لبنان
19 شباط 2025, 12:50

نفّاع في اليوم العالميّ للمريض: لنحوّل الألم إلى فرصة للرّحمة

تيلي لوميار/ نورسات
أحيت كنيسة مار يوحنّا المعمدان- زغرتا اليوم العالميّ الثّالث والثّلاثين للمريض، في قدّاس إلهيّ دعت إليها لجنة راعويّة الصّحّة في نيابة إهدن- زغرتا، ترأّسه المطران جوزيف نفّاع، وشارَك فيه المونسنيور إسطفان فرنجيه، الخوري حنّا عبّود وعدد من كهنة الرّعيّة والشّمامسة. وخدمته جوقة رعيّة إهدن- زغرتا، وبحضور جمع من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران نفّاع عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "نحتفل اليوم معًا باليوم العالميّ للمريض، والّذي يصادف في الحادي عشر من هذا الشّهر، لكنّنا أحببنا أن نحييه مجددًا في رعيّتنا. والإنجيل الّذي سمعناه اليوم مناسب جدًّا لهذه المناسبة. قد تقولون: "لأنّه يتحدّث عن يسوع الّذي قال: كنت مريضًا فزرتموني". لكنّني أريد أن أذهب أبعد من ذلك.

أتخيّل الّذين كانوا جالسين مع يسوع وهم يسمعونه، ربّما نظر بعضهم إلى بعض متسائلين: "ما هذا الكلام؟" لاحظوا أنّ يسوع في كلّ ما قاله ذكر الفئات الأكثر ضعفًا: المريض، السّجين، الضّائع، لو كنت هناك، ربّما كنت سأسأله: "وأنت، أما مرِضت يومًا؟" ولكن يسوع لم يكن بحاجة إلى أن يجيبني، لأنّ هذا هو واقع الحياة.

حياتنا كلّّها ليست خالية من الألم. نحن جميعًا نرغب في العيش براحة ونسعى إليها، وهذا أمر طبيعيّ. لكن الحقيقة أنّ الحياة قاسية أحيانًا. منذ بداية الخليقة، في سفر التّكوين، قال الله لآدم: "بعرق جبينك تأكل خبزك"، أيّ أنّ كلّ شيء في الحياة يتطلّب جهدًا وتعبًا. لذلك، عندما نتحدّث عن المرض، لا يجب أن نحصره فقط في من يعاني من وعكة صحّيّة أو نزلة برد. الحقيقة أنّ كلّ واحد منّا يحمل أوجاعه الخاصّة. هذا اليوم يخصّنا جميعًا، لأنّ يسوع اليوم يدعونا لأن نزور بعضنا البعض، لا فقط في المرض الجسديّ، بل في أيّ وجع يمرّ به الإنسان.

المرض الحقيقيّ هو الشّعور بالوحدة. أن يُوضع الإنسان في قصر مغلق دون أحد حوله، فيجد نفسه في أسوأ سجن ممكن. بينما لو كان في كوخ بسيط لكنّه محاط بمن يحبّونه، فإنّه سيشعر بأنّ الحياة أجمل وأخفّ وطأة. فلنكن اليوم لبعضنا البعض سندًا ودعمًا، لأنّنا جميعًا بحاجة إلى أن نشعر بأنّنا لسنا وحدنا في هذه الحياة.

هل للألم في هذه الحياة حدود؟ وهل يفرّق بين من يملك ومن لا يملك؟ هذه الأسئلة تدفعنا إلى التّفكير بعمق في مسؤوليّتنا تجاه رعاية المرضى، إذ لا يمكننا أن نستمرّ في الانغلاق على أنفسنا، بل علينا أن نتوقّف عن وضع الحواجز بين بعضنا البعض، لاسيّما في أوقات المرض. عندما يواجه الإنسان المرض، يحتاج إلى العناية الحقيقيّة، وليس إلى مزيد من الانقسامات. إنّ من أهمّ ما يجب أن ندركه اليوم هو أنّنا، حتّى داخل العائلة الواحدة أو القرية الواحدة، ما زلنا نعيش في خلافات مستمرّة، فنحكم على بعضنا البعض وننتقد الآخرين، بدلًا من أن نكون قلبًا واحدًا. لكن عندما نرى الآخر يتألّم، نشعر بالألم ذاته، وعوضًا عن أن نمدّ له يد العون، نتراجع. من هنا، يجب أن نعترف بأنّ هذا الواقع يجعلنا جميعًا مرضى على مستوى أعمق، إذ نصبح أسرى للانقسامات والأنانيّة. لذلك، علينا ألّا نقبل بهذا الواقع، بل أن نبدأ بخطوات عمليّة نحو التّغيير. إنّ تأسيس مكتب خاصّ لرعويّة المرضى لم يكن خيارًا عشوائيًّا، بل قرارًا مبنيًّا على أسس علميّة، لأنّ العلم، في جوهره، هو نور من الله، وكلّ معرفة حقيقيّة هي عطيّة إلهيّة.

في هذا السّياق، لا يسعنا إلّا أن نتوجّه بالشّكر العميق لجامعة القدّيس يوسف والرّهبان اليسوعيّين، الّذين يحملون رسالة واضحة في نشر الحقّ وإرشاد النّاس إلى الطّريق القويم. كما نشكر المعهد العالي للعلوم الدّينيّة الّذي، برؤية نبويّة، قرّر تأسيس فريق خاصّ لمرافقة المرضى، لأنّ المريض لا يحتاج فقط إلى العلاج الجسديّ، بل إلى مرافقة روحيّة وإنسانيّة خاصّة. بفضل هذه الجهود، أصبح لدينا اليوم خمسة عشر شخصًا تلقّوا التّدريب اللّازم، وهم يشكّلون نواة الجيش الصّغير الّذي يحمل روحًا جديدة، سواء في المستشفى من خلال المكتب المخصّص لذلك، أو في الرّعايا، حيث نؤسّس معًا مكتبًا لرعويّة المرضى يكون في خدمة الجميع.

إنّها دعوة لنا جميعًا لنكون أكثر قربًا من بعضنا البعض، ولنحوّل الألم إلى فرصة للرّحمة، فالحبّ الحقيقيّ يتجلّى في العطاء، وخاصّة لمن هم في أشدّ الحاجة إليه.يسوع قال: "كنت مريضًا فزرتموني"، وهذه العبارة تحمل معاني عميقة. وإذا أردنا أن نفهمها بصدق، فإنّ أوّل فكرة يجب أن ندركها هي أنّ زيارة المرضى ليست مجرّد واجب محصور بالكهنة، بل هي مسؤوليّة كلّ فرد منّا. صحيح أنّ الكاهن يزور المرضى كجزء من خدمته الكهنوتيّة، لكن هذه الزّيارة ليست حكرًا عليه، بل هي أيضًا واجب علينا جميعًا.

عندما يزور الكاهن مريضًا في منزله، يدرك المريض أنّ زيارته نابعة من دوره الدّينيّ، ولكن عندما يزوره أحد أفراد المجتمع، يشعر المريض بأنّه لا يزال حاضرًا في قلوب النّاس، وأنه لم يُنسَ أو يُهمَل. لهذا السّبب، أؤكّد أنّ زيارة المرضى ليست مجرّد مسؤوليّة الكاهن، بل هي مسؤوليّتنا جميعًا. تخيّلوا لحظة أنّكم تدخلون على مريض، فتكونون قد منحتموه أعظم هديّة يمكن تقديمها: هديّة الحياة. هل هناك هديّة أعظم من هذه؟ بمجرّد أن تطرقوا بابه، يدرك أنّ هناك من لا يزال يتذكّره، وأنّه ليس وحيدًا في معاناته."

لدينا فرق متخصّصة يمكنها مساعدتنا جميعًا في هذا المجال، وأدعوكم لأن نتكاتف معًا، يدًا بيد، مع الكاهن والرّعيّة، حتّى ننظّم هذه الخدمة بشكل أفضل، فلا نترك أيّ مريض يشعر بأنّه مهمل أو منسيّ، وأتمنّى أن يكون لدينا المزيد من الأشخاص المستعدّين ليس فقط لزيارة المرضى، بل أيضًا لاكتساب الخبرة والتّخصّص في هذا المجال، من خلال دورات تدريبيّة تساعدنا على فهم كيفيّة مرافقة المرضى بطريقة صحيحة. فكّروا في الأمر جيّدًا: كلّ عائلة قد تواجه في يوم من الأيّام حالة مرضيّة تحتاج إلى دعم نفسيّ وروحيّ. لذا، عندما نكتسب المعرفة الصّحيحة، فإنّنا لا نخدم فقط الرّعيّة، بل نحمي أيضًا أنفسنا وعائلاتنا، ونتعلّم كيف نواجه الألم بطريقة تخفّف من معاناتنا وتعزّز إنسانيّتنا.

البابا فرنسيس قال بمناسبة اليوم العالميّ للمريض إنّ المرض هو فرصة للمشاركة، وليس مجرّد عبء. وهذا بالضّبط ما يقوله إنجيل اليوم: عندما تزور مريضًا، فإنّك تمنحه الحياة، لكنّه بالمقابل يمنحك ملكوت السّماء. عندما نزور مريضًا، يجب أن نقول له: "شكرًا لك، لقد منحتك القليل من وقتي، لكنّك منحتني في المقابل البركة السّماويّة". بهذه الرّوح، يتحوّل كلّ ألم إلى نعمة، وكلّ معاناة إلى وسيلة لنشر المحبّة والرّحمة بيننا. آمين."

وبعد القدّاس تمّ تكريم المتخرّجين وقدّم لهم المطران نفّاع والأخت يارا متّى من راهبات العائلة المقدّسة هديّة مقدّمة من لجنة راعويّة المرأة، عبارة عن شهادة أيقونة السّامريّ الصّالح.