نشاط البطريرك الرّاعي ليوم الثّلاثاء 10 نيسان/ إبريل- بكركي
ثم استقبل رئيس جمعيّة الصّناعيّين اللّبنانيّين الدّكتور فادي الجميّل الّذي شدّد على "أهمّيّة القطاع الصّناعيّ وضرورة تفعيله وتقديم الدّعم اللّازم له لما يخلقه من فرص عمل أمام العديد من اللّبنانيّين ويساهم في رفع المستوى الإقتصاديّ للبنان."
وقال الجميّل بعد اللّقاء: "لقد قدّمت تهاني بالعيد لصاحب الغبطة، وكان بحث في أبرز المسائل الّتي تعيق حسن سير عمل القطاع الصّناعيّ ولاسيّما موضوع إغراق لبنان بسلع مستوردة تحظى بدعم دولها المصدّرة وما لهذا الأمر من تأثير سلبيّ على عمل المؤسّسات المحلّيّة الّتي تنتج نفس السّلع الأمر الّذي يخلق المنافسة غير المشروعة."
وتابع الجميّل: "في العام 2011 بلغت صادرات لبنان نحو 4،5 مليار دولار وهذا مستوى مميّز وصل إليه القطاع الصّناعيّ أمّا اليوم فلقد تدنّى المستوى إلى نحو 2،8 مليار دولار وذلك بسبب الحرب الّتي عصفت بسوريا ما أدّى إلى إغلاق المعابر البرّيّة وارتفاع كلفة التّصدير باستعمال وسيلة الشّحن البحريّ. في مواجهة هذا الأمر يتوجّب على الدّولة إطلاق خطّة طوارئ لمعالجة مشكلة الإغراق والمساعدة في الأكلاف والمطلوب منها أن تستثمر في هذا القطاع وبالتّالي سيكون لاستثماراتها مردود يحافظ على فرص العمل ويفتح آفاقًا جديدة أمام اللّبنانيّين."
وأكّد الجميّل أنّ "لبنان هو بلد الطّاقات وليس بلد المشاكل وخير دليل على ذلك استمراريّة الصّناعيّين في تقديم المزيد على الرّغم من الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة، لذلك يجب تفعيل طاقات الشّعب اللّبنانيّ ولاسيّما في مجال القطاع الصّناعيّ لأنّه بدوره ينشّط باقي القطاعات. فإنشاء معمل في منطقة معيّنة يؤمن فرص عمل لسكّان المنطقة الأمر الّذي يؤدّي بدوره إلى إنشاء محلّات تلبّي حاجات العمّال وهكذا دواليك. من هنا ضرورة أهمّيّة أن تولي الدّولة هذا القطاع اهتمامًا خاصًّا لأنّه بحسب الدّراسات كلّ وظيفة في القطاع الصّناعيّ تؤمّن وظيفتين ونصف في باقي القطاعات."
والتقى البطريرك الرّاعي القائم بأعمال سفارة الباراغوي في لبنان أوسفالدو أديب بيطار فيسيوسو في زيارة بروتوكوليّة نقل خلالها التّهاني بالأعياد باسم جمهوريّة الباراغوي، وقال: "لقد تشرّفت بلقاء البطريرك الرّاعي الّذي أكنّ لشخصه تقديرًا عميقًا فهو يمثّل الكنيسة المارونيّة في لبنان والشّرق. لقد بارك أرضنا وشعبنا عندما زار الباراغوي في العام 2013، والتقى أبناءه من الجالية اللّبنانيّة الفعّالة، وكان لقاء عظيمًا ترك أثرًا بالغًا في نفوسهم لأنّهم التقوا أباهم الرّوحيّ الّذي شجّعهم على زيارة وطنهم الأمّ وتوطيد علاقتهم بأهلهم وأقاربهم فيه والتّمسّك بجذورهم اللّبنانيّة".
بعدها استقبل البطريرك وفدًا من نقابة المحرّرين برئاسة النّقيب الياس عون الّذي ألقى كلمة قال فيها: "صاحب النّيافة الكلّيّ الطّوبى. تحيّة المحبّة من صحافيّين يعتبرونكم زميلًا لهم في مهنة المتاعب مذ كنت مراسلًا لإذاعة الفاتيكان في النّصف الأخير من القرن الماضي ورئيسًا للّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وكاتب مقال في جريدة الجمهوريّة ناهيك عن الوعظ والعظات في الكنائس وإطلالتكم المستمرّة في "بشرى الرّاعي" الّتي بشّرت بها وقرّبت بها القلوب واخترقت العقول بكلمات ككلمات يوحنّا فم الذّهب.
سيّدنا لمن له أعطي مجد لبنان، نزورك في زمن القيامة المجيدة، آملين أن يقوم لبنان من ما هو غارق فيه في وحول الفساد والصّفقات والسّرقات. آملين أن يقوم لبنان من مستنقع الكراهيّة والغضب والحروب على أنواعها بين أبناء الوطن الواحد.
سيّدنا نزوركم اليوم، أعضاء مجلس نقابة محرّري الصّحافة وأنا، عشيّة انطلاق الانتخابات النّيابيّة لنعرف رأيكم بقانونها وهل صحيح أنّكم شاركتم في تقريب وجهات النّظر بين المرشّحين لتشكيل بعض اللّوائح. سيّدنا نزوركم اليوم وفي يوم البشارة، لنسألكم عمّا إذا كان هناك من بشرى وبشارة للمدارس الّتي أنتم مؤتمنون عليها وهي تعيش اليوم أصعب أيّامها.
مرّة بعد لكم نقول فصحًا مجيدًا على أمل أن يوحّد آباء الكنيسة عيد قيامها وكلّ عيد بشارة وأنت بخير."
ثمّ طرح عدد من أعضاء النّقابة جملة من الأسئلة على البطريرك الرّاعي تمحورت حول موضوع الانتخابات النّيابيّة الّتي ستتمّ في شهر أيّار المقبل، والقضيّة الفلسطينيّة ومسألة نقل مقر السّفارة الأميركيّة إلى القدس، القانون 46 والدّرجات السّتّ وتداعياتها على التّعليم في القطاع الخاصّ وغيرها.
بدوره رحّب الرّاعي بالوفد مشيرًا إلى الرّسالة العامّة السّابعة الّتي أصدرها في 25 آذار من العام الحالي بعنوان "الحقيقة المحرّرة والجامعة، وثيقة لاهوتيّة توضيحيّة حول مواضيع من تعليم الكنيسة"، والّتي أرادت الكنيسة من خلالها مساعدة المؤمنين على فهم المضمون اللّاهوتيّ لتعليم الكنيسة بشكل سليم، بعيدًا عن آية مغالطة."
ولفت إلى أنّ "شرح وتوضيح تعليم الكنيسة وتفسير الكتاب المقدّس الّذي يتمّ اليوم تداوله بشكل مغلوط عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يثير بعض الشّكوك لدى المؤمنين، لذلك رأى آباء سينودس أساقفة الكنيسة البطريركيّة المارونيّة ضرورة إصدار هذه الوثيقة اللّاهوتيّة لتذكّر الإكليروس والمؤمنين والمؤمنات بمعنى مضمون الحقائق الواردة في "تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة"، والطّلب من جميع الكهنة والمكرّسين والمكرّسات والعلمانيّين عدم استعمال مواقع التّواصل الاجتماعيّ ولا وسائل الإعلام وسواها لفضّ نقاش لاهوتيّ فيما بينهم من دون استئذان أساقفتهم ورؤسائهم على أن يلتزموا بما تقرّره وتعلّمه السّلطة التّعليميّة في الكنيسة، مشيرًا إلى القوانين الّتي تعاقب عليها الكنيسة في قوانينها الجزائيّة."
وأعلن أنّ "هذه الوثيقة لا تعالج كلّ التّعاليم الكنسيّة بل المسائل الّتي طرحت حولها اسئلة في الآونة الأخيرة وهي توضح أنّ هذا التّعليم بحاجة إلى شرح في كثير من نقاطه وهذا من واجب البطريرك والأساقفة لأنّهم معلّمو إيمان المؤمنين المسيحيّين الموكولين إلى عنايتهم."
وعن موضوع الانتخابات النّيابيّة المقبلة أكّد البطريرك الرّاعي أنّ "الكنيسة لا ولم ولن تتدخل في تزكية أسماء مرشّحين من هنا أو من هنالك، مشدّدًا على أنّ "زيارة المرشّحين إلى الصّرح البطريركيّ لا تعني إطلاقًا دعم البطريرك لترشيحهم. فالبطريرك المارونيّ كان ولا يزال وسوف يبقى على مسافة واحدة من جميع المرشّحين وما يهمّه فقط هو التزامهم في حال وصولهم إلى المجلس النيابي بدورهم الأساسيّ في التّشريع والمراقبة والمحاسبة. لقد سمعنا من المشرّعين كلامًا عن أنّهم غير مقتنعين بهذا القانون، الّذي قبل تطبيقه بدأت تظهر الاعتراضات عليه. نحن على مسافة واحدة من الجميع ونأمل أن يأتي المجلس الجديد بوجوه جديدة وأن يكون على مستوى آمال الشّعب اللّبنانيّ المرهق من الظّروف الاقتصاديّة الّتي يمرّ بها."
وفي ردّه على سؤال حول ما آلت إليه مسألة المدارس الخاصّة ومطالبة المعلّمين بدفع الدّرجات السّتّ أجاب: "لقد وضعتم الإصبع على الجرح. صدر القانون بشكل مرهق للغاية فأرهق الأهل والمدرسة والمعلّمين والطّلّاب وأوجد الشّرخ فيما بينهم. هناك 1500 مدرسة خاصّة في لبنان من ضمنها 300 مدرسة كاثوليكيّة وجهت السّهام نحوها فقط، على الرّغم من أنّ القرار طال المدارس الخاصّة جميعها. تحتضن هذه المدارس نحو 700 ألف طالب ماذا سيكون مصيرهم في حال أقفلت أبوابها في وجههم. في المقابل هناك 1257 مدرسة رسميّة تحتضن 327 ألف طالب والدّولة تدعمها، هناك هدر فظيع لذلك لا يجوز الظّلم. إنّ تحسين وضع المدرسة الرّسميّة على كافّة المستويات هو مسؤوليّة الدّولة وعليها أن تهتمّ به عندها يتمكن الطّلّاب من تلقّي التّعليم في هذه المدارس."
وتابع البطريرك المارونيّ: "يجب على الدّولة تقديم المساعدة فالأهل غير قادرين على تحمّل المزيد من الأعباء والدّولة عندما تشرّع عليها تحمّل مسؤوليّة التّمويل فالتّشريع يستوجب التّمويل. والتّعليم الخاصّ والرّسميّ هو منفعة عامّة. وأكبر استثمار للدّولة هي التّربية لذلك يجب دعم هذا القطاع وإيجاد الحلّ. ومن جديد ننبّه الجميع إلى خطورة أن تقفل المدارس الخاصّة أبوابها. يتحدّثون عن هدر وفساد فيها فليحاسبوها وفقًا للقانون 515/67 الّذي ينصّ على أنّ الموازنات والأقساط المدرسيّة تقدمها الإدارة مع لجان الأهل فلتتحمل لجان الأهل مسؤوليتها ولتستعمل القانون لمحاسبة ادارة المدرسة قضائيا في حال المخالفة، فليستعملوا هذا الحقّ، وليظهروا الحقيقة. ولكن أن نتلاعب بمصير أجيالنا المستقبليّة من الطّلّاب الّذين يشكّلون ثروة لبنان فهذه كارثة اجتماعيّة خطيرة جدًّا. بدورها أيضًا فلتستعمل الدّولة سلطتها وتراقب وتحاسب عند المخالفة."
وعن القضيّة الفلسطينيّة وقرار الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب نقل السّفارة الأميركيّة الى القدس، شدّد على "موقف الكنيسة الرّافض لهذا القرار رفضًا قاطعًا ولقد عبّرنا عنه في كلّ المؤتمرات الدّوليّة الّتي شاركت فيها في مصر وفيينا وغيرها،" مؤكّدًا أنّ "موقفنا مطابق لموقف الفاتيكان الّذي يقول إنّ القدس هي دولة مفتوحة للعالم كلّه وللدّيانات جميعها، وهي جسم مستقلّ لأنّها تحتضن تراث الدّيانات الثّلاث وهذا القرار أقرّته الأمم المتّحدة منذ العام 1950 واعترفت به إسرائيل. الشّعب الفلسطينيّ قد ظلم منذ العام 1948 على الرّغم من كلّ قرارات مجلس الأمن الّتي لم تطبّق وتجاهلت حقّ العودة وبذلك لا يريد المجتمع الدّوليّ إطفاء النّار في فلسطين لكي يبقى الشّرق مشتعلاً."
وتأمّل البطريرك الرّاعي ردًّا على سؤال حول موضوع بطالة الخريّجين الجامعيّين وهجرتهم أن "تتمكّن الدّولة بمبلغ الـ12 مليار دولار من مؤتمر سيدر أن تقدّم مشاريع جديدة تخلق من خلالها فرص عمل لهؤلاء الشّباب. فالحياة الاقتصاديّة شبه مشلولة وعلى الدّولة أن تتحمّل المسؤوليّة وأن تستثمر هذه الأموال بمشاريع إنتاجيّة. نحن بحاجة إلى مستوى اقتصاديّ جيّد لتحسين الوضع."
وحول التّهديدات الإسرائيليّة للبنان أوضح أنّ "الجميع مقتنع بأنّه مع إرادة الأسرة الدّوليّة الّتي تبنّت المؤتمرات للبنان ومع الموقف الدّوليّ الّذي يريد استمراريّة الاستقرار للبنان ليس من مصلحة إسرائيل ضرب هذا الاستقرار، ولكن في المقابل علينا كلبنانيّين تمتين وتحصين وحدتنا الدّاخليّة لمواجهة أي اعتداء محتمل مهما كان نوعه."
وعن رأي الكنيسة الكاثوليكيّة بظاهرة الشّعلة المقدّسة وإمكانيّة توحيد عيد الفصح أجاب: "أعجوبة يمكن أن تحصل وما من شكّ لدينا بهذا الأمر. الحياة المسيحيّة كلّها أعاجيب. المسيح عليه السّلام موجود في القربان وفي كلّ مكان. من يشكّك لا يؤمن بشيء. وبالنّسبة لتوحيد العيد ليس بالأمر السّيّء أن نعيّد مرّتين فهكذا نتعرّف أكثر الى تقاليد بعضنا البعض."
وتابع الرّاعي: "لقد طرح هذا الموضوع البابا الطّوباويّ يوحنّا بولس السّادس في خلال زيارته للأراضي المقدّسة سنة 1964 مع البطريرك المسكونيّ اثنادريوس في خلال اللّقاء العظيم الّذي جمعهما. يومها طرح البابا فكرة "إعلان توحيد العيد من هذا المكان المقدّس" أجابه البطريرك المسكونيّ أنتم كبابا تتكلّمون باسم الكنيسة الكاثوليكيّة، ولكن أنا لا يمكنني أن أتكلّم باسم الكنيسة الأرثوذكسيّة فمجمعنا الأرثوذكسيّ يضمّ عددًا من البطاركة والأساقفة ولكلّ منهم استقلاليّته أيّ أنّه لا يوجد عندنا سلطة مركزيّة. واليوم أعيد طرح الموضوع مع البابا فرنسيس وكانت موافقة البابا تواضروس بالاحتفال بالعيد في الأحد الثّاني من نيسان بعيدًا عن العدّ اليوليانيّ أو الغريغوريّ وكان من المقرر طرح الموضوع على جدول أعمال مجلس البطاركة والأساقفة الأورثوذكس للبحث فيه ولكن بسبب تغيّب عدد من البطاركة لم يتمّ إدراج الموضوع حتّى."
وبعد الظّهر استقبل البطريرك الرّاعي في الصّرح البطريركيّ في بكركي، وفدًا من الزّوّار الإقليميّين للآباء العازاريّين من 14 دولة أوروبيّة، يرافقهم الرّئيس الإقليميّ للآباء العازاريّين في الشّرق الأب زياد حدّاد الّذي أوضح أنّ "الوفد قدم إلى لبنان لعقد المؤتمر السّنويّ للرّؤساء الإقليميّين في بيروت هذا العام والّذي سيستمرّ على مدى ثلاثة أيّام بالتّعاون مع مركز الحوار بين الأديان وذلك للتّعمّق أكثر بالإسلام وبالعلاقات الإسلاميّة المسيحيّة وفهم مشكلة الخوف من الإسلام الّتي تعاني منها أوروبا. وسيكون هناك لقاءات مع رؤساء الطّوائف في لبنان، وافتتحنا هذه اللّقاءات بزيارة البطريرك الرّاعي لالتماس بركته والاستماع إلى رأيه لفهم الوضع المسيحيّ في لبنان والشّرق باعتبار البطريرك المارونيّ هو مرجعيّة كلّ مسيحيّي الشّرق."
رحّب الكاردينال بالوفد متمنّيًا لهم تحقيق النّجاح في مؤتمرهم، وأكّد أنّ "الحوار بين الأديان هو أمر يعيشه اللّبنانيّون، فالمسلمون والمسيحيّون يطبّقون العيش المشترك بسبب وثيقة الوفاق الوطنيّ والدّستور اللّبنانيّ الّذي يؤكّد على مشاركتهما معًا في إدارة البلاد."
وعرض الرّاعي لوضع المسيحيّين في لبنان والشّرق مشدّدًا على أنّ "لبنان يتميّز عن باقي الدّول المحيطة به بنظامه الدّيمقراطيّ الّذي يضمن حرّيّة المعتقد والرّأي والتّعبير.
فالمسلم يستفيد من الثّقافة المسيحيّة والمسيحيّ بدوره يتعلّم من الثّقافة الإسلاميّة وبالتّالي هما أوجدا معًا هويّة وطنيّة لبنانيّة مشتركة وهذا ما يميّز لبنان ويجعل منه لوحة فسيفساء منوّعة تتميّز بجمال ألوانها."
وأكّد أنّ النّظام اللّبنانيّ لا يشرّع أبدًا لقوانين تتعارض مع الشّريعة السّماويّة كالإجهاض وغيرها كما يحصل في الغرب حيث هناك فصل بين الدّين والدّولة، بل هناك احترام لقانون الأحوال الشّخصيّة لكافّة الأديان."
وفي الختام منح البطريرك الرّاعي الوفد البركة الرّسوليّة بعد رفع الصّلاة.