سوريا
18 حزيران 2020, 05:55

هكذا ودّعت كنيسة السّريان الكاثوليك المثلّث الرّحمات ثيوفيلوس بركات

تيلي لوميار/ نورسات
"العالم يزول والإسم الصّالح لا يزول، فطوبى لمن اجتهد واقتناه"، مقتبسًا عن أحد آباء السّريان قوله، عبّر بطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان عن عمق حزنه لخسارة رئيس أساقفة أبرشيّة حمص وحماة والنّبك وتوابعها المثلّث الرّحمات مار ثيوفيلوس فيليب بركات الّذي رأى فيه "ساعدًا أيمنًا" و"سندًا وعامودًا من أعمدة الكنيسة ومدافعًا صلبًا عنها".

كلام يونان جاء في رتبة جنّاز ودفن بركات الّتي ترأّسها في كنيسة سيّدة النّجاة- زيدل- حمص، بمشاركة بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وبطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، والسّفير البابويّ في سوريا الكاردينال ماريو زيناري، ولفيف من أساقفة الكنائس كافّة وإكليروسها، وبحضور مسؤولين رسميّين في الدّولة السّوريّة والقيادات المدنيّة والأمنيّة والعسكريّة، حشد كبير من المؤمنين.

في كلمته التّأبينيّة تحت عنوان "أنا الرّاعي الصّالح، أعرف خاصّتي وخاصّتي تعرفني" (يوحنّا 14/ 10)، أبدى يونان حزنه العميق لخسارة "ساعده الأيمن"، إذ حلّ النّبأ كالصّاعقة على مسمع الجميع، وتوقّف عند خصال الرّاحل الّذي تميّز "بطيبته ووداعته وتواضعه"، وبوجهه المشرق والباسم والمحبّ فـ"خدم كنيسته بأمانة، واستحقّ أن يُطلَق عليه اسم "الرّاعي الصّالح" مثل معلّمه الإلهيّ"، إذ "عرفَ خاصّته عن قربٍ وشمَلَها بمحبَّته الرّعويّة، متعاونًا مع الآباء الخوارنة والكهنة والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات والمؤمنين الغيورين. فكشَفَ بمَثَل حياته وجهَ المسيح الّذي قال عن نفسه: "أنا الرّاعي الصّالح، أعرف خاصّتي وخاصّتي تعرفني". لقد حضَرَ أمام العرش الإلهيّ ليُسلِّمَ الوديعة، إذ انطفأ كالشّمعة بعد ظهر يوم السّبت الماضي بصمتٍ وهدوءٍ أدهش الجميع".

وعن أمانته الملفتة حتّى الموت، تحدّث يونان مشيرًا إلى خدمة "مثلّثة الأبعاد"، فكان أمينًا للرّبّ يسوع، وللكنسية المقدّسة وتعاليمها، ولدعوته الكهنوتيّة والأسقفيّة.

وأكّد يونان أنّه "بوفاته السّريعة والمفاجئة تخسر الأبرشيّة كنزًا ثمينًا، وقد باغتَه الموت وهو في عزّ العطاء. فترمّلت الأبرشيّة بفقدها أبًا مُحبًّا وراعيًا متفانيًا ومدبّرًا حكيمًا"، وأسقفًا امتازت خدمته "بالعمل المضني والدّؤوب بحماسٍ رسوليّ وجهدٍ راعويّ وحسٍّ إداري تدبيريّ".

وشملت كلمته تثمينًا لإنجازاته في مجالات عديدة، بخاصّة على صعيد العمل المسكونيّ، إذ "نسج علاقات المودّة الصّادقة والتّعاون الكامل مع إخوته رؤساء الكنائس في محافظة حمص. وكذلك أقام أطيب العلاقات مع الإخوة المسلمين، فبادلوه المحبّة والاحترام". كما أخلص لوطنه سوريا، وحمل بصدق قضاياه، "وكانت له مع المسؤولين المدنيّين والعسكريّين أفضل الصّلات".  

وخلال الرّتبة، تُليت رسالة التّعزية الّتي وجّها البابا فرنسيس عبر أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، قدّم فيها تعازيه الحارّة، وأكّد مشاركته الحزن بعزاء الإيمان، شاكرًا الله على سنوات الخدمة الّتي أمضاها المثلّث الرّحمات، وسائلاً الله أن يستقبله في رحمته ونوره الأزليّ.

هذا وقرأ زيناري تعزية رئيس مجمع الكنائس الشّرقيّة الكاردينال ليوناردو ساندري الّذي سلّط الضّوء في رسالته على صفات الرّاحل الرّعويّة.

كما ألقيت كلمات عديدة للمناسبة تُوّجت بكلمة المدبّر البطريركيّ الجديد وكاهن الرّعيّة الأب جرجس الخوري، شكر فيها بإسم الرّعيّة البطريرك يونان والحاضرين، وأعرب عن الحزن الكبير لغياب راعي الأبرشيّة، ومعاهدًا إيّاه بالأمانة لتوصياته وتوجيهاته.

في الختام، وعلى وقع التّرانيم السّريانيّة، حمل كهنة الأبرشيّة وشمامستها جثمان المثلّث الرّحمات وطافوا به في زيّاح مهيب حول المذبح الرّئيسيّ، ثمّ داخل الكنيسة، مودِّعًا بذلك المذبح والكنيسة بجهاتها الأربع، وإكليروسها ومؤمنيها، وسط جوٍّ من الرّهبة والخشوع والحزن، يقاطعه تصفيق حادّ إكرامًا للمثلّث الرّحمات وتعبيرًا عن صدق الحبّ والتّقدير له، بحسب ما وصف إعلام البطريركيّة الرّسميّ.

وفي نهاية الرّتبة، نُقِل الجثمان ليوارى في مثواه الأخير في مدفن الأحبار والكهنة الرّاقدين تحت المذبح الرّئيسيّ للكنيسة.

وكان يونان قد ترأّس قدّاسًا إلهيًّا صباح الثّلاثاء لراحة نفس المثلّث الرّحمات بركات، في كنيسة سيّدة النّجاة- زيدل، وأقام في ختامه "تشمشت" الصّليب المقدّس، وقلّد الأب جرجس الخوري صليب الصّدر والخاتم، كي يستطيع أن يمثّل الأبرشيّة بالطّريقة اللّائقة كمدبّر بطريركيّ لها.