الفاتيكان
04 نيسان 2025, 13:20

واعظ الكرسيّ الرّسوليّ في تأمّل الصّوم الثّالث: لفهم القيامة كخبرة محبّة

تيلي لوميار/ نورسات
ألقى واعظ القصر الرّسوليّ الأب روبرتو بازوليني صباح اليوم الجمعة تأمّله الثّالث لزمن الصّوم في قاعة بولس السّادس بالفاتيكان، تحت عنوان "أن نعرف كيف ننهض– فرح القيامة".

وفي تأمّل، قال بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ الخطوات الأولى لتأمّلات الصّوم هذه قد ذكّرتنا بأنّنا، لكي نبقى متّحدين بثبات بيسوع، علينا أن نتعلّم أن نسبح في مياه معموديّتنا، ونوافق حركاتنا مع إيقاع الإنجيل. وبقدر ما نبقى طائعين لإرشادات الرّوح الدّاخليّة، نكتشف أنّنا قادرون على المضيّ في مسيرة تضع الآخر في المحور بحرّيّة تتناغم مع محبّة الله. إنّ اللّحظة الأكثر إلهامًا في حياة المسيح لمسيرة التّتلمذ هي بلا شكّ قيامته. فمن خلال التّأمّل في هذه المرحلة من الحدث الكريستولوجيّ، يمكننا أن نستقي النّور الّذي يساعدنا لكي نوجّه خطواتنا بشكل صحيح، بدون أن نغذّي توقّعات زائفة أو مثاليّة مفرطة تجاه ما تدعونا إرادة الله إلى عيشه. إنّ النّظر إلى القيامة يعني عدم السّماح للخوف من الألم والموت بأن يشلّنا، وإنّما أن نبقي أعيننا مثبّتة على الغاية الّتي يقودنا إليها حبّ المسيح.

إنّ أعظم مفاجأة تحملها الأناجيل لا تكمن فقط في أنّ إنسانًا– وهو ابن الله– قد قام من بين الأموات، بل في الطّريقة الّتي اختار بها أن يقوم بذلك، إذ ترك لنا شهادة رائعة عن كيف يمكن للمحبّة أن تنهض من بعد هزيمة عظيمة لتواصل مسيرتها الّتي لا يمكن إيقافها. لذلك من المفيد أن ننطلق من الخبرة البشريّة المشتركة. في كلّ مرّة نتمكّن فيها من النّهوض مجدّدًا بعد تعرّضنا لصدمة عاطفيّة عميقة، فإنّ أوّل ما يخطر في بالنا غالبًا هو كيف نأخذ بثأرنا بطريقة أو بأخرى، كأن نجعل من تسبّب في معاناتنا يدفع الثّمن. لكن عندما خرج يسوع من جحيم الموت، لم يشعر بأيّ حاجة للانتقام من أحد أو لمحاسبة أيّ أحد بسبب ممّا حدث. بل إنّ الشّيء الوحيد الّذي اختار أن يفعله– وهو الآن سيّد الحياة والموت– هو أن يظهر لأصدقائه، بكلّ بساطة وفرح متواضع.

نجد في كلّ إنجيل تأكيدًا لقيامة يسوع، الخالية من أيّ روح انتقام أو حاجة لاستعادة الكرامة. وربّما نجد الدّليل الأبرز في إنجيل مرقس، لاسيّما إذا قرأناه حتّى نهايته الأصليّة، عندما خرجت النّساء من القبر وهربن، لمّا أخذهنّ من الرّعدة والدّهش، ولم يقلن لأحد شيئًا لأنّهنّ كنّ خائفات. بهذا الحدث، ينتهي أقدم الأناجيل بدون أيّ رواية عن ظهورات المسيح القائم من بين الأموات، لأنّه بالنّسبة للأجيال المسيحيّة الأولى، كان القبر الفارغ بحدّ ذاته كافيًا للإيمان بالقيامة ولإعلان فرح الحياة الجديدة في المسيح. أمّا الاثنا عشر آية اللّاحقة، الّتي تتحدّث عن ظهور المسيح القائم وصعوده أمام التّلاميذ، فقد أُضيفت لاحقًا، وهي مقبولة كجزء من التّقليد الملهم، لكن الكنيسة الأولى لم ترَ فيها ضرورة لإثبات سرّ القيامة. أمّا إنجيل متّى فيبرز بأسلوب مختلف بساطة الحدث الفصحيّ. فحينما ابتعدت النّساء عن القبر الفارغ، ظهر لهنّ يسوع لكي يؤكّد لهنّ إعلان القيامة الّذي تلقّينه من الملاك. ومع ذلك، سرعان ما يسعى الإنجيليّ إلى توضيح أنّ قيامة المسيح كانت حدثًا تاريخيًّا واجه منذ البداية شكوكًا كبيرة.

أمام هذا الضّعف الظّاهريّ الّذي رافق القيامة، يطرح السّؤال نفسه: لماذا لم يختر الرّبّ يسوع، عند قيامته، أن يظهر بوضوح أقوى وأعظم لكي يؤكّد انتصاره؟ ولماذا اختار أن يُظهر ذاته بهذه البساطة الّتي قد تولّد حتّى بعض الالتباسات والشّكوك حول هذا الحدث الجليل الّذي يفوق إدراكنا، وفي الوقت عينه، الضّروريّ لخلاص العالم؟ إنَّ الطّريقة الوحيدة للإجابة عن هذه التّساؤلات هي أن نفهم القيامة كخبرة محبّة، لا كعمل قوّة إلهيّة. ففي منطق الحبّ، ندرك لماذا لم يشعر يسوع بالحاجة إلى فرض نفسه، بل فقط بالرّغبة في أن يقدّم ذاته. كما كتب القدّيس بولس بعد لقائه بالمسيح القائم: "المحبّة لا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق ولا تبالي بالسّوء... وهي تعذر كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء وترجو كلّ شيء وتتحمل كلّ شيء". إنَّ الّذي يحبّ حقًّا لا يشعر بالحاجة إلى عدّ الإساءات الّتي تعرّض لها، لأنّ فرح الحبّ الّذي اختبره هو أعظم من أيّ مرارة، حتّى عندما لم تجرِ الأمور كما كان يتوقّع. ربّما نحن أيضًا، لكي ننهض بروح إنجيليّة من الجراح الّتي لا مفرّ منها في العلاقات، علينا أن نراجع مقدار الحرّيّة الّتي نضعها في كلماتنا وتصرّفاتنا تجاه الآخرين. إذا كنّا نلاحظ أنّنا نشعر بالإحباط بسهولة أو نغضب عندما لا تسير الأمور وفق ما كنّا نتصوّر، فربّما علينا أن نسأل أنفسنا: إلى أيّ مدى نحن نعيش علاقاتنا بمحبّة غير مشروطة؟ وإلّا فإنّنا نخاطر بأن نقضي وقتنا في التّذمّر، وفي تصيّد الأخطاء، وفي البحث عن تعويضات عن خيبات الأمل، فنصبح عبئًا على أنفسنا وعلى الآخرين.

إنّ روايات ظهورات المسيح القائم من الموت تؤكّد أنّ قيامته لا يمكن أن تُعتبر مجرّد إعادة إحياء لجسده المائت، وإنّما هي استيقاظ، بل انبعاث لكائن حيّ. فالحياة الجديدة والأبديّة الّتي منحها الآب للابن بعد موته لم تكن حياة أخرى، بل كانت امتدادًا لتلك الحياة الّتي كانت ممتلئة وتفيض بالخير لدرجة أنّ الموت لم يستطع أن يقضي عليها. بعد نزوله إلى الجحيم ليمسك بيده الّذين كانوا أمواتًا، دخل يسوع إلى الغرفة المغلقة للّذين كانوا لا يزالون أسرى الخوف من الموت وحزن الفشل، لكي يمنحهم عطيّة سلام يفوق كلّ تصوّر. وإذا كانت تحيّته لتلاميذه– ببساطتها وعاديّتها– تحمل في طيّاتها مفاجأة عظيمة، فإنّ الطّريقة الّتي اختار بها أن يُظهر نفسه تقلب جميع قواعد السّلوك الّتي اعتدنا عليها. لماذا يُظهر جراحه بدلًا من أن يخفيها، تلك الجراح الّتي قد تعيد إلى الأذهان الذّكرى المؤلمة لآلامه، حين بلغ ضعف البشر، حتّى بين الاثني عشر، أقصى درجاته: خيانة، وهروب، وإنكار؟ ولماذا يفعل ذلك بهذه الصّراحة الجريئة؟ لكن الأهمّ، لماذا لم يحزن التّلاميذ بل فرحوا؟

كما رأينا سابقًا، يُظهر يسوع علامات آلامه لأنّه متصالح تمامًا مع ما عاناه، لكنّه يريد أيضًا أن يجد أصدقاؤه السّلام، وألّا يبقوا أسرى شعورٍ غير مجدٍ بالذّنب. لهذا، يقف أمامهم مجرَّدًا من كلّ سلاح، ظاهرًا ومعروفًا، بلا تهديدات أو مطالب. يقف يسوع أمام تلاميذه بفرح من وجد سببًا وجيهًا للمعاناة والموت، وهذا السّبب هو هم أنفسهم. فجراحه، الّتي أظهرها لهم بلطف ومودّة، تصبح علامة مؤكّدة على مغفرة حقيقيّة. ومثل هذا الحبّ لا يمكن أن يُعلَّم أو أن يُفسَّر، بل يمكن نقله فقط. لم يُعزل الرّسل عن مهمّتهم، بل تمّ تثبيتهم فيها، لا كسلطة تُمارس، بل كمسؤوليّة عظيمة تُحمل بمحبّة. وكأنّ يسوع يقول لهم: "إن لم تكونوا أنتم في هذا العالم أدوات للمصالحة، بعد كلّ ما عشتموه وعانيتموه، فمن عساه يكون؟". إنّ سفر أعمال الرّسل– ومن بعده تاريخ الكنيسة بأسره– ليس سوى سلسلة من الرّجال والنّساء الّذين يعلنون غفران الخطايا، ليس لأنّهم يعتبرون أنفسهم الحرّاس الوحيدين للمحبّة، وإنّما لأنّهم لا يستطيعون التزام الصّمت حيال ما رأوه وسمعوه وعاشوه.

لم يظهر يسوع كالقائم من بين الأموات لمجرّد تحريرهم من الشّعور بالذّنب أو لكي يولّد فيهم مشاعر عابرة. لا بل إذ نفخ فيهم الرّوح القدس، الّذي قاده في رسالته، منحهم حياته عينها وحماسه في المحبّة. فأن تقوم من الموت يعني أيضًا أن تعيد الحياة لمن فقدها، وأن تعيد الثّقة لمن لم يعد لديه القوّة ليؤمن. لكن أن نسمح لله بأن يُجدّدنا ليس بالأمر السّهل. وهذا ما اختبره توما، الّذي لم يكن حاضرًا عندما ظهر يسوع لأوّل مرّة وأعطى تلاميذه الرّوح والسّلام. غالبًا ما يُنظر إلى تصرّف توما على أنّه "عدم إيمان"، لكنّه في الواقع يمثّل تحدّيًا حقيقيًّا يجب مواجهته لمن يريد أن يدخل فرح القيامة بصدق. لم يسمح توما لخبر الفصح أن يجذبه بسهولة، ليس لأنّه كان أقلّ احتياجًا له من التّلاميذ الآخرين، بل لأنّه قبل أن يستعيد ابتسامته، أراد أن يكون متأكّدًا أنّ الله لا يكتفي بنسيان الشّرّ والألم، بل يعرف كيف يتذكّرهما بطريقة جديدة. لم يكتفِ توما بمجرّد تربيتة على الكتف، فهو لم يؤمن بالقيامة إلى أن وضع إصبعه في الجراح، لأنّه لم يكن يريد فقط أن يراها، وإنّما أن يلمسها أيضًا. إنّ توما يجسّد ذلك الجانب فينا الّذي لا يرضى بمسح الدّموع والتّظاهر بالفرح، بل يطمح إلى فرح حقيقيّ، عميق، وكامل، لكي يتمكّن حقًّا من العودة إلى الحياة. ولهذا، قبل أن يسمح للقيامة بأن تلمسه، أراد أن يلمس بيده جراح المحبّة.

وبعد ثمانية أيّام، في اليوم الّذي اجتمعت فيه الجماعة لتذكّر يسوع، ظهر القائم من بين الأموات حاملًا عطيّة السّلام. وبدون أن يُطلب منه توجّه فورًا إلى توما. لم يوبّخه، بل قدّم له كلّ ما يحتاجه. إنَّ توما لم يرفض الإيمان عنادًا، وإنّما لأنّه أراد أن يختبر الفصح بطريقة حقيقيّة، ويتأكّد من حقيقته بحسب إحساسه الدّاخليّ. لكن قفزة الإيمان الّتي قام بها توما كانت أعظم ممّا رأته عيناه. فبينما لم يكن أمامه سوى جسد يحمل آثار الألم، وصل إلى الإيمان بأنّه يقف أمام خالقه وفاديه. وجاءت كلمات يسوع كإعلان رجاء، تكشف أنّ هذا النّموّ في الإيمان هو سعادة في متناول الكثيرين عبر التّاريخ. إنّ فرح القيامة يملكه الّذين يتحلّون بالشّجاعة لكي لا يتوقّفوا عند إيمان سطحيّ مبنيّ على شعارات وأفكار جاهزة.

عند التّأمّل في أناجيل القيامة، نجد حقيقة مدهشة: لم يكن القائم من بين الأموات بحاجة إلى القيام بأفعال مذهلة وخارقة لكي يُظهر عطيّة حياته الجديدة. كان نور قيامته أقلّ إبهارًا من نور التّجلّي. لم يكن أيّ من أصدقائه قادرًا على التّعرّف عليه فورًا: فمريم المجدليّة ظنّته البستانيّ، والتّلاميذ اعتبروه صيّادًا غريبًا، وتلميذا عمّاوس ظنّاه أحد سكّان أورشليم العاديّين. لماذا كلّ هذا الإحجام عن إضفاء "التّأثيرات الخاصّة"، الّتي كان من شأنها أن تجعل القيامة أكثر وضوحًا؟ ولماذا، بعد أن أعلن التّحرير في الجحيم، ظهر الرّبّ للعالم بمثل هذا التّواضع المذهل؟ ربّما كنّا نتوقّع خطابًا كاشفًا عظيمًا عن أسرار التّاريخ والكون، أو استعراضًا للقوّة يغير الواقع ويتجاوز حدوده. لكن القائم من بين الأموات نادرًا ما أظهر نفسه، وتحدّث باعتدال. اختار أن يقترب بهدوء، وأن يُلقي تحيّة لا تثير الخوف، وأن يجلس إلى المائدة ويتقاسم، ببساطة وسلام، فرح الأخوَّة.

إذن، هل قام المسيح من بين الأموات فقط لكي يقول لتلاميذه: "لنأكل معًا"؟ نعم، لأنّ في هذه البساطة العجيبة لوجبة مشتركة تتجلّى حقيقتان عظيمتان. الأولى واضحة: يسوع ليس شبحًا أو روحًا، بل هو جسد قائم من الموت. أمّا الحقيقة الثّانية فهي أعمق وأصعب في التّعبير، لكنّها رائعة في اختبارها. إنّ يسوع يأخذ وقتًا لكي يقوم بشيء عاديّ، لكي يُظهر لتلاميذه أنّه بعد قيامته، يمكن لكلّ لحظة في الحياة أن تصبح إعلانًا واستباقًا لملكوت السّماوات. الأكل، العمل، المشي، التّنظيف، الكتابة، الإصلاح، الانتظار، الإسراع– كلّ شيء، كلّ ما تسمح به الحياة لنا، يمكن أن يُعاش بأسلوب جديد، أسلوب أبناء الله. كلّ شيء بات نعمة، وكلّ شيء يمكنه أن يصبح شكرًا. هذه هي النّتيجة المذهلة والمهيبة للفصح: أنّ الواقع– أيّ واقع كان– كما هو، يمكنه أن يصبح فرصة للفرح، إذا تعلّمنا أن نعيشه بروح الشّركة مع الآخرين وفي الامتنان.

ولكن يبقى هناك ظلًّا وحيدًا قد يحرمنا من تذوّق فرح حياة متحرّرة من الخوف من الموت: ذلك التّوقّع السّاذج لحياة خالية من الصّليب. وفي تجواله بين أصدقائه بعد قيامته، وقبل أن يعود إلى الآب، حاول يسوع أن يبدّد هذا الظّلام أيضًا. "يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء. أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟"؛ فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه". كان تلميذا عمّاوس يسيران حزينين، مبتعدين عن أورشليم. فاقترب منهما يسوع القائم وسار معهما، لكن أعينهما لم تستطع التّعرّف عليه. تركهما يعبّران عن مشاعرهما، وأعطاهما الفرصة ليبوحا بكلّ مرارة استسلامهما. لقد تذكّرا كلّ شيء، حتّى أنّ جسد يسوع لم يعد في القبر، لكنّهما لم يستطيعا أن يبتسما، لأنّهما كانا يأملان في نهاية مختلفة. عندها، بدأ يسوع بمساعدتهما على فهم السّرّ العظيم، عبر تعليم طويل لم تُروَ لنا كلماته، بل معناه: لم يكن الألم في ذاته ضروريًّا، ولكن كان من الضّروريّ أن يتألّم المسيح لكي يُظهر إلى أيّ حدّ أحبّ الله العالم. لم يدرك التّلميذان الحقيقة على الفور، بل فقط عندما جلسا معه على المائدة. وفي لحظة كسر الخبز، اكتشفا أنّ رجاء الحياة الأبديّة وفرح القيامة كانا يقيمان فيهما حقًّا. وهذه هي خبرة القيامة الّتي يُدعَى إليها كلّ رجل وامرأة: أن يكتشفوا، تحت غبار أو رماد تاريخهم الشّخصيّ، جمرًا لم تستطع الآلام والموت أن تطفئه. ذلك الجمر المستعدّ لكي يتَّقد مجدّدًا، لكي يشعل الرّوح وينقّي الرّؤية، فيصبح الإنسان قادرًا على رؤية سرّ فصح المسيح في جميع الأشياء.

في قيامته، ترك لنا الرّبّ يسوع وصيّة ثمينة، إذ كشف لنا الكنوز المخفيّة في إنسانيّتنا عندما تسمح للرّوح القدس بأن يصوغها، فتتطابق مع صورة الله ومثاله. هذه المواقف وأساليب العيش ليست حكرًا على الأوقات الصّعبة وحسب، عندما نحتاج إلى أن نقف مجدّدًا ونستأنف المسيرة. فمن خلال بناء علاقات قائمة على المحبّة المجّانيّة، أدرك الرّبّ أنّ الاستياء عندما لا تسير الأمور كما نريد لا جدوى منه. بل إنّ الأجدى هو إعادة اكتشاف درب اللّقاء، بالثّقة في أنّ هناك دائمًا الكثير لنعيشه ونكتشفه. أن نبقى أحرارًا حتّى في أكثر العلاقات تعقيدًا هو السّبيل الوحيد لكي نجعل الحياة تزهر مجدّدًا، عبر غفران حقيقيّ قادر على تجديد الرّوابط الّتي أضعفتها الأيّام والخطيئة. وبهذه الطّريقة فقط، بدون ضغينة أو مرارة، يصبح الإنسان شاهدًا على ذلك الحبّ الأعظم، الّذي لا تستطيع مياه الشّرّ ولا الموت أن تطفئه. لأنّ قوّة القيامة تتناسب طرديًّا مع صلابة المحبّة، تلك الشّعلة الّتي طبعها الرّبّ في قلوبنا، وختمُ حياة أبديّة بدأت منذ الآن في هذا العالم."