هكذا حطّ البطريرك الصّربيّ رحاله في البلمند
وكان في استقبال الوفد الكنسيّ رئيس الدّير الأرشمندريت رومانوس الحناة وآباء الدّير وكهنة الأبرشيّات المحيطة به ورسميّون وجمع غفير من المؤمنين.
في كنيسة الدّير، رفع البطريركان الشّكر لله، واستمعا إلى كلمة رئيس الدّير التّرحيبيّة والّذي جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "نرحّب بكم سيّدي صاحب القداسة بطريرك الصّرب، والوفد الكريم المرافق لكم، في زيارتكم السّلاميّة إلى بطريركيّة أنطاكية. ونشكر أبانا صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر راعينا الّذي أكرم دير سيّدة البلمند ضمن برنامج هذه الزّيارة التّاريخيّة إلى لبنان، فنمتلىء بركة، خاصّة أنّها الزّيارة الأولى منذ قرون، الّتي يزور فيها هذه البلاد الطّيّبة، بطريرك كنيسة الشّهداء، بطريرك كنيسة صربيا.
كنيستان شاهدتان للسّيّد القائم تتعانقان بلقاء رمزيها لقاء محبّة لا ينتهي، مذ حللتم في الدّار البطريركيّة- الكاتدرائيّة المريميّة في دمشق- ليتقارب التّاريخ والمستقبل، فإذ بنا نحيا زمنًا قياميًّا. اليوم هنا، أيّة بركة يغدق الله بها علينا، إذ بحضور شخصكم تبارك دير سيّدة البلمند القائم على هذا الجبل منذ ألف عام، ومعه كلّ المؤسّسات المنتشرة على أرضه، الجامعة ومعهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ للّاهوت وثانويّة البلمند بفرعيها وقريبًا المستشفى، المستظلّة بشفاعات الكلّيّة القداسة الحامية له.
يا سيّدي، فرحنا عظيم، لأنّنا في وجهكم نرى سلامًا لكلّ الأرثوذكسيّة وللجميع، كيف لا، وأنتم تحملون اسم القدّيس العظيم إيريناوس. لنا رجاء أن تنقلوا محبّتنا إلى كلّ أديار كنيسة صربيا المقدّسة وشعبها، وأن تحملوا لبنان، الأرز المبارك، في أدعيتكم. أذكروا يا سيّدي المخطوفين، وعلى رأسهم مطراني حلب يوحنّا (إبراهيم) وبولس (يازجي)، الّذي خدم كرئيس لهذا الدّير العريق وكعميد لمعهد اللّاهوت.
صاحب القداسة، نقدّم لكم عربون فرح وحبور بهذه الزّيارة المباركة أيقونة سيّدة البلمند أمّنا، سائلين شفاعاتها أن ترافق خطاكم".
بعدها ردّ البطريرك إيريناوس بكلمة قال فيها: "أشكر والدة الإله، كما نشكر ربّنا يسوع المسيح، الّذي دلّنا على هذا المكان وأدرجه ضمن زيارتنا. هذا الدّير هو فخر لكلّ العالم الأرثوذكسيّ، فهو ممتلئ بالنّعم والبركات الرّوحيّة الّتي نأخذها من أيقونات هذا الدّير الشّريف. نحن سمعنا عن هذا المكان، لكنّنا اليوم رأينا الحياة الرّوحيّة والعتاقة التّاريخيّة.
هذا المكان المقدّس هو من عمل القدّيسين، ونحن نفتخر بأنّنا قمنا بزيارة الأماكن والأديرة الّتي خطّها بولس الرّسول، والّتي بقيت أهمّيّتها التّاريخيّة قائمة حتّى يومنا هذا. في هذه الأيّام الصّعبة، الّتي نمرّ بها، علينا أن نعي تمامًا أهمّيّة هذه الأماكن الرّوحيّة، إذ فيها نعيش كلمة الرّبّ في حياتنا. بالتّالي، زاد فخرنا، عندما علمنا بأنّ ثمة جامعة ومعهد لاهوت إلى جانب هذا الدّير الشّريف. إنّنا نرفع صلاتنا من أجل كلّ الأسرة العاملة في هذه الصّروح التّربويّة.
نحن أتينا من بلد مرّ بصعوبات، مرّ شعبه بٱلام وجروحات كبيرة، مثل ما عانى الشّعب في لبنان وسورية عمومًا، وفي كنيسة أنطاكية خصوصًا، من أحداث وآلام. إنّ زيارتنا السّلاميّة، الّتي قد بدأناها من دمشق، جعلتنا نعيش في حالة من التّأثّر العميق، لأنّ هذه الأخيرة ذكّرتنا بآلامنا وجروحاتنا. لذا، ما يجمع كنيستينا هم الشّهداء الّذين قدّموا حياتهم في سبيل إيمانهم. لكنّ الرّبّ لن يتركنا وسيساعدنا على حمل صليب الآلام الّذي هو بالنّسبة إلينا صليب المجد.
نصلّي من أجل أن يعمّ السّلام في لبنان وسوريا وسائر المنطقة. يتحمّل معنا رسالة المحبّة الّتي استلمناها من قلوبكم، وكم أحوجنا إلى المحبّة في هذا العصر. عليكم أن تنظروا دائمًا إلى الرّبّ، وتتحلّوا بروح المسامحة. كما أودّ أن أتوجّه إلى أخوتنا المسلمين بأحرّ التّهاني بمناسبة عيد الفطر السّعيد".
بعد الكلمة، قدّم البطريرك الصّربيّ أيقونة والدة الإله حامية البطريركيّة الصّربيّة لرئيس الدّير، ثمّ التمس الشّعب المؤمن بركته الرّسوليّة في صالون الدّير.
بعد ذلك، تفقّد ثانوية سيّدة البلمند وجامعة البلمند حيث عُقد لقاء في مكتب رئيسها د. الياس الورّاق، وتمّ التّطرّق خلاله إلى أهمّيّة وجود هذه الجامعة التّابعة للكنيسة في لبنان.
ثمّ عُرض في قاعة الاجتماعات تاريخ الجامعة ونشأتها ومراحل تطوّرها، ودورها الرّياديّ في نشر العلم والمعرفة والتّبادل الحضاريّ والثّقافيّ.
وللمناسبة، ثمّن البطريرك إيريناوس دور الجامعة ورقيّها الفكريّ والعلميّ والإداريّ والإنسانيّ والوطنيّ، وجال على مختلف أقسامها.
ثمّ توجّه والبطريرك يوحنّا العاشر والوفد المرافق إلى معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ اللّاهوتيّ حيث رحّب بهم عميد المعهد المتقدّم في الكهنة الأب بورفيرويس جرجي وأساتذة المعهد وطلّابه.
وفي قاعة المثلّث الرّحمة البطريرك إغناطيوس الرّابع، تلا العميد جرجي كلمته فقال: "إنّ معهدنا يكتسب أهمّيّة ومكانة كبيرتين في العالم الأرثوذكسيّ، خاصّة في كنيسة أنطاكية العظمى. لقد مرّ معهدنا بمراحل تاريخيّة هامّة، وأنتج روّادًا روحيّين في حقل الخدمة والمعرفة الكنسيّة، إذ تخرّج منه منذ العام 1970 العديد من السّادة المطارنة والأساقفة والكهنة، وباتوا خدّامًا في حقل الرّبّ في الوطن والانتشار. إنّني أرى أنّ اللّاهوت الحقيقيّ أن يفرغ الإنسان ذاته ويجعل الرّبّ يسوع ساكنًا في قلبه".
وشدّد إيريناوس من جهته، على العلاقة الأخويّة الوطيدة الّتي تربط كنيستي أنطاكيا وصربيا، فقال: "لا نعلم ماذا نقول لكم هل أنتم من حصلتم على بركتنا، أم نحن من حصلنا عليها منكم ومن قلوبكم الدّافئة وإيمانكم المستقيم؟ نعم، أخبرونا عن كنيسة أنطاكية وفرادتها التّاريخيّة لكن لم نصدّق أنّها بهذا الجمال الرّوحيّ. اليوم، تأكّدنا، وقلوبنا تخفق أمام هذا الدّفء الإيمانيّ والتّجذّر والشّهادة في الحقّ، أنّ ما قيل لنا صحيح، لا بل خبرنا أكثر ممّا سمعنا.
أريد أن أخبركم أنّنا في كنيسة صربيا قد مررنا بأيّام صعبة واضطهادات كثيرة مماثلة لمعاناتكم. هذا ما دفعنا إلى التّمسّك بالغنى الرّوحيّ، وخلق في داخلنا مبدأ مفاده، أنّ الحقّ هو قيامة لا يمكن انتزاعه. نحن، وإيّاكم، أصحاب حقّ، وشعبنا يدرك هذا الحقّ ويؤمن أنّ الله لن يتركه.
نعم، لقد تعرّفنا على فضائلكم الفيّاضة من محبّة وطيبة وعشق إيمانيّ وتجذّر. هذا فخر لنا، إذ أنّنا سنعود إلى صربيا حاملين من كنيسة أنطاكية رسالة اعتزاز ملؤها السّلام والمحبّة. لا أخفي عليكم أنّنا نحسدكم على علاقاتكم الطّيّبة مع سائر الدّيانات والطّوائف لأنّ مثل هذه العلاقات نفتقدها".
وأنهى متوجّهًا إلى طلّاب اللّاهوت: "كونوا كما عهدتكم الكنيسة، وحافظوا على إرث آبائكم وأجدادكم، وتمسّكوا بإيمانكم مهما قست الظّروف".
وفي الختام، أنشدت جوقة البلمند باقة من التّراتيل القياميّة قبل أن يمنح البطريرك إيريناوس بركته الأبويّة لجميع الحاضرين.