هذا ما تمنّاه بيتسابالا للعام الجديد!
وفي هذا السّياق، قال بيتسابالا بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين: "وصلنا اليوم إلى بداية السّنة الجديدة، وفي قلوبنا تراكمت خلال السّنة الماضية مشاعر وأفكار مختلفة. أشير إلى التّعب وعدم الاستقرار الّذي سبّبته لنا الجائحة، فجعلت العام الدّراسيّ عامًا صعبًا على الطّلّاب، ومن ثمّ على العائلات أيضًا، وخلقت مشاكل عديدة في عالم العمل وفي مجالات أخرى. أفكّر أيضًا في وضعنا السّياسيّ، المتبدِّل، وغير المتبدِّل في الوقت نفسه، حيث لا تُرَى حلول حقيقيّة ومستقرّة للمشاكل القائمة. والدليل على ذلك حرب أخرى على غزّة، تركت الأمور كما كانت تمامًا، لكن مع مزيد من العنف.
ومع ذلك، يجب أن نعترف بأنّنا شهدنا أيضًا تضامنًا كثيرًا من العالم وفي ما بيننا. على الرّغم من الصّعوبات، استطعنا أن ننهي السّنة الدّراسيّة، واستطعنا أن ننظّم الحدّ الأدنى من النّشاط الرّعويّ. بإختصار، في الظّروف الصّعبة الّتي عشناها، اختبرنا أيضًا تقاربًا وحيويّة. وإختبرنا لحظة كنسيّة جميلة في مزار دير رافات، مع افتتاح السّينودس الّذي أراده البابا فرنسيس، الّذي زار أيضًا كنيستنا في قبرص وترك لنا توجيهات ثمينة لحياتنا الكنسيّة. كلّ هذا كان لنا أيضًا سبّب تفاؤلاً وتشجيعًا.
سبق وعبّرت، في عظة عيد الميلاد، عن أفكاري في الحياة المدنيّة في أبرشيّتنا. إسمحوا لي اليوم أن أوجّه نظري إلى كنيستنا وأبرشيّتنا البطريركيّة اللّاتينيّة، أبرشيّة القدس، وأن أقول كلمة وأنا أنظر إلى العام الّذي يبدأ، أكثر من نظري إلى العام الّذي ينتهي. ولنسأل سيّدة مريم العذراء الفائقة القداسة، الّتي نحتفل اليوم بأمومتها الإلهيّة، أن تساعدنا لتكون نظرتنا مليئة بالحياة.
أتمنّى أن تكون سنة 2022 سنة انتعاش جديد في حياة الكنيسة. بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار بسبب الوباء الّذي أوقف العديد من مبادراتنا، أودّ أن تُستَأنف أنشطتنا دون خوف، ولْنبدأْ مرّة أخرى بالتّخطيط ليس لإنشاء الكثير من القاعات الرّعويّة الجديدة أو ترميم الكنائس أو المراكز المجتمعيّة، لكن لمبادرات بشارة وإعلان ومشاركة وحياة مجتمعيّة. قبل كلّ شيء، أودّ لو جدَّدْنا فنّ التّعليم المسيحيّ والتّكوين الرّوحيّ، وطوَّرنا علاقة ألفة أكبر مع كلمة الله. نحن نعيش في الأرض المقدّسة، الّتي تضمّ أقدس الأماكن في العالم، لكنّنا لا نعرفها دائمًا جيّدًا. في هذه الفترة الّتي لا يستطيع أن يأتي فيها الحجّاج، يمكن أن ننظّم رحلات لنلتقي مع "إنسانيّة" يسوع، في أرضنا المقدّسة، وفي أماكننا المقدّسة، لنعيش خبرات إيمانيّة جميلة وعميقة. لست متأكّدًا هل يعرف جميع مؤمنينا الأماكن المقدّسة معرفة جيّدة، وهل قاموا مرّة واحدة بالحجّ في أرضهم المقدّسة. كثير من الحجّاج عادوا إلى بلادهم وقد تبدّلوا، وقويّ إيمانهم. لماذا لا نقدر نحن أيضًا أن نعيش هذه الخبرة نفسها؟
أعتقد في الواقع أنّ كلّ لحظة في حياتنا هي "كايروس"، أيّ إنّها لحظة خاصّة منحتها إيّانا العناية الإلهيّة. فلا نظَلَّ نشتكي، ولا ننغلِقْ في الصّعاب الّتي نواجهها. أشعر أنّني يجب القول إنّنا في كثير من الأحيان سلبيّون في كلّ شيء. بينما اللّقاء مع الله، رغم الصّعوبات، يفتحنا على الحياة والفرح. صحيح أنّنا تعبنا من وضع العالم، والكنيسة أيضًا، أحيانًا، وقد أرهقتنا مشاكل الأرض المقدّسة والمنطقة كلّها. لكن هذا الزّمن، على الرّغم من كلّ شيء، يدعونا إلى تجاوز كلّ العقبات، وإلى السّير بخطى سريعة نحو الّذي ينتظرنا على الطّريق، ويقودنا إلى الحياة. يجب أن نتغلّب على القلق بسبب عددنا، وعلى الرّغبة في رؤية نتائج أفعالنا ومبادراتنا على الفور: يجب أن نتحلّى بثقة المزارع وصبره.
نحن في المسيرة السّينوديّة الّتي أرادها البابا فرنسيس، وربّما لم يفهمها الجميع، لكن فيها طاقة يمكن أن تجعل الكنيسة مكانًا لاستئناف المسيرة بقوّة للقاء الرّبّ.
تركّز المسيرة السّينوديّة على الإصغاء. أعتقد أنّنا بحاجة إلى أن نتعلّم المزيد من الإصغاء، بعضنا إلى بعض. الإصغاء هو أكثر من السّمع. إنّه يعني إفساح المجال لحياة الآخر داخل ذاتي، ومحاولة أن أضع نفسي مكانه. الإصغاء طريقة وجود، هو موقف، وطريقة حياة. آمل أن يعلّمنا هذا السّينودس الصّغير على الأقلّ أن نصغي بعضنا إلى بعض، ونصغي إلى الكتاب المقدّس، ونصغي إلى الرّوح الّذي قبلناه والّذي لا يكُفُّ عن أن يكلّمنا. نحن مدعوّون، خاصّة، إلى الخروج من أُطُرنا المعتادة، إلى الإصغاء إلى الّذين لا نصغي إليهم عادة: النّساء، والمهمّشين، والمسيحيّين الّذين ابتعدوا عنّا.... والشّباب! علينا واجب خاصّ للإصغاء إلى الأجيال الجديدة، هم أيضًا لهم أحلامهم الّتي يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة. يمكن أن تدلّنا هذه الأحلام على طرق جديدة يجب الدّخول فيها، ويمكن أن تقودنا إلى المسيح، وإلى الآخرين، وإلى العالم من حولنا.
نحن مدعوّون هذه السّنة إلى تقوية أواصر الشّركة بيننا. لا إلى تكوين مجموعات مغلقة للتّحالف ضدّ شخص آخر. نتكلّم كثيرًا على الاتّحاد بيننا، بين كنائسنا، وكأنّها ضرورة لمواجهة الصّعوبات الخارجيّة أو أعداء محتملين... هذه رؤية غير كافية. الشّركة هي إدراك أنّنا ننتمي إلى أمر واحد، هي عطيّة قبلناها، وفيها كلّ واحد هو جزء من الآخر، والآخر جزء منّي. كلّ هذا نابع من خبرة اللّقاء مع يسوع. اللّقاء مع يسوع هو الّذي يمنحنا الإدراك بأنّنا جماعة، بأنّنا مستعدّون للآخرين وفي حالة إصغاء متبادل. والشّركة في ما بيننا تمنحنا الثّقة اللّازمة لننفتح على إخوتنا وأخواتنا المسيحيّين غير الكاثوليك، وأيضًا على المسلمين واليهود.
أودّ أن أضيف أنّنا مدعوّون أيضًا إلى المشاركة بنشاط ليس فقط في حياة الكنيسة، كلّ واحد بحسب مواهبه ودعوته، لكن أيضًا في حياة مجتمعنا. نفسّر الإنجيل أحيانًا، وأسمع مرارًا في حديثنا أنّنا نريد أن نكون "ملحًا ونورًا". ولكن، بنفس تفسير الإنجيل، يجب أن نضيف دائمًا أن الملح لا فائدة منه إذا تمّ حفظه في خزاناتنا الجميلة وأنّ الضّوء يجب أن يوضع فوق المكيال (راجع متّى 5: 14-١٥). كم يحتاج مجتمعنا في فلسطين وإسرائيل والأردنّ وقبرص إلى ملح ونور، إلى أشخاص يعرفون أن يقدّموا مساهمة إيجابيّة، في عالم الثّقافة والتّضامن والسّياسة!
في هذا العام، وبطاقة متجدِّدة، نحن مدعوّون لأن نُرسَلَ كجزء من رسالة الكنيسة إلى العالم. هذه الرّسالة هي إعلان "الخبر السّارّ". معًا، متّحدين في الشّركة وفي مشاركتنا في حياة الكنيسة وفي بناء الملكوت، نريد أن نختبر أمانة الله ووعده بأنّ الخير سينتصر على الشّرّ. نحن المسيحيّين في الأرض المقدّسة مدعوّون إلى أن نكون حاملين للبشرى السّارّة ووعد الله، لا لنكون أنبياء دمار.
أسمع أحيانًا البعض يقول إنّنا نحن المسيحيّين نريد "حماية"، نريد حماية من الصّعوبات الكثيرة ومن الاعتداءات الممكنة، ونريد أن تكون لنا مساحاتنا الخاصّة، لنا فقط... لا يمكنني أن أقبل هذا الموقف. نحن لا نريد أن نكون محميّين، فنوضع تحت قبة زجاجيّة عازلة، بل نريد أن نكون جزءًا لا يتجزّأ من الحياة المدنيّة والدّينيّة في مجتمعنا. فنحن لم نوجد هنا عن طريق الصّدفة، بل بتدبير من العناية الإلهيّة، لذلك نريد أن نكون هنا والآن جزءًا لا يتجزّأ وبنّاء من الحياة المدنيّة. وفي المجتمع، نريد أن نكون حاملين للبشرى السّارّة بطريقة حياتنا، ونعرف أن نقدّم نماذج حياة وعلاقات مختلفة، بدل ما يوجد في عالمنا المتألّم، علاقات ترتكز على المساواة والمصالحة والاحترام المتبادل والحبّ!
آمل حقًّا أن نلتزم جدّيًّا بهذه المسيرة السّينوديّة، وأن نبدأ هذه السّنة بثقة وشكر للعناية الإلهيّة، الّتي لا تكفّ أبدًا عن مساعدتنا، وتدعونا إلى إلقاء نظرة شاكرة ومطمئنة بسبب الخلاص الّذي قبلناه.
نطلب شفاعة والدة الإله، ونظرتها الوالديّة إلى كنيستنا في الأرض المقدّسة. هي الّتي ولدت ابن الله هنا، نسألها أن تمنح النّور لعائلاتنا وجماعاتنا الرّهبانيّة وكنيسة القدس بكاملها.
سنة جديدة مباركة للجميع. وكلّ عام وأنتم بخير."