لبنان
02 حزيران 2016, 15:55

ندوة في المركز الكاثوليكي عن التزام الكاثوليك وتصرفهم في الحياة السياسية وقراءة في نتائج البلديات

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحافية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام عن "قضايا تتعلق بالتزام الكاثوليك وتصرفهم في الحياة السياسية، وقراءة في نتائج الانتخابات البلدية"، شارك فيها: رئيس أساقفة بيروت للموارنة، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الوزير السابق سليم الصايغ، النائب السابق فارس سعيد. وحضر المسؤول عن الفرع السمعي البصري في المركز، الأمين العام لجمعية الكتاب المقدس الدكتور مايك باسوس، ومهتمون.

 

 

بداية رحب مطر بالحضور، وقال: "نحن في الكنيسة عندما نتطرق إلى موضوع السياسة نضع نصب أعيننا كلام الإنجيل القائل "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، فالكنيسة تميز بين القطاع الزمني والقطاع الروحي الديني المتعلق بالخلاص الأبدي للإنسان. نحن نقر بالشوؤن الزمنية على أساس أن لها قيمة بذاتها ولها إدارتها المستقلة عن السلطة الدينية بصورة خاصة".

ورأى أن "السياسة يمكن أن تكون بلا أخلاق، ويمكن أن نعيش أخلاقا بلا سياسة، أي في عالم لا علاقة له بالأرض، المطلوب فعلا أن تكون السياسة متصالحة معنا، نريد سياسة بأخلاق وليس سياسة بلا أخلاق. كيف نترجم هذه المقولة؟ نترجمها بالقول إننا نتمسك في الشأن السياسي بقيم أساسية ضرورية لحياة الإنسان. طبعا على الناس أن يتدبروا أمرهم وينظموا صفوفهم ويطلقوا سلطتهم لتكون مسؤولة عن الوضع الأمني وعن حضاراتهم، ولكن ذلك كله ضمن المعايير الأخلاقية. فالكنيسة تتدخل في كل ما يعود إلى القيم الأخلاقية، وعلى سبيل المثال: كل قيمة تتعلق بكرامة الشخص البشري الذي له قيمة مطلقة، السياسة لها حدود أمام كرامة الشخص البشري لا تتصرف به على الإطلاق".

أضاف: "في ما يخص القراءة في الانتخابات البلدية، أرى أن الشعب اللبناني أثبت تمسكه بالديموقراطية، وهذا أمر مهم جدا. نحن لا نرضى بغير الديموقراطية سبيلا للعيش ولتدبير أمورنا السياسية. طبعا الديموقراطية صعبة، وقد قال عنها روسو "يجب أن يكون الممارسون لها آلهة حتى تمارس بشكل صحيح"، أي أن يكون كل الناس متعلمين ومن ذوي الأخلاق حتى تستقيم الديموقراطية، ولكن بالرغم من كل مصاعبها ومساؤئها نذكر كلام تشرشل "الديموقراطية هي أسوأ نظام انتخابي... ما عدا كل الإنطمة الأخرى". هذا أمر مهم جدا أن ننظر إلى الشعب اللبناني كمتمسك حقيقة بالديموقراطية".

وتابع: "القضية الثانية التي فرضت نفسها هي عودة إلى الاصالة الديموقراطية، بمعنى أن الشعب هو مصدر السلطات ومصدر الإرادة، الشعب تكلم خلافا لما كان متوقعا في بعض الأماكن، أعطى كلمة خاصة به مهما كانت هذه الكلمة، لذلك لا تستقيم سياسة إذا كنا نعلل الديموقراطية وقوانين الانتخابات لتأتي بالنتائج التي نريدها نحن والتي لا يريدها الشعب. في الدول الراقية، عندما يختلف السياسيون من معارضين ومن حكام يذهبون للإحتكام إلى الشعب، هذا الإحتكام هو قمة الصحة والسلامة في العمل الديموقراطي الإنتخابي. لذلك ما ظهر في الإنتخابات الأخيرة يدل على أن الشعب هو الذي يجب أن يقرر".

وختم: "ليس من الضرورة أن نتعامل بالنسبية في كل شيء، في الانتخابات البلدية هناك دول كبيرة لا تتعاطى النسبية، اولا النسبية تشرذم المجلس النيابي بحيث لا يمكن أن يؤلف كتلات كبيرة يستطيع من خلالها سياسة واضحة. النظام الأكثري له أفضلية، أي أن أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وفي المرة التالية قد تصبح الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية".

ثم كانت مداخلة للصايغ قال فيها: "يؤسس مفهوم الكرامة الإنسانية لمنظومة حقوق الإنسان. ولا يستوي هذا المفهوم إن لم يكن في خدمة الخير العام. والتفاعل بين مفهوم الكرامة ومفهوم الخير العام يتم عبر الإعتراف بالإنسان. المواطن المؤتمن والمتمتع بحقوق مكفولة قانونا وبواجبات موازية لها. وبالتالي تكون الديمقراطية نظاما قِيما كما هي طبيعة نظام حبث تحتكم إلى مبدأين أساسيين: مبدأ الأغلبية التي تحكم، ومبدأ الإحتكام الى الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمدنية.
من هنا، نطرح السؤال: إلى أي مدى أتت الإنتخابات البلدية مطابقة للديموقراطية؟ وهل يكفي أن تتم عملية التصويا والاحتكام إلى قرار الناس عبر صندوقة الاقتراع للقول إن الديموقراطية بخير؟ وأين الالتزام بمنظومة الحقوق والقيم؟"

ورأى أن "التعبير الديموقراطي هو تعبير فردي ولو تبنته الجماعة. لقد أظهرت الإنتخابات البلدية توق الناس إلى إبداء الرأي في ظل نظام تتعطل مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، في ظل حكومة قال رئيسها عنها انها أفشل حكومة منذ الإستقلال. ومع تحفظنا عن هذا الإستنتاج لأن العلة في فشل الدولة وليس الحكومة لأسباب تتعلق بالإستقلال السياسي وتحجيم السيادة، نرى ان الإنسان في لبنان في حالة نزاع مع الواقع المرير وهو يسعى إلى التغلب عليع ساعيا إلى تغيره عبر الوسائل المتاحة".

وأضاف: "تعلم الكنيسة ان لا نسبية ثقافية، استطرادا لا نسبية مذهبية أو مناطقية أو حزبية أو قروية أو عائلية عندما يتعلق الأمر بالإلتزام الأدبي الذي عليه أن يبقى متماسكا على أساس نظام اجتماعي أكثر عدالة يتوافق وكرامة الشخص البشري.
ما تطلبه الكنيسة هو الالتزام الأدبي بغض النظر عن ماهية الالتزام الآخر. لقد نجح كثيرون في هذه الإنتخابات في الأصوات، إنما قد سقطوا في الإلتزام الأدبي، وقد يجتاز كثيرون امتحان الطعون القانونية، إنما هم حتما راسبون في امتحان الإعتراف بشرعيتهم".

وقال: "يشجع القانون التوافق للفوز بالتزكية، وهذا ما حصل في عشرات البلديات. ولكن أين المحاسبة في ما بعد؟ وتبقى القاعدة العامة في الديموقراطية هي التنافس بين لوائح تتقابل على أساس احترام حصص عرفية تتوزع على القوى البلدية، عائلية كانت، فردية أو حزبية. المهم قبول الخسارة، وطي الصفحة، والتجانس.
ان تجميع الحصص لا يبني مجلسا متجانسا ويؤدي إلى فقدان الفعالية".

وعزا تدني نسبة الإقتراع في المدن الى سببين: سوء القوانين وتقسيم الدوائر الإنتخابية، والرهبة من الثورة من دون نتيجة او مردودية، مع ضعف البدائل كما حصل في بيروت".

ولاحظ أن "المرأة اقترعت بنسبة عالية ولو متفاوتة بين المناطق. إلا أن ترشحها يبقى متواضعا، مما يعني أن أسباب انكفائها عن التقدم للعمل البلدي لا تزال قائمة. ومنها: التلوث بالفساد المستشري، ذكورية الشأن العام، انحسار سلطة المعايير لصالح سلطة القوة، عدم ترسخ المرأة المتزوجة في بيئة زوجها إلا بعد زمن، المجتمع البطريركي العائلي الذي يولي الرجل، والإنخراط الخجول في الاحزاب".

وأوضح أنه "بالنسبة الى الكنيسة، لا تضر التعددية مهما كان شكلها السياسي بالأدبيات، ما دامت لا تذهب إلى النسبية الثقافية".

وختم بأنه "المستقبل لن يبتسم إلا للقوى التي تجرؤ على الخروج من التقليد والانتهازية إلى التغيير، والتغيير يبدأ من الذات ومع الذات ليبلغ الفضاء الأصعب في المجتمع".

ثم كانت مداخلة لسعيد عن الإنتخابات البلدية، وقال: "أثبتت أجهزة الدولة، الإدارية والأمنية والسياسية، أنها قادرة على تنظيم وتنفيذ عملية انتخابية على مساحة لبنان إذا توفر القرار السياسي".
ورأى أنه "كان للمال مساحة وازنة في كل المعارك، ساحلا وجبلا وسهلا شمالا وجنوبا. إذ إن المرشحين في المدن الكبيرة والبلدات كانوا بغالبيتهم الساحقة أصحاب قدرة مالية عالية وإمكانية إدارية تجعل منهم أرقاما صعبة في العملية الانتخابية.
ولم تنجح الأحزاب المسيحية والإسلامية يمينا ويسارا في أن تكون "رافعة" حقيقية لتجديد النخب السياسية لا بل على العكس تماما، إذ تميزت بالتعاون "البراغماتي" مع قوى التقليد والعائلات في كل قرية وبلدة، ووصلت عملية التعامل الحزبي مع الأطر التقليدية إلى حد أن قال لي أحد القرويين أنه أضيف على كل قرية في لبنان "عائلة بيت القوات وعائلة بيت التيار وعائلة بيت المستقبل".

وأضاف: "غابت العناوين والاهتمامات البيئية والإنمائية وموضوع اللامركزية الادارية وبرزت في المقابل المحاصصة، أي تحديد الأحجام السياسية والعائلية في كل مدينة وقرية، ولم تبرز مشكلة حل النفايات مثلا كموضوع أساسي في اهتمامات الناخبين، وكأن أزمة نفايات بيروت حصلت في بكين أو في أحدى عواصم أميركا اللاتينية.

وقد حافظت بيروت على تنوعها الطائفي بفضل تفاهمات سياسية، ولم تحافظ طرابلس على تنوعها بسبب تصويت الطرابلسيين الكثيف في وجه التحالف السني العريض الذي احترم التمثيل المسيحي. كما برزت مشكلة تمثيلية في بعض القرى المختلطة الشيعية المارونية في قضاء جبيل، تم تذليلها بالحوار مع المرجعيات المحلية بعيدا عن الارجحيات العددية لكل فريق".

وأشار الى أن "القوى السياسية العملية الانتخابية دخلت بادعاء واضح أنها تحتكر تمثيل طوائفها على مستوى الدولة، ثم أسقطت هذا الادعاء على الواقع البلدي المحلي، فاصطدمت باعتراضات في كل المناطق وداخل كل الطوائف، إذ برزت جرأة شيعية في بعلبك وجبل لبنان والجنوب في مواجهة الثنائية الشيعية.
كما برزت حالة اعتراضية مسيحية على تحالف القوات - التيار الوطني الحر في جبل لبنان (المر مثلا) وفي الشمال (حرب - حبيش - فرنجية - معوض...).
وبرزت معارضة سنية في وجه تحالف عريض في طرابلس قام على قاعدة التلفيق وليس على قاعدة الانسجام السياسي".

وتابع: عندما يعود اللبنانيون إلى داخل مربعاتهم الطائفية تحت عنوان "تقوية الطائفة" بهدف حمايتها، تبرز حالة اعتراضية في وجه الاختزال في كل المناطق.
وقد بينت هذه الانتخابات أن عملية الاختزال التي قام بها حزب الله في طائفته قد غدت مثلا يحتذى لدى الاحزاب الطائفية الأخرى، على قاعدة خاطئة تقول إن الأقوى هو الأكثر مصادرة لقرار المواطنين في مناطقهم وطوائفهم.
وقد سقطت الذريعة الأمنية لتأجيل أي استحقاق انتخابي، رئاسي أو نيابي".

وقال: "في المحصلة، سقط عون وفرنجية في صناديق الاقتراع في طرابلس التي صوتت ضد من دعمهم لرئاسة الجمهورية. ورغم المرونة الزائدة التي استخدمها تيار المستقبل في التعامل مع أكثر المسائل الشائكة، والتي لم تخل من بعض الأخطار، لم يحصد التيار سوى خسائر متلاحقة".

وختم: "يبقى دور الكنيسة في دائرة الضوء، ومسؤوليتها كبيرة في ابتكار مخرج لأزمة رئاسة الجمهورية، ربما من خلال التراجع عن مقولة الزعماء الأربعة أو المرشحين الأقوياء".

واختتمت الندوة بكلمة أبو كسم الذي قال: "الكنيسة أم ومعلمة، وهي الأم الساهرة للمحافظة على القيم الأدبية وكرامة الإنسان. أولا أدعو جميع الأبناء في القرى إلى طي صفحة الإنتخابات والإنطلاق إلى العمل الإنمائي الذي يجمع المسيحيين واللبنانيين لخير المجتمع وخصوصا في الجنوب والبقاع والشمال وجرود جبيل وكل المناطق اللبنانية.

ثانيا، إن الذي شهدناه في طرابلس غير مقبول، ومعالي الوزير المشنوق قال إن ما حصل جريمة. نحن لدينا في لبنان ميثاقية علينا المحافظة عليها، هذا الإقصاء في غير مكانه، ومهما كانت الأسباب علينا أخذ العبر للمرة المقبلة.

ثالثا، الانتخابات النيابية تؤجل من مجلس إلى مجلس، ويبدو أننا اليوم لا نتفق على قانون انتخابي. منذ 7 سنوات لا نستطيع انتخاب رئيس للجمهورية، علينا الخروج من هذه المراوغة السياسية، وندعو المجلس النيابي رئيسا وأعضاء لإنجاز قانون انتخابي. البلد في حالة خطر، وعلينا انتخاب رئيس للجمهورية، وسيدنا البطريرك يطالب من سنتين بانتخاب رئيس، لبنان صدر الحرف وصدر الحضارة ومن غير المسموح أن نبقى في هذا الوضع، وإن شاء الله تكون هذه الانتخابات لخير لبنان وشعبنا".