هذا ما أوصى به البابا أعضاء جمعيّة فرسان القبر المقدّس!
وقال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "من الجميل، في سنة اليوبيل هذه، أن ألتقي بكم جميعًا، أنتم الفرسان والسّيّدات المنتمين إلى جمعيّة فرسان القبر المقدّس في القدس. لقد جئتم إلى روما من مختلف أنحاء العالم، وهذا يذكّرنا بأنّ ممارسة الحجّ كانت في الأصل جزءًا من هويّتكم التّاريخيّة. لقد نشأتم من أجل حراسة القبر المقدّس، والاهتمام بالحجّاج، ودعم كنيسة أورشليم. وما زلتم حتّى اليوم تقومون بهذا العمل بروح التّواضع والتّفاني والتّضحية الّتي تميّز جمعيّات الفرسان، ولاسيّما من خلال "شهادة دائمة للإيمان والتّضامن مع المسيحيّين المقيمين في الأراضي المقدّسة". وأفكّر هنا في المساعدة الكبيرة الّتي تقدّمونها- بهدوء وبدون ترويج إعلاميّ- إلى جماعات الأرض المقدّسة، من خلال دعمكم لبطريركيّة القدس للّاتين في مختلف نشاطاتها: الإكليريكيّة، والمدارس، والأعمال الخيريّة والاجتماعيّة، والمشاريع الإنسانيّة والتّربويّة، والجامعة، ومساعدة الكنائس، مع مبادرات خاصّة في أوقات الأزمات الكبرى، كما حدث خلال جائحة كورونا وفي الأيّام المأساويّة للحرب. وفي هذا كلّه، أنتم تُظهرون أنّ حراسة قبر للمسيح لا تعني مجرّد الحفاظ على تراث أثريّ أو فنّيّ- على الرّغم من أهمّيّته- بل دعم كنيسةٍ مكوَّنة من حجارة حيّة، وُلدت حول هذا القبر وما زالت تعيش حتّى اليوم كعلامة حقيقيّة للرّجاء الفصحيّ. ولهذا السّبب، وفي يوبيل الرّجاء، أودّ أن أتأمّل معكم في هذا المعنى من خلال ثلاث أبعاد.
أوّلًا: بُعد الانتظار المفعم بالثّقة. إنّ الوقوف عند قبر الرّبّ يعني تجديد الإيمان بالله الّذي يحافظ على وعوده، والّذي لا تستطيع أيّة قوّة بشريّة أن تغلبه. في عالمٍ يبدو فيه أنّ العنف والاستبداد يسودان على المحبّة، أنتم مدعوّون لكي تشهدوا بأنّ الحياة تغلب الموت، والحبّ يغلب الكراهيّة، والغفران يغلب الانتقام، والرّحمة والنّعمة تغلبان الخطيئة. ليكن حضوركم في الأراضي المقدّسة أوّلًا حصن إيمان، يساعد نساء ورجال زماننا على أن يقفوا بقلوبهم عند قبر المسيح، حيث يجد الألم جوابه في الثّقة، وحيث لا يزال يدوّي في أذن من يصغي النّداء القائل: "لا تخافا أَنتُما. أَنا أَعلَمُ أَنَّكُما تَطلُبانِ يسوعَ المَصْلوب. إِنَّه ليسَ هَهُنا، فقَد قامَ كما قال". ويمكنكم أن تحقّقوا ذلك من خلال تغذية قلوبكم بواسطة حياةٍ أسراريّةٍ عميقة، والإصغاء والتّأمّل في كلمة الله، والصّلاة الشّخصيّة واللّيتورجيّة، والتّنشئة الرّوحيّة الّتي تعتني بها الجمعيّة بعناية خاصّة.
يمكننا أن نرى بُعد الرّجاء الثّاني الّذي أرغب في التّوقّف عنده متجسّدًا في أيقونة النّساء اللّواتي توجّهن إلى القبر ليطيّبنّ جسد يسوع. إنّه وجه الخدمة الّذي لا تعوقه حتّى وفاة المعلّم، إذ واصلت مريم المجدليّة ومريم أمّ يعقوب وسالومة العناية به. لقد عبّرتُ لكم سابقًا عن امتناني لكلّ الخير الّذي تقومون به، امتدادًا لتقليد المساعدة العريق الّذي يميّزكم. كم من مرّة، بفضل عملكم الصّامت، انفتح شعاعُ نورٍ جديد لأشخاصٍ وعائلاتٍ وجماعاتٍ مهدَّدة بالمآسي على مختلف المستويات، ولاسيّما في الأماكن الّتي عاش فيها يسوع! إنّ محبّتكم تعضدهم، إذ ترون في احتياجاتهم "علامات الأزمنة" الّتي دعانا البابا فرنسيس إلى تبنّيها وتحويلها إلى "علامات رجاء".
ولكن هناك بعد ثالث للرّجاء أرغب في أن أتوقّف عنده ذلك الّذي يحملنا إلى النّظر إلى الغاية. والصّورة الّتي يمكننا أن نتذكّرها هي صورة بطرس ويوحنّا اللّذين يركضان نحو القبر. في صباح القيامة، بعد سماعهما شهادة النّساء، انطلقا مسرعين نحو القبر الفارغ، ليجدّدا إيمانهما بالمسيح في نور القيامة. ويستخدم القدّيس بولس الصّورة نفسها عندما يتحدّث عن حياته كسباقٍ في الميدان، له هدف محدّد، هو لقاء الرّبّ. وهذا ما يعبّر عنه فعل الحجّ، رمز البحث عن المعنى النّهائيّ للحياة. أنتم أيضًا قمتم بهذه المسيرة، وأدعوكم لكي تعيشوا وجودكم هنا لا كنقطة وصول، بل كمحطّة انطلاق جديدة لتتابعوا المسيرة نحو الهدف الوحيد والحقيقيّ والنّهائيّ: الاتّحاد الكامل والأبديّ بالله في الفردوس. ولتكن هذه المسيرة شهادةً أيضًا لإخوتكم وأخواتكم الّذين ستلتقون بهم، دعوةً إلى عيش أمور هذا العالم بحرّيّةٍ وفرح، كما يفعل من يعرف أنّه في طريقه نحو الأفق اللّامتناهي للأبديّة.
أيّها الأعزّاء، إن الكنيسة تكلّفكم اليوم مجدّدًا مهمّة حراسة قبر المسيح. كونوا كذلك، بثقة الانتظار، وبغيرة المحبّة، وبحماس الرّجاء الفرح. وكما قال القدّيس أوغسطينوس للمسيحيّين في زمنه: "تقدَّم، تقدَّم في عمل الخير… لا تخرج عن الطّريق، لا تلتفت إلى الوراء، ولا تتوقّف!". أبارككم من كلّ قلبي، وأصلّي من أجلكم جميعًا."