الفاتيكان
22 كانون الثاني 2025, 10:30

هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس جمعيّة الرّسالة للقدّيس منصور دي بول!

تيلي لوميار/ نورسات
في الذّكرى المئويّة الرّابعة لجمعيّة الرّسالة للقدّيس منصور دي بول، كتب البابا فرنسيس رسالة إلى رئيسها العامّ الأب تومـاش مافريتش، دعا في سطورها الكهنة الإخوة فيها إلى مواصلة "صياغة حياتهم وعملهم وفق الدّعوة إلى التّواضع والغيرة الرّسوليّة الّتي وجّهها القدّيس منصور دي بول إلى الأعضاء الأوائل في الجمعيّة".

وفي تفاصيل الرّسالة، كتب البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "بينما تستعدّ جمعيّة الرّسالة لإحياء الذّكرى المئويّة الرّابعة لتأسيسها، أتقدّم بأطيب التّمنّيات لكم وللكهنة والإخوة في الجمعيّة ولكافّة أعضاء عائلة القدّيس منصور الكبيرة. أصلّي لكي تكون هذه الذّكرى المهمّة مناسبة فرح عظيم وأمانة متجدّدة لفهم التّلمذة الرّسوليّة، المبنيّة على الاقتداء بمحبّة المسيح التّفضيليّة للفقراء.

إنّ بدايات جمعيّتكم متجذّرة في الخبرة الشّخصيّة العميقة للقدّيس منصور دي بول، في "نار الحبّ" الّتي كانت تتّقد في قلب ابن الله المتجسّد، والّتي حملته لكي يتماهى مع الفقراء والمهمّشين. وإذ أحزنه نقص الرّعاية الرّعويّة في الرّيف الفرنسيّ، قرّر القدّيس منصور في بداية عام ١٦١٧ أن ينظّم بعثات تهدف إلى تقديم تعليم مسيحيّ أساسيّ وتشجيع العودة إلى الأسرار المقدّسة. حلم تحقّق بعد حوالي ثماني سنوات، مع تأسيس جمعيّة الرّسالة في ١٧ نيسان أبريل ١٦٢٥. في السّنوات السّبع الأولى من تأسيسها، قام الكهنة والإخوة في الجمعيّة بـ١٤٠ بعثة. وبين عامي ١٦٣٢ و١٦٦٠، نظّم المرسلون في البيت الأمّ بباريس ٥٥٠ بعثة أخرى. وابتداءً من عام ١٦٣٥، ومع ولادة جماعات خارج باريس، أُطلقت مئات البعثات الأخرى. هذا التّوسّع الكبير يشهد على الخصوبة الرّهبانيّة والإرساليّة لغيرة القدّيس منصور الكهنوتيّة وعطشه لتحويل القلوب والعقول إلى المسيح.

في عمله للتّوعية تجاه الفقراء، أدرك القدّيس منصور دي بول على الفور أنّه على أعمال المحبّة أن تكون منظّمة بشكل جيّد. وكانت النّساء أوّل من قبل هذا التّحدّي. ففي عام ١٦١٧، أسّس في رعيّة شاتيون أولى "أخويّات المحبّة"، الّتي تستمرّ اليوم باسم الجمعيّة الدّوليّة للأعمال الخيريّة أو تطوّع القدّيس منصور دي بول. وفي عام ١٦٣٣، بالتّعاون مع القدّيسة لويزا دي مارياك، أسّس شكلًا ثوريًّا من الجماعات النّسائيّة، "بنات المحبّة". وحتّى ذلك الوقت، كانت الرّاهبات يعشن في الأديرة؛ أمّا بنات المحبّة، فقد أُرسلن إلى شوارع باريس لخدمة المرضى والفقراء. وأثمرت هذه الحداثة عن انتشار كبير للجماعات الرّهبانيّة النّسائيّة المكرّسة للأعمال الرّسوليّة في القرون اللّاحقة.

إنطلاقًا من عام ١٦٢٨، واستجابةً لنداء أسقف بوفيه، بدأت جمعيّة الرّسالة في تكريس جهودها لتنشئة الإكليروس. ونمى هذا العمل، الّذي كان ضروريًّا لإصلاح وتجديد الكنيسة في فرنسا في القرن السّابع عشر، وازدهر. وعند وفاة القدّيس منصور دي بول، كان قد تمّ تأسيس عشرين إكليريكيّة وشارك ١٢ ألف شابّ في رياضات روحيّة استعدادًا للسّيامة الكهنوتيّة. وكان القدّيس منصور مقتنعًا بأهمّيّة هذه "الخدمة الرّفيعة والعظيمة"، الّتي أصبحت علامة مميّزة للجمعيّة. ويُذكر في القوانين أنّ هذا العمل، لطبيعة الجمعيّة، يجب أن يتمّ "بالتّساوي" مع مهمّة الوعظ في الرّسالات. لذلك وفي هذه الذّكرى، من المناسب أن نتأمّل حول الإرث الرّوحيّ والغيرة الرّسوليّة والعناية الرّعويّة، جميع هذه الأمور الّتي نقلها القدّيس منصور دي بول إلى الكنيسة الجامعة. إنّ قائمة الّذين تأثّروا بروحانيّة القدّيس منصور دي بول وعاشوها ببطولة عبر السّنين طويلة وتشمل جميع القارّات. لنفكّر في القدّيس جان غبريال بيربوار، القدّيس جان فرانسوا ريجيس كليه، القدّيس جوستينو دي جاكوبيس، القدّيسة لويزا دي مارياك، القدّيسة جيوفانا أنطيدا توريه، القدّيسة كاترين لابوريه، القدّيسة إليزابيتا آنا سيتون، الطّوباويّ فريدريك أوزانام، والعديد غيرهم، بمن فيهم يان هافليك، الّذي تمّ تطويبه في ٣١ آب أغسطس ٢٠٢٤ في سلوفاكيا. واليوم أيضًا، وعلى خطى القدّيس منصور، تواصل عائلته إطلاق أعمال المحبّة، والشّروع في رسالات جديدة، والمساهمة في تنشئة الإكليروس والعلمانيّين. تضمّ عائلة القدّيس منصور دي بول اليوم أكثر من ١٠٠ فرع من الكهنة والإخوة والأخوات والعلمانيّين. وقد أصبحت جمعيّة القدّيس منصور دي بول، الّتي أسّسها الطّوباويّ فريدريك أوزانام عام ١٨٣٣، قوّة هائلة للخير في خدمة الفقراء، مع مئات الآلاف من الأعضاء حول العالم.

تشهد جمعيّة الرّسالة حاليًّا علامات نموّ جديدة. فقد استجابت المقاطعات الأحدث، لاسيّما في آسيا وإفريقيا، حيث تزدهر الدّعوات، لنداء بدء رسالات في بلدان أخرى. وتواصل الجمعيّة أيضًا إطلاق مبادرات جديدة وإبداعيّة بين المحتاجين. أفكّر في "تحالف عائلة القدّيس منصور دي بول مع الأشخاص المشرّدين"، وهي مبادرة دوليّة تهدف إلى توفير مساكن ميسورة التّكلفة للمشرّدين، تستلهم من مثال القدّيس منصور دي بول، الّذي بدأ عمله معهم في عام ١٦٤٣ ببناء ثلاثة عشر منزلًا للفقراء في باريس. وتسعى هذه المبادرة إلى التّوسّع في البلدان الّتي يتواجد فيها أبناء القدّيس منصور دي بول ببناء منازل إضافيّة، متجاوزة بذلك الهدف الأوّليّ لاستقبال ١٠ آلاف شخص.

بعد أربعة قرون من تأسيس جمعيّة الرّسالة، لا شكّ أنّ موهبة القدّيس منصور دي بول لا تزال تُغني الكنيسة من خلال الرّسالات والأعمال الصّالحة الّتي تقوم بها عائلة القدّيس منصور دي بول بأسرها. آمل أن تسلّط احتفالات الذّكرى المئويّة الرّابعة الضّوء على أهمّيّة رؤية القدّيس منصور لخدمة المسيح في الفقراء من أجل تجديد الكنيسة في عصرنا، من خلال اتّباع المسيح في الرّسالة ومساعدة المحتاجين والمتروكين في العديد من ضواحي عالمنا وعلى هامش ثقافة سطحيّة. أنا مقتنع بأنّ مثال القدّيس منصور يمكنه أن يلهم بشكل خاصّ الشّباب، الّذين، بحماسهم وسخائهم وحرصهم على بناء عالم أفضل، يدعون لكي يكونوا شهودًا جريئين وشجعانًا للإنجيل بين أقرانهم وأينما وُجدوا.

بمودّة كبيرة، أؤكّد للكهنة والإخوة في جمعيّة الرّسالة قربي الخاصّ منهم في الصّلاة خلال سنة اليوبيل. أصلّي لكي، وإذ يستلهمون من مؤسّسهم، يواصلون صياغة حياتهم وعملهم وفق الدّعوة إلى التّواضع والغيرة الرّسوليّة الّتي وجّهها القدّيس منصور دي بول إلى الأعضاء الأوائل في الجمعيّة: "تشجّعوا إذن، أيّها الإخوة، لنكرّس أنفسنا بمحبّة متجدّدة لخدمة الفقراء، لا بل لنبحث عن الأشدَّ فقرًا وتهميشًا. ولنعترف أمام الله أنّهم أسيادنا وسادتنا، وأنّنا غير مستحقّين لتقديم خدماتنا المتواضعة لهم". أوكل جميع أعضاء عائلة القدّيس منصور دي بول إلى شفاعة مريم العذراء، أمّ الكنيسة، وأمنحهم بركتي الرّسوليّة عربونًا للسّلام والفرح في الرّبّ. وأسألكم، من فضلكم، أن تذكروني أيضًا في صلواتكم."