الفاتيكان
08 حزيران 2018, 05:00

هل تحافظ على ذاكرتك المسيحيّة؟

"الذّاكرة المسيحيّة" هي النّقطة الّتي شدّدها عليها البابا فرنسيس في قدّاسه أمس في كابيلا القدّيسة مرتا في الفاتيكان منطلقًا من دعوة مار بولس لتلميذه تيموتاوس عندما قال "أذكر يسوع المسيح"، بحسب ما ذكرت "إذاعة الفاتيكان".

 

وشرح البابا أنّ الذّاكرة المسيحيّة "هي ملح الحياة، وبالتّالي علينا أن نعود إلى الوراء لكي نتمكّن من المضيِّ قدمًا، علينا أن نتذكّر اللّحظات الأولى الّتي التقينا خلالها بيسوع ونتأمّل بها، كما علينا أن نتذكّر من نقل إلينا الإيمان وشريعة المحبّة الّتي وضعها الرّبّ في قلوبنا.

إنّها عودة بالذّاكرة للقاء يسوع لكي نجد القوّة ونتمكّن من السّير إلى الأمام، لأنّ الذاكرة المسيحيّة هي على الدّوام لقاء مع يسوع المسيح. الذّاكرة المسيحيّة هي كالملح لحياتنا. بدون الذّاكرة لا يمكننا المضيّ قدمًا. عندما نلتقي بمسيحيّين فقدوا الذّاكرة نرى على الفور أنّهم فقدوا طعم الحياة المسيحيّة وأصبحوا أشخاصًا يطبّقون الوصايا وحسب بدون أيّة روحانيّة وبدون أن يلتقوا بيسوع، فيما هدف حياتنا هو اللّقاء بيسوع المسيح.

وهناك ثلاثة حالات يمكننا خلالها أن نلتقي بيسوع: في اللّحظات الأولى، في أسلافنا وفي الشّريعة؛ تعلّمنا الرّسالة إلى العبرانيّين كيف نقوم بذلك: "اذكُروا أَيَّامَ الماضيَ، الَّتي فيها تَلقَّيتُمُ النُّور فجاهَدتُم جِهادًا كَثيرًا مُتَحَمِّلينَ الآلام"... كلّ منّا لديه لحظات لقاء مع يسوع، لقد اختبرنا في حياتنا مرّة أو اثنين أو ثلاثة اقتراب يسوع منّا وإظهار نفسه لنا، فلا ننسينَّ هذه اللّحظات، بل علينا أن نعود إلى الوراء لنسترجعها لأنّها لحظات إلهام التقينا خلالها بيسوع. كلٌّ منّا يمتلك لحظات كهذه: عندما التقى بيسوع المسيح وعندما غيّر حياته وعندما كشف له الرّبّ عن دعوته وعندما افتقده الرّبّ في الصّعوبات... نحن نحمل هذه اللّحظات في قلوبنا لنبحث عنها ولنتأمّل بها. لنتذكّر تلك اللّحظات الّتي التقينا بها بيسوع والتقى هو بنا، إنّها ينبوع المسيرة المسيحيّة، الينبوع الّذي يعطينا القوّة.

"هل أتذكّر تلك اللّحظات؟" لحظات اللّقاء بيسوع والّتي غيّرت حياتي. إن كنّا لا نذكرها علينا أن نبحث عنها. أمّا اللّقاء الثّاني فهو من خلال ذكرى أسلافنا كما نقرأ في الرّسالة على العبرانيّين: "أُذكُروا رُؤَساءكم، إِنَّهم خاطَبوكم بِكَلِمَةِ اللّه، واعتَبِروا بما انتَهَت إِلَيه سيرَتُهم واقتَدوا بِإِيمانِهِم" أو في رسالة القدّيس بولس الثّانية إلى تلميذه تيموتاوس: "أَذكُرُ ما بِكَ مِن إِيمانٍ بِلا رِياء، كانَ يَعمُرُ قَبْلاً قَلبَ جَدَّتَكَ لُئيِس وأُمِّكَ أَوْنِقَة، وأَنا مُوقِنٌ أَنَّه يَعمُرُ قَلبَكَ أَيضًا". نحن لم ننل إيماننا بالبريد وإنّما هناك رجال ونساء قد نقلوه إلينا ونقرأ في الرّسالة إلى العبرانيّين "لِذلِكَ فنَحنُ الَّذينَ يُحيطُ بِهِم هذا الجَمُّ الغَفيرُ مِنَ الشُّهود، فلنُلقِ عَنَّا كُل عِبءٍ وما يُساوِرُنا مِن خَطيئَة ولنَخُض بِثَباتٍ ذلِك الصِّراعَ المَعروضَ علَينا".

في كلِّ مرّة تفتر فيها ماء الحياة من الأهمّيّة بمكان أن نعود إلى الينبوع لنجد القوّة للمُضيِّ قدمًا. يمكننا أن نسأل أنفسنا: "هل أتذكّر رؤسائي وأسلافي؟ هل أنا شخص يمتلك جذورًا؟ أم أنّني قد فقدتها وأعيش في الحاضر وحسب؟ إن كان الأمر هكذا فعليّ أن أطلب فورًا نعمة العودة إلى الجذور وإلى الأشخاص الّذين نقلوا إلينا الإيمان. وختامًا اللّقاء الثّالث من خلال الشّريعة كما يذكّرنا يسوع في إنجيل القدّيس مرقس الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيّة اليوم: "الوَصِيَّةُ الأولى هِيَ: إِسمَع، يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلَهَنا هُوَ الرَّبُّ الأَحَد. فَأَحبِبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ، بِكُلِّ قَلبِكَ، وَكُلِّ نَفسِكَ، وَكُلِّ ذِهِنكَ، وَكُلِّ قُوَّتِكَ". الشّريعة هي علامة محبّة من الرّبّ تجاهنا لأنّه من خلالها يرشدنا إلى الدّرب الّتي علينا أن نسيرها لكي لا نخطئ ولذلك علينا أن نتذكّر الشّريعة لا تلك الباردة وإنّما شريعة الحبّ الّتي وضعها الله في قلوبنا.

لنسأل أنفسنا: "هل أنا أمين للشّريعة؟ هل أتذكّرها؟" غالبًا ما نجد صعوبة نحن المسيحيّون والمكرّسون أيضًا لتذكّر الوصايا. يقول لنا القدّيس بولس "أُذكُر يَسوعَ المَسيحَ" أيّ ليكن نظرك محدّقًا على الدّوام بالرّبّ في أوقات حياتك حيث التقيته وعند المحن، في أسلافك وفي الشّريعة. فالذّاكرة ليست مجّرد عودة إلى الوراء، وإنّما هي عودة للانطلاق والمضي قدمًا لأنَّ الذّاكرة والرّجاء يسيران معًا ويكملان بعضهما البعض. أذكر يسوع الرّبّ الّذي جاء ودفع من أجلك وسيأتي مجدّدًا، إنّه ربّ الذّكرى وربّ الرّجاء. وبالتّالي يمكن لكلّ فرد منّا أن يسأل نفسه اليوم كيف هي ذاكرتي فيما يتعلّق باللّحظات الّتي التقيت بها بالرّبّ، وبأسلافي وبالشّريعة، ومن ثم كيف هو رجائي وبماذا أرجو. ليساعدنا الرّبّ في عمل الذّاكرة والرّجاء هذا".