم الرّوحيّة في كنيستنا السّريانيّة وفي الكنيستين الشّقيقتين الكلدانيّة واللّاتينيّة في لبنان حين كنتُ أعمل وأخدم في هذه المحاكم، وكذلك الهيئات الإداريّة والتّعليميّة في مدرسة ليسيه المتحف ومدرسة دير الشّرفة، وفي رعايا أبرشيّة بيروت. لهم جميعًا منّي كلّ التّقدير والاحترام، مع الدّعاء لهم بالخير والبركة.

أخصّ بالشّكر أخي العزيز الأب فراس دردر، صديقي ورفيق الدّرب من الإكليريكيّة إلى أمانة سرّ البطريركيّة، فنيابة القدس وعمّان، وقد تحمّل مشقّة السّفر ليكون بيننا اليوم، وأدعو له بخدمة مباركة.

أحبّائي، سمعتُم عن الحصان الأسود، هو الشّخص الّذي يتعب في الخفاء ويقدّم مجهودًا عظيمًا كي يفوزَ في النّهاية ويفاجئَ الجميع. أقصد الأب حبيب مراد القيّم البطريركيّ وأمين سرّ البطريركيّة، الّذي اهتمّ وتعب وعمل في الخفاء في ظلّ ظروف صعبة ووقت ضيّق، وكان منهمكًا أكثر منّي في التّجهيزات والتّحضيرات، وهو يفوز دائمًا في النّهاية بمحبّة الأشخاص واحترامِهم. باركك الرّبّ أبونا، وزادك عطاءً ورجاءً في خدمة البطريركيّة وغبطة ابينا البطريرك. ومعك أشكر كهنة البطريركيّة وجميع العاملين فيها.

أشكر كهنة وشمامسة ومؤمني النّيابة البطريركيّة في القدس والأراضي المقدّسة والأردنّ للسّريان الكاثوليك، من رعيّة مار توما في القدس، ورعيّة مار يوسف في بيت لحم، ورعيّة مريم العذراء سيّدة الزّروع في عمّان، ومعهم الإخوة النّازحين العراقيّين في الأردنّ، على ما أحاطوني به من محبّة ومساندة منذ قدومي إلى القدس من أربع سنوات، ولا يزالون خيرَ سندٍ وداعمٍ لخدمتي. وأنا أعاهدهم، وهم يشاركوننا اليوم عبر الشّاشات ومواقع التّواصل الاجتماعيّ، أن أبذل قُصارى جهدي وكاملَ طاقتي في خدمتهم، وأدعو لهم بالصّحّة والعافية والتّوفيق. ولهم أقول: اشتقتُ إليكم، أنتم أهلي وعائلتي، بانتظارنا الكثير من العمل معًا يدًا بيد لتمجيد اسم الرّبّ ورفع شأن كنيستنا.

أشكر كهنة وشمامسة ومؤمني أبرشيّة القاهرة والنّيابة البطريركيّة في السّودان، والّتي أولاني غبطة أبينا البطريرك شرف القيام بمهمّة المدبّر البطريركيّ لها بعد ترمّلها بوفاة راعيها المطران يوسف حنّوش. وقد أظهروا لي في الفترة الأخيرة كلَّ المحبّة والتّعاون، وعلى أمل أن أزورَهم وألتقيَ بهم في أقرب فرصة، كي أعبّرَ لهم عن محبّة الكنيسة لهم وأتابعَ عن كثَبٍ شؤونَهم، ريثَما يلهمُ اللهُ غبطتَه وآباءَ السّينودس باختيار الرّاعي الصّالح للأبرشيّة في الوقت المناسب.

أعزّائي، أربعون سنةً مضت وأنا أنعم فيها بدفئهم ومحبّتهم، وأتلمّس آثار زرعِ تربيتِهم فيَّ، إنّهم كنيستي البيتيّة الّتي أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم، بالاتّكال الدّائم على الله، وشفاعة أمّه مريم، والالتزام اليوميّ بالكنيسة وخدمتها منذ الطّفولة.

يتوجّه قلبي إلى الحاضرة معنا بالرّوح ترمقني بمحبّتها الوالديّة، إنّها والدتي ناديا رحمها الله، ومعها أذكر والدي الحبيب أنطوان، وقد فنَيا حياتهما من أجل تنشئتنا، إخوتي وأنا، لهما منّي انحناءة المحبّة والإكبار. ومعهما أذكر إخوتي كبريال وكلود وكريستيان مع زوجته فيرونيكا وطفلِهما أنطوني، وأدعو لهم بالنّجاح في حياتهم وبمستقبل مُشرق.

يا عائلتي الصّغيرة لكم أقول: أعرف أنّني مقصّرٌ بابتعادي الجسديّ عنكم، لكنّي أعدُكم أنّكم كنتم وستبقون دائمًا في قلبي وصلاتي، وسأذكركم كما دائمًا على المذبح المقدّس كلّما قدّمتُ الذّبيحةَ الإلهيةَّ، أحبّكم حبًّا جمًّا.

ولا بدّ من شكر الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبّاء المشاركين معنا وكذلك الغائبين عنّا الّذين تعذّر عليهم الحضور معنا، المقيمين في لبنان أو في بلاد الاغتراب. وأدعو لهم جميعًا ولعائلاتِهم بالخير والصّحّة ببركة الرّبّ. وأشكر جميع الّذين تعبوا معنا في هذه المناسبة، من الجوق البطريركيّ، والحركات الرّسوليّة، وتلفزيون Tele Lumiere – Noursat.

لا يسعني إلّا أن أرفعَ التّضرّعَ إلى الرّبّ يسوع، بشفاعة والدته مريم العذراء سيّدة الانتقال، من أجل سلام لبنان وبلاد الشّرق، سوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردنّ ومصر، والعالمِ كلِّه، كي يعيشَ النّاس بالأمان والألفة، ويسودَ الخيرُ والعدلُ، ومن أجل حمايةِ العالمِ كلِّه من وباء كورونا الّذي يفتكُ بالكثيرين في كلّ مكان، كي يشفيَ اللهُ المرضى ويقضيَ على انتشار هذا الوباء، غير ناسٍ الصّلاةَ من أجل راحة نفوس شهداء انفجار مرفأ بيروت، وشفاء الجرحى، ونجدة المنكوبين، وبلسمة وتعزية المتألّمين.

إلى الرّبّ يسوع، الرّاعي الصّالح، أبتهلُ كي يؤهّلَني أنا غير المستحقذ أن أُحصى في عداد وكلائه الأمناء الّذين يحافظون على وديعة الإيمان، ويتاجرون بالوزنة الإنجيليّة ليكونوا من الرّابحين، ببركة صلاة غبطة أبينا البطريرك وأصحاب السّيادة آباء السّينودس وجميعكم يا إخوتي وأحبّائي. ܬܰܘܕܺܝ ܣܰܓܺܝ܆ ܒܪܟܡܪܝ سيّدنا."