هذا ما طلبه البابا من المشاركين في قمّة باريس!
هذا الطّلب وجّهه البابا فرنسيس إلى المشاركين في القمّة الّتي عُقدت في باريس في 10 و11 من الجاري، للعمل حول الذّكاء الاصطناعيّ، في رسالة كتبها إلى رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة إيمانويل ماكرون، جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":
"خلال لقائنا في بوليا، في سياق مجموعة الدّول السّبع، أتيحت لي الفرصة للتّأكيد على الحاجة الملحّة إلى "ضمان وحماية فسحة كبيرة من الرّقابة البشريّة على عمليّة اختيار برامج الذّكاء الاصطناعيّ". ورأيت أنّه من دون هذه الآليّات، يمكن للذّكاء الاصطناعيّ، على الرّغم من أنّه أداة جديدة "رائعة"، أن يظهر جانبه "المخيف"، ويصبح تهديدًا للكرامة البشريّة.
لذلك أرحّب بالجهود الّتي يتمُّ بذلها، بشجاعة وتصميم، للشّروع في مسيرة سياسيّة لحماية البشريّة من استخدام للذّكاء الاصطناعيّ "يحدُّ رؤية العالم في حقائق يتمُّ التّعبير عنها بالأرقام ويحصرها في فئات مسبقة ويزيل مساهمة أشكال أخرى من الحقيقة ويفرض نماذج أنثروبولوجيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وثقافيّة موحّدة"؛ وبالتّالي أردتم، في قمّة باريس، أن تشركوا أكبر عدد ممكن من الفاعلين والخبراء في عمليّة تفكير تهدف إلى الخروج بنتائج ملموسة.
لقد أردتُ في رسالتي العامّة الأخيرة "Dilexit nos" أن أميّز بين فئة الخوارزميّات وفئة "القلب"، المفهوم الأساسيّ الّذي دافع عنه الفيلسوف والعالم الكبير بليز باسكال الّذي كرّست له رسالة رسوليّة في الذّكرى المئويّة الرّابعة لولادته، وذلك للتّأكيد على أنّه في حين يمكن للخوارزميّات أن تُستخدم لخداع الإنسان، فإنّ "القلب"، كمقرّ لأكثر المشاعر حميميّة والحقيقيّة، لا يمكنه أبدًا أن يخدعه.
إلى جميع الّذين يشاركون في قمّة باريس، أطلب منكم ألّا تنسوا أنّ معنى وجود الإنسان ينبع من "قلب" الإنسان فقط. أطلب منكم أن تقبلوا المبدأ الّذي عبّر عنه بأناقة فيلسوف فرنسيّ عظيم آخر هو جاك ماريتان: "الحبّ يساوي أكثر من الذّكاء". إنّ جهودكم، أيّها المشاركون الأعزّاء، هي مثال ساطع لسياسة سليمة تسعى إلى إدماج الابتكارات التّكنولوجيّة في مشروع يهدف إلى الخير العامّ، "لفتح الطّريق أمام فرص مختلفة لا تعني مقاطعة إبداع الإنسان وحلمه بالتّقدّم، بل توجيه هذه الطّاقة بطرق جديدة".
أنا مقتنع بأنّ الذّكاء الاصطناعيّ يمكنه أن يصبح أداة قويّة للعلماء والخبراء الّذين يعملون معًا لإيجاد حلول مبتكرة وخلّاقة لصالح الاستدامة البيئيّة لكوكبنا. بدون أن نتجاهل حقيقة أنّ استهلاك الطّاقة المرتبط بتشغيل البنى التّحتيّة للذّكاء الاصطناعيّ هو في حدّ ذاته كثيف الاستهلاك للطّاقة. وقد سبق لي في رسالتي بمناسبة اليوم العالميّ للسّلام لعام ٢٠٢٤ المخصّص للذّكاء الاصطناعيّ، أن شدّدت على أنّه "في المناقشات حول تنظيم الذّكاء الاصطناعيّ، ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار أصوات جميع الأطراف المعنيّّة، بما في ذلك الفقراء والمهمّشين وغيرهم من الّذين يتمُّ تجاهلهم في كثير من الأحيان في عمليّات صنع القرار العالميّ.
وإنطلاقًا من ذلك، آمل أن تمضي قمّة باريس قدمًا لكي يتمّ خلق منصّة للمصلحة العامّة حول الذّكاء الاصطناعيّ، ولكي تجد كلّ دولة في الذّكاء الاصطناعيّ أداة للتّنمية ومكافحة الفقر من جهة، ولحماية الثّقافات واللّغات المحلّيّة من جهة أخرى. وبهذه الطّريقة فقط ستتمكّن جميع شعوب العالم من المساهمة في خلق البيانات الّتي سيستخدمها الذّكاء الاصطناعيّ والّتي ستمثّل التّنوّع والغنى الحقيقيَّين اللّذين يميّزان البشريّة جمعاء.
هذا العام، عملت دائرة عقيدة الإيمان ودائرة الثّقافة والتّربية معًا على إعداد مذكّرة حول "الذّكاء الاصطناعيّ والذّكاء البشريّ". تتناول هذه الوثيقة، الّتي نُشرت في ٢٨ كانون الثّاني يناير، عددًا من القضايا المحدّدة المتعلّقة بالذّكاء الاصطناعيّ الّتي تعالجها القمّة الحاليّة، بالإضافة إلى بعض القضايا الأخرى الّتي تهمّني بشكل خاصّ. وآمل أن تتناول أعمال مؤتمرات القمّة المقبلة، الّتي ينبغي أن تتبع هذه القمّة، بمزيد من التّفصيل التّأثيرات الاجتماعيّة للذّكاء الاصطناعيّ على العلاقات الإنسانيّة والمعلومات والتّعليم. ومع ذلك، يبقى السّؤال الأساسيّ وسيبقى دائمًا أنثروبولوجيًّا، أيّ ما إذا كان الإنسان، كإنسان في سياق التّقدّم التّكنولوجيّ، سيصبح حقًّا أفضل، أيّ أكثر نضجًا روحيًّا، وأكثر وعيًا بكرامة إنسانيّته. أكثر مسؤوليّة، وأكثر انفتاحًا على الآخرين، ولاسيّما الأكثر عوزًا والأكثر ضعفًا.
إنّ التّحدّي النّهائيّ الّذي يواجهنا هو الإنسان وسيبقى الإنسان على الدّوام؛ لا ننسينَّ ذلك أبدًا. شكرًا لكم، سيّدي الرّئيس، وشكرًا لكم جميعًا أنتم الّذين عملتم خلال هذه القمّة."