لبنان
04 نيسان 2023, 09:30

وإبتدأت مراحل الآلام وطريق الجلجلة ودرب الصّليب والموت والقيامة!

تيلي لوميار/ نورسات
في بحر أسبوع الآلام، اختار الأب البروفيسور يوسف مونّس أن يسير مع القرّاء على درب الجلجلة وصولاً إلى القيامة في مقال جديد كتب فيه:

"من بستان الزّيتون، إلى الجلد، إلى إكليل الشّوك، إلى حمل الصّليب، إلى الموت، إلى القيامة... مسار من الآلام والأوجاع مجبول بالخيانات والدّموع، والتّوبة، والمآسي، والبكاء، والفرح، والخوف، والمجد، مجد القيامة.  

من بستان الزّيتون سيق يسوع إلى دار حنانيا الّذي أرسله إلى قيافا رئيس الكهنة آنذاك، الّذي أرسله إلى بيلاطوس، الّذي أرسله إلى هيرودوس الّذي أعاده إلى بيلاطوس إلى الحكم بالموت وحمل الصّليب إلى الجلجلة، إلى القيامة، "فأخذوه أوّلًا إلى حنانيا وهو حمو قيافا رئيس الكهنة في تلك السّنة" (يوحنّا 18/ 13)، "وهذا الذي أشار إلى اليهود فقال: أن يموت رجل واحد فدى الشّعب فخير لكم" (يوحنّا 18/ 14)، "فأرسله حنانيا موثقًا إلى قيافا رئيس الكهنة" (يوحنّا 18/ 24) "وأخذوا يسوع من عند قيافا إلى قصر الحاكم بيلاطس" (يوحنّا 18/ 28) بعد أن كان اجتمع الكتبة والشّيوخ في دار قيافا، لكنّ يسوع ظلّ صامتًا حتّى عيل صبر قيافا فقال ليسوع "أما تجيب بشيء"، "فقال له بالله الحيّ قل لنا هل أنت المسيح بن الله، فقال يسوع: أت قلت فشقّ عظيم الأحبار ثيابه وهو يقول: إنّه يجدّف أنحن بعد بحاجة إلى شهود وقد سمعتم الآن التّجديف. فما ترون، قالوا إنّه يستحقّ الموت فبصقوا في وجهه ولطموه وكلّمه بعضهم قائلًا: تنبّأ، قل لنا أيّها المسيح، قل لنا من ضربك" وأوثقوه وساقوه إلى بيلاطس.  

إنّه ليل البستان، بستان الزّيتون يغمر شجر الزّيتون والسّكون يملأ صمت اللّيل الذي تتردّد فيه تنهّدات يسوع وهو وهو يعرق دمًا ويصلّي في بستان الزّيتون، والرّسل يغطّون في نوم عميق غير مدركين عظمة المأساة الّتي ستحدث في ذلك اللّيل، والّتي ستمتدّ حتّى الصّلب والموت والقيامة.  

نحو بستان الزّيتون سيتقدّم جمهور حامل العصيّ والفؤوس، يقودهم يهوذا إلى حيث يسوع وهم لن يعرفوه في ظلمة اللّيل أنّه هو إلّا بقبلة يهوذا له. القبلة القاتلة كخنجر الخيانة في القلب وفي اليد يحمل يهوذا كيسًا فيه ثلاثين من الفضّه ثمن خيانته ليسوع.  

إستيقظ بطرس وبعفويّته وحبّه ليسوع ضرب بسيفه أذن خادم رئيس الكهنة الّتي ردّها سوع قائلًا لبطرس بطرس أردد سيفه إلى غمده فمن أخذ بالسّيف بالسّيف يؤخذ أمّا بقيّة التّلاميذ فولّوا هاربن تاركين يسوع تسوقه الجموع بعد أن باعه لهم يهوذا بقبلة ويسوع يقول له بعتب كبير: أبقبلة تبيع ابن الإنسان يا يهوذا.      

وسيق يسوع إلى بيت رئيس الكهنة قيافا. وابتدأت مشهديّة الآلام والعذاب بين قيافا وحنانيا وهيرودس وبيلاطس وشعب اليهود والحكم الرّومانيّ. وتتصارع قوى المصالح والكهنة والحكّام والسّياسيّة والغوغائيّة والأمّ الملهوفة الموجوعة الرّاكضة لاهثة تبحث عن وحيدها... لذلك نحن في ليلة المرافقة نرافق السّيّدة مريم العذراء الباحثة عن ابنها من مكان لآخر، لذلك نحن نرافقها عندما نزور كنائس سبعة في تلك اللّيلة مشاركين مريم العذراء آلامها وأوجاعها على ابنها المخطوف، ونشارك جميع النّاس الّذين خطف أولادهم وإلى الآن لا يعرف مصيرهم.  

في تلك اللّيلة أيضًا تمّت خيانة بطرس عندما أنكر أنّه لا يعرف يسوع وخرج هاربًا نادمًا على خيانته ونكرانه، هو الّذي أعلن أنّه يحبّ يسوع حتّى الموت.  

وتتوالى الخيانات في ذلك الحدث المفجع: من خيانة يهوذا إلى هرب الرّسل إلى خيانة بطرس إلى خيانة بيلاطس بغسل يديه وإعلانه أنّه هو المسؤول عن دم هذا الإنسان. خيانة أخرى كخيانة بروتوس لقيصر.  

هكذا نحن نعيش عمرنا من خيانة إلى خيانة ومن نكران وكذب ونفاق إلى نكران وكذب ونفاق حتّى نتوب ونندم ونبكي على خطيئتنا لنعيش زمن قيامتنا من موت ومقبرة الإنسان العتيق القديم ونصل إلى فرح قيامة الإنسان الجديد بالحبّ والصّدق والتّضحية والذلّ والعطاء فنقرع أجراس قيامتنا في حياتنا الجديدة في المسيح القائم من الموت إلى الحياة.  

هذا هو العمى السّياسيّ الّذي نعيشه اليوم بخيانة للوطن ولشعبه ولصالحه ونجعل من لبنان بلدًا منهارًا فاسدًا متخلّفًا شحّادًا جائعًا ومريضًا بلا دواء ولا مستشفى وعاريًا بلا رداء أو كساء ولاجئًا في وطن الحرّيّة والحبّ والخير والجمال."