لبنان
28 نيسان 2025, 14:00

نفّاع: القيمة الكبيرة الّتي عاشها البابا فرنسيس هي محبّة مجّانيّة بلا شروط لجميع الناس

تيلي لوميار/ نورسات
من أجل راحة نفس البابا فرنسيس، ترأّس المطران جوزيف نفّاع القدّاس الإلهيّ في كنيسة مار يوحنّا المعمدان- زغرتا، عاونه فيه الخورأسقف إسطفان فرنجية، وعدد من كهنة رعيّة إهدن- زغرتا والشّمامسة.

تخلّلت القدّاس عظة قال فيها نفّاع بحسب إعلام الأبرشيّة: "من اللّافت في إنجيل اليوم قصّة توما، أحد التّلاميذ الّذي رافق يسوع ثلاث سنوات، وشهد عجائبه وآياته، وسمع تعاليمه. بل وأكثر من ذلك، سمع من التّلاميذ الآخرين ومن التّلميذات، مثل مريم المجدليّة، أنّ يسوع قام من بين الأموات. ومع ذلك، بقي توما مصرًّا على عدم الإيمان، بل ذهب أبعد من ذلك بوضع شرط قاسٍ حين قال: "إن لم أضع إصبعي في جرحه، لا أؤمن". لم يكتفِ بأن يرى فقط، بل أراد أن يلمس الجراح.

من يقرأ النّصّ يتوقّع أن يأتي يسوع ويوبّخ توما، لكنّنا نتفاجأ بمحبّة الرّبّ العظيمة، إذ يقول له بلطف: "تعال وضع إصبعك في الجراح، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا". وبهذا نُدرك أنّ الرّبّ لا يدعنا فقط نؤمن به، بل يدعونا للدّخول في عمق سرّ الفصح. كأنّه يقول لتوما: "لا أريدك أن تمرّ بالعيد حزينًا. تعال، ألمس الجراح، وافرح، واحتفل معنا". محبّة يسوع هذه لا حدود لها. ويُقال إنّ الّذي جعل توما يؤمن لم يكن فقط مشهد الجراح، بل إحساسه العميق بأنّه محبوب للغاية. ويذكر بعض الشّرّاح أنّ توما لم يضع إصبعه في الجرح، بل حين شعر بمحبّة يسوع العظيمة ركع وقال: "ربّي وإلهي!". لقد بيّن لنا يسوع أنّ المحبّة وحدها قادرة أن تشفي، وأنّ العيد الحقيقيّ هو الّذي يشفينا بالمحبّة.

هذه هي القيمة الكبيرة الّتي عاشها البابا فرنسيس: محبّة مجّانيّة، بلا شروط، لجميع النّاس. حتّى في رتبة غسل الأرجل، كان يختار أكثر الأشخاص ألمًا ومعاناة، وبدأ كلّ رسائله بكلمة "فرح"، لأنّه كان يؤمن أنّ الحبّ الحقيقيّ يولّد الفرح. ومع أنّ البعض انتقده بقي ثابتًا في محبّته، دون تمييز أو حدود.

كان البابا محاطًا بأناس يؤيّدونه وآخرين يعارضونه، وحتّى بعد وفاته، بقي هناك من يسيء إليه بقلّة أخلاقه. ومع ذلك، كانت أعظم شهادة له أنّ جنازته جمعت قادة العالم أجمع، ولم يستطيعوا أن يغيبوا عن وداعه. بهذه المحبّة والفرح والسّلام، طبع البابا فرنسيس العالم.

من وداعه الأخير تعلّمنا أنّ "ما يصحّ إلّا الصّحيح". ثلاث عشرة سنة من الألم والصّبر أثمرت محبّة جمعت القلوب، وجعلت الجميع يقف وقفة هيبة وتقدير للحقيقة الّتي جسّدها: حقيقة يسوع المسيح العظيمة.

لهذا، نشكر الله من أجل البابا فرنسيس، الّذي أعطى العالم فرصة جديدة ليعيش الأجمل. وقد لامسني كثيرًا تعبير قيل عنه: "لم يشأ أن يسطع هو، بل أراد أن ينير الآخر"، فكان يعيش للآخرين، لا لنفسه.

معه نتعلّم أن نؤمن بأنّ كنيستنا في يد الله. فمن يقرأ تاريخ الكنيسة، منذ أيّام البابا بيوس الثّاني عشر خلال الحرب العالميّة الثّانية، يرى كيف أنّ كلّ بابا كان يحمل شعلة الإيمان ليسلّمها لمن بعده، في مسيرة مستمرّة تؤكّد أنّ الكنيسة تنمو وتكبر كلّ يوم ليظهر اسم المسيح في كلّ مكان.

تخيّلوا عناية الكنيسة الّتي تهتمّ بأدقّ التّفاصيل. حتّى في الجزيرة العربيّة، حيث كنّا نظنّ أنّ لا وجود للمسيحيّين، تظهر الإحصاءات السّنويّة الّتي يجريها الفاتيكان ازدياد أعداد المعمَّدين. وتبيّن أنّ أكبر رعيّة كاثوليكيّة في العالم اليوم هي في دبي.

الكنيسة تعمل بصمت، تزرع الحبّ، وتنشر قوّة ونور المسيح، الّذي لا يزال النّور الأقوى في العالم. وقد رأينا هذا جليًّا مع البابا فرنسيس.

لذلك، نصلّي أن يمنحنا الله خلفًا يواصل مسيرة السّلف بل ويفوقه. نصلّي بثقة أنّ الرّبّ سيعطينا الأفضل، وعندما نواجه أمورًا لا نفهمها في الكنيسة، علينا أن نكون متواضعين، واثقين بأنّ الله هو الّذي يقودها نحو الأفضل."