ندوة عن "الواقع الطّبّيّ والصّحّيّ في لبنان ورسالة الكنيسة" في المركز الكاثوليكيّ للإعلام
ورحّب المطران العنداري بالحضور وقال: "يجمع القطاع الطّبّيّ والاستشفائيّ في لبنان تناقضات تراوح بين احتلاله المرتبة الأولى بين دول المنطقة في جودة الخدمات والتّغنّي بكونه مستشفى الشّرق، والتّنديد بتحوّله مرفقًا لا يراعي قسم إبوقراط الّذي يحوّل الطّبّ إلى رسالة أكثر منه مهنة.
لكن الطّبابة في لبنان تحتاج اليوم إلى معالجة جذريّة. لدينا أطبّاء ومستشفيات مميّزون عالميًّا ويتمتّعون بأعلى القدرات في مقابل مستوى متراجع لم يعد بعيدًا عن الانهيارات والتّداعيات الّتي أحاطت بالدّولة اللّبنانيّة لناحية الالتزام الأخلاقيّ في العمل، في قلب الأزمات الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، وبخاصّة بعد التّفجير الزّلزال لمرفأ بيروت.
عدد كبير من الأطبّاء هاجر إلى الخارج. والمستشفيات تشكو نقصًا في المستلزمات الطّبّيّة، وتتذرّع بالضّغوط الماليّة الّتي تهدّد استمرارها، والحاجة إلى مواكبة التّطوّر العلميّ. والتّكاليف أصبحت باهظة بعد انهيار العملة اللّبنانيّة؛ وتغطية الضّمان الاجتماعيّ وغالبيّة شركات التّأمين لم تعد تفي بالمطلوب على صعيد تكلفة الفاتورة الصّحّيّة وقدرة المواطن. فهل حكم على اللّبنانيّ المغلوب على أمره أن يترك إلى مصيره، لا يستطيع الدّخول إلى المستشفى، ولا يمكنه توفير الدّواء غير المدعوم والمقطوع؟
للإطّلاع على الواقع الطّبّيّ والصّحّيّ لا بدّ لنا أوّلاً من التّشخيص الوافي الدّقيق والعلميّ مع نقيب الأطبّاء الدّكتور شرف أبو شرف. وعن تساؤل البعض عن رسالة الكنيسة ودورها في هذا المجال يطلّ علينا ثانيًا الأب ميشال عبّود رئيس رابطة كاريتاس لبنان ونائبه الدّكتور نقولا حجّار ليوضح بعض جوانب رسالة كاريتاس، ويدلي ثالثًا المدير الماليّ لـ"مستشفى الورديّة" السّيّد نبيل العلم بشهادة عن عمل المستشفى بعد تفجير الرّابع من آب.
بين الإيجابيّات والسّلبيّات في واقع الممارسات، نترك للمؤسّسات والشّركات وللعاملات والعاملين في القطاع الطّبّيّ والاستشفائيّ فحص الضّمير. أين تجد موقعها من الضّمير المهنيّ والأخلاقيّ والمساعدة الإنسانيّة. يقيننا أنّ لبنان لا يخلو ممّن نذر نفسه لدور السّامريّ الصّالح".
وأوصى المطران العنداري "جميع الكنائس الرّعايا والمؤمنين التّقيّد بالإرشادات الصّحّيّة بسبب جائحة كورونا، والتزام التّباعد وارتداء الكمّامات، فعلينا الانتباه والأعياد تعني لنا ويحبّ أن نكون بصحّة جيّدة".
ثمّ عرض الدّكتور أبو شرف للواقع الطّبّيّ والصّحّيّ، فقال: "على غرار سائر قطاعات المجتمع اللّبنانيّ، لم تستثن الأزمات اللّبنانيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، القطاع الصّحّيّ وخصوصًا الطّبيبات والأطبّاء، مهنيًّا وإنسانيًّا، وألقتهم في مهبّ البطالة والعوز والهجرة. وتجلّت هذه الأزمة خصوصًا بفعل 3 عوامل أساسيّة: أزمة المصارف وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
منذ عقود، يواجه الأطبّاء صعوبات عدّة تهدّدهم في لقمة عيشهم ورفاه حياتهم وأبرزها:
- عدم فصل الأتعاب والتّأخّر الكبير في الحصول عليها مباشرة لهم من الهيئات الضّامنة الرّسميّة والخاصّة ولاسيّما من الصّندوق الوطنيّ للضّمان الاجتماعيّ (بعد عام عبر اللّجان).
- الإجحاف في حقّهم لناحية عدم ربط مستحقّاتهم بمؤشّر غلاء المعيشة، وعدم تقاضيها بسعر الدّولار الفعليّ المتداول في السّوق.
- عدم إقرار مرسوم ضمانهم بعد التّقاعد.
- الإعتداءات وأعمال العنف الّتي يتعرّضون لها خلال قيامهم بواجبهم المهنيّ.
- عدد الأطبّاء يفوق حاجة البلد. المشكلة الّتي تواجهها النّقابة في عددهم الكبير بالنّسبة إلى بلد صغير مثل لبنان والّذي وصل إلى 12500 طبيب في بيروت و2500 في الشّمال (طبيب لكلّ 250 مواطن)، وعدم وضع المراسيم التّطبيقيّة لقانون "إذن مزاولة المهنة والتّخصّص" الّذي صدر في العام 2013 . الّذي يحدّ من العدد ويحافظ على المستوى وقد وضعناها أخيرًا وآمل البدء بتنفيذها".
وعن حقوق الأطبّاء، تساءل: "ما العمل في ظلّ إدارات مهترئة وفاسدة؟ مع ذلك لا نكل جهدًا وصبرًا ومثابرة في المتابعة والملاحقة للمطالبة بحقوق الطّبيب وتحصيلها، وتوفير الحماية الأمنيّة والاجتماعيّة له. وللمساهمة في التّخفيف من وطأة الأزمة على الأطبّاء وعائلاتهم، عمدنا في النّقابة إلى رفع المعاش التّقاعديّ للأطبّاء إلى مليونين و400 ألف ليرة شهريًّا من دون زيادة الاشتراك السّنويّ، وإقرار تعديلات إصلاحيّة على نظام الجمعيّات العلميّة. والعمل قائم لإقرار قانون ضمان الطّبيب بعد التّقاعد، وتعديل التّعرفة الطّبّيّة، والمطالبة برفع التّعرفة الرّسميّة للعمل الطّبّي، من 7500 إلى 12,000 ليرة لبنانيّة. وتمّ الانتهاء من تحديث جدول الأعمال الطّبّيّة، كلّ هذا قبل انهيار سعر صرف اللّيرة."
ولفت إلى أنّ "العمل قائم أيضًا على إنشاء صندوق تعاضد للضّمان الصّحّيّ درجة أولى للطّبيب مدى الحياة، ضمان الطّبيب درجة ثانية، والتّفتيش جار عن تمويل له، مع الإشارة إلى الموارد الّتي تؤمّنها "الوصفة الطّبّيّة الموحّدة" و"قانون تمويل صندوق التّقاعد". لو طبّقت الوصفة لما كان التّهريب والتّخزين".
وقال: "بعد تكرار ظاهرة الاعتداءات على الأطبّاء أثناء قيامهم بواجبهم المهنيّ في مختلف المناطق اللّبنانيّة، وصلت حدّ الضّرب والعنف، أعدّت الدّائرة القانونيّة في نقابة الأطبّاء، اقتراحي قانونين رفعناهما إلى المجلس النّيابيّ، لحماية الأطبّاء ومعاونيهم من هذه الأفعال الّتي تتعارض والتّضحيات الّتي يقدّمونها، وخصوصًا في هذه الظّروف الصّحّيّة العصيبة. يهدف الأوّل إلى توفير الحصانة للطّبيب، والثّاني لحمايته من العنف ومحاكمة المعتدين عليه أثناء قيامه بعمله، وتغريم كلّ من يعتدي على أيّ عامل في القطاع الطّبّيّ والاستشفائيّ والتّمريضيّ، وقرّرنا اتّخاذ صفة الادّعاء الشّخصيّ ضدّ كلّ من يعتدي على طبيب خلال ممارسته مهنته، وقد أقرّ في آخر جلسة عامّة لمجلس النّوّاب.
المصيبة الكبرى جاءت على أثر انفجار مرفأ بيروت الإجراميّ الّذي أدّى إلى توقّف عدد كبير من الأطبّاء عن العمل، وتسبّب بضائقة مادّيّة جرّاء إصابة المستشفيات، وتعرّض عياداتهم لأضرار كبيرة إضافة إلى تحطّم ما تحتويه من معدّات طبّيّة وآلات تقنيّة، تقدّر بملايين الدّولارات، وهاجر أكثر من 2500 طبيب من الاختصاصيّين وذوي الخبرة الكبيرة بحثًا عن العمل في بلدان أخرى توفّر لهم المستقبل والأمان، ويبحث الباقون عن وجهات جديدة للسّفر والهجرة. وهذه كارثة في ذاتها. لا مشكلة لديهم بالعمل في الخارج بسبب الكفاية العالية.
لهذه الغاية، شكّلت نقابة الأطبّاء خليّة أزمة لمعالجة أوضاع الأطبّاء المهنيّة والعمليّة، في محاولة للمساعدة في إعادة ترميم العيادات والمستشفيات وتجهيزها بالتّعاون مع البنك الدّوليّ و"منظّمة الصّحّة العالميّة" والعديد من المؤسّسات ونقابات الأطبّاء في العالم، لتشجيع الجميع على البقاء والتّعاون وإعادة البناء، على رغم كلّ الصّعوبات والعوائق والتّحدّيات الّتي تواجه لبنان. لن يساعدنا أحد في غياب الإصلاح الجدّيّ. من سيقوم به الّذين أفسدوا كلّ شيء؟
فتحت النّقابة حسابًا خاصًّا في "بنك البحر المتوسّط" لتلقّي الهبات أو المساعدات الماليّة، لأنّنا في حاجة مادّيّة إلى ترميم مستشفياتنا وعياداتنا وإعادة تأهيلها وبناء ما تهدّم في أسرع وقت. وحدها نقابة أطبّاء فرنسا قدّمت إلى نقابتنا هبة مئة ألف يورو لترميم مبنى النّقابة، فلها الشّكر.
تعتبر جائحة كورونا من أبرز التّحدّيات الّتي واجهت الأطبّاء في العقد الأخير، وكان لها إيجابيّات وسلبيّات على القطاع الطّبّيّ. فمن خلالها أثبت الأطبّاء تفانيهم في تأدية واجبهم الإنسانيّ بحيث تركوا عائلاتهم وأقاموا في المستشفيات لمعالجة المصابين بهذا الفيروس الخبيث معرّضين أنفسهم لخطر العدوى، وتوزّعوا على مختلف وسائل الإعلام المرئيّة والمكتوبة والمسموعة للإرشاد والتّوعية وتقديم النّصح، وأطلق عليهم لقب "الجيش الأبيض" مع الممرّضات ونالوا محبّة النّاس واحترامهم ووصفوهم بـ"الأبطال". ولكن في أزمة المحروقات عانوا كبقيّة المواطنين ولم نستطع توفير البنزين لهم إلّا في حالات قليلة.
للأسف، خسر القطاع الطّبّيّ من ناحية أخرى عددًا من الزّملاء 45 شهيدًا خلال قيامهم بواجبهم الإنسانيّ وتوفّوا في معركتهم مع وباء كورونا وسمّوا "شهداء الواجب". وشدّدت النّقابة على أهمّيّة حماية الطّبيب والممرّضات في المستشفيات والعيادات في مواجهة وباء كورونا من طريق توفير المستلزمات الوقائيّة الضّروريّة، وتجهيز المستشفيات، وخصوصًا أقسام العناية الفائقة، بأجهزة التّنفّس الاصطناعيّ لكي يتمكّنوا من القيام بواجبهم، وإخضاع الجميع قبل إجراء العمليّات الجراحيّة لفحص PCR بطبيعة الحال، فقد انخفض عدد مرضاهم وانخفضت أتعابهم. أضف أنّ عدم التّنسيق في البداية بين كلّ الجهات المعنيّة أدّى إلى تفاقم المشكلة من كلّ النّواحي الصّحّيّة والوقائيّة والمدرسيّة وحتّى الأمنيّة وفقدت ثقة المجتمع بدولته".
ولفت إلى أنّ "الأزمة المصرفيّة فرضت ثقلها على الوضع الاجتماعيّ المعيشيّ والكلّ يعاني: لا نستطيع أن نتصرّف بأموالنا في المصارف.
علينا أن ندعم القطاع الاستشفائيّ والتّمريضيّ والطّبّيّ وصناعة الدّواء في لبنان، والإمكانات والجودة والكفاية متوافرة. ويبقى الهدف التّعاون والتّضامن بصدق وعلم وأخلاق ليتابع الأطبّاء مسيرتهم المهنيّة والإنسانيّة في ظروف أفضل وبلد آمن وسليم. ولا خروج من الأزمة إلّا بمساعدات ماليّة خارجيّة لوقف التّدهور في القطاع الطّبّيّ الاستشفائيّ والتّمريضيّ (ممرّضة معاشها 50-100 دولار)، وبإعادة النّظر بكلّ النّظام الصّحّيّ من حيث التّطبيق والتّحديث ورفع أيدي السّياسيّين عنه، وبتفعيل الشّراكة بين القطاعين العام والخاصّ وتفعيل المراقبة والمحاسبة، فالقضيّة ليست فقط علميّة بل أخلاقيّة أيضًا وفي غياب المراقبة والمحاسبة والضّمير لا بقاء لنا ولا حياة".
ثمّ تحدّث الدّكتور حجّار عن رسالة "كاريتاس" في المجال الصّحّيّ، فقال: "أزمة عميقة ومؤلمة، وللأسف تراكمت الأزمات والمصاعب حتّى أصبحنا على ما نحن عليه من فقدان كلّ مقوّمات الحياة اليوميّة الضّروريّة. فكاريتاس في بداية الأزمة، أعلنت حال طوارئ اجتماعيّة ووضعت كلّ ما لديها من مراكز اجتماعيّة وطبّيّة في حال استنفار وجهوز كامل 24/24 ساعة وطيلة الأيّام من دون توقّف.
"كاريتاس" استنفرت كلّ أجهزتها وطاقمها البشريّ وكلّ المتطوّعين في الأقاليم والشّبيبة والعاملين فيها للوقوف إلى جانب النّاس. وأنشأت خليّة أزمة تكتب توجيهات رئيس رابطة "كاريتاس" الأب ميشال عبّود ووضعنا خطّة مواجهة للأزمة على المديين القصير والمتوسّط والبعيد. على المدى القصير تلبّي كلّ من يطلب مساعدة من أيّ نوع كان غذاء دواء استشفاء، وجبات ساخنة، حليب أطفال، حفاضات وحاجات خاصّة للكبار والصّغار وإمداد مؤسّسات اجتماعيّة من دور للمسنّين ومراكز إيواء للأيتام إلى مراكز اجتماعيّة وجمعيّات أخرى حتّى مستشفيات تعثّرث وفقدت بعض المستلزمات. فكانت "كاريتاس" إلى جانبهم فهذه الحلول السّريعة لم تمنعنا من التّخطيط للمدى المتوسّط.
هذه الخليّة تعمل ليل نهار وعلى تواصل مع دول العالم الخارجيّ ومع الانتشار اللّبنانيّ لتوفير الدّعم الماليّ لتلبية حاجات المجتمع. وحرّكت كاريتاس لبنان كلّ كاريتاسات العالم الّتي يفوق عددها 140 "كاريتاس" عالميّة لكي يهبّوا لمساعدتنا على تخطّي ما نحن فيه. "كاريتاس" حرّكت الدّاخل والخارج في سبيل وضع خطّة تمويليّة لمواكبة الأزمة.
حتّى اليوم والحملة مكمّلة، 28 حملة في 3 أشهر كان عدد المستفيدين 9305 مواطن متألّم و"نايم على وجعوا وأجت كاريتاس ورفعت عنه هذا العبء". في الأيّام المقبلة حتّى شهر كانون الثّاني عدد المستفيدين من هذه الحملة المتوقّع 2000 شخص وستشمل مناطق جديدة من عكّار إلى طرابلس، صيدا، جونية ومنطقة كفرشيما والجوار.
أمّا الدّواء فقد قدّم مجّانًا إلى كلّ المواطنين الّذين تمّت معاينتهم حتّى بلغ 34884 علبة دواء في كلّ الأمراض المزمنة وغيرها وهذا حتّى تاريخه. والجهات المانحة لدعم هذه الحملة UNFPA - USAID- CARITAS SPAIN. وقد سبق هذه الحملة إجراء 100 عمليّة جراحيّة ماء زرقاء حيث قدّم الأطبّاء من مصر من الكنيسة القبطيّة مجّانًا.
الإستشفاء وهو المعضلة الكبرى بحيث الفواتير مرتفعة جدًّا، "كاريتاس" تساهم في سدّ قسم من الاستشفاء حيث أنّنا انفقعنا ما يقارب المليارين ليرة لبنانيّة مساهمة لدعم المريض على إجراء العمليّة الجراحيّة وكلّ هذا ضمن معايير محدّدة لأنّ فاتورة الاستشفاء تعجز عنها حتّى الدّولة ونعمل أيضًا بجهود الأب الرّئيس مع المطارنة والجاليات في الانتشار اللّبنانيّ لكي نتمكّن من تكملة هذا المشروع.
لكي نضع حدًّا لهذا التّدهور الاجتماعيّ، "كاريتاس" ستبقى إلى جانب الشّعب لتمكّنه بأبسط الأمور الحياتيّة اليوميّة الّتي هي من واجب الدّولة، وللأسف الدّولة غائبة، مشكورين أهل السّياسة في لبنان على البدء بالتّسجيل على منصّات وزارة الشّؤون الاجتماعيّة وهذه بداية إنّما الحلّ ناقص ويلزمه متمّمات لكي يؤدّي خدمته".
ثمّ تحدّث العلم عن عمل "مستشفى الورديّة" بعد انفجار 4 آب، وقال: "عندما نسمع 4 آب ترتجف قلوبنا ونشعر بالقشعريرة كأنّنا داخل عاصفة ثلجيّة هوجاء، عاصفة من دون نهاية. عاصفة تركت آثارها على بلدنا الحبيب لبنان. تركت آثارها في قلوب الأمّهات اللّواتي خسرن فلذات أكبادهنّ، في قلوب الأطفال الّذين خسروا أحد أفراد أسرتهم. وفي قلب بيروت الحبيبة الّتي دمّرت بسرعة البرق، وما زالت حتّى اليوم تلملم جراحاتها المحفورة على مرفئها، على مبانيها وفي كلّ شارع من شوارعها.
تركت آثارها في مستشفى راهبات الورديّة الّذي دمّر بالكامل وأصبح خارج الخدمة كلّيًّا بعد مرور 3 أعوام فقط على افتتاح المبنى الجديد فيه الّذي بنته راهبات الورديّة حجرًا وبشرًا على مرّ السّنين ليكون رسالة عطاء، خلاص ومحبّة للموظّفين والمرضى.
هنا كانت الفاجعة، لكن بفضل المموّلين والجمعيّات الخيريّة الّتي مدّت لنا أياديها وأثمرت حصولنا على الدّعم المعنويّ والنّفسيّ وبشفاعة قدّيستنا الأخت ماري ألفونسين، ضمّدنا جراحاتنا وبدأنا نقف ولو ببطء على رجلينا لنكمل هذه الرّسالة الإنسانيّة.
اليوم أعلن عن إعادة العمل واستمراره في مستشفى راهبات الورديّة كما كان قبل 4 آب، لا بل وأكثر إنّنا اليوم وبسبب الوضع الاقتصاديّ الّذي يمرّ به المواطن نقدّم المساعدة إلى المرضى، بالتّنسيق مع منبع الإنسانيّة "كاريتاس لبنان"، ونجري عمليّات جراحيّة للمحتاجين بالتّعاون مع جمعيّة "سلسلة الأمل".
على رغم أنّ المستشفيات كانت وما زالت على شفير الهاوية بعدما كان بلدنا معروفًا بـ"مستشفى الشّرق الأوسط"، اليوم أصبح القطاع الصّحّيّ يرسم مسارًا تنازليًّا ويشكل عبئًا على المواطن الّذي أصبح يخاف المرض ليس خوفًا منه ومن آلامه لكن خوفًا من نفقاته المادّيّة الّتي أصبحت توازي مدخول عامّ بكامله أو حتّى أكثر. وهكذا أصبح وجعه وجعين: جسديًّا ونفسيًّا.
هنا أودّ إحاطة سيادتكم أنّ المستشفيات بدأت تخسر كوادرها الطّبّيّة من أطبّاء وممرّضين وممرّضات بسبب الهجرة بحثًا عن فرص عمل تضمن لهم حياة كريمة بعدما خسرت رواتبهم أكثر من 90% من قيمتها وأصبحت المستشفيات ترزح تحت وطأة الكلفة التّشغيليّة، الّتي تخطّت قدرتها على الاستمرار بسبب الأزمة الاقتصاديّة الّتي أثّرت مباشرة على أسعار المعدّات والمستلزمات الطّبّيّة وصولاً إلى فقدان أدوية الأمراض السّرطانيّة وغيرها. ولا ننسى أزمة المازوت الّتي كادت تتسبّب بخسارة الأرواح بسبب عدم القدرة على توفيرها باستمرار.
مع حلول عيد الميلاد المجيد، أتمنّى من طفل المغارة أن يملأ قلوبكم بنعمته ويبعد عنكم كلّ شرّ. لكم دوام الصّحّة والعافية وليكن الطّفل يسوع وأمّه مريم نورًا ينوّر طريقكم."
وقال الخوري أبو كسم: "وقت اجتمعنا مع اللّجنة الأسقفية لوسائل الإعلام لنضع عناوينًا لبعض النّدوات اخترنا "القطاع الطّبّيّ ورسالة الكنيسة" والّذي أخبرنا به النّقيب شيء مؤلم، عدد من أطبّائنا والجسم التّمريضيّ يهاجر لتوفير لقمة العيش. نسأل أصحاب القرار السّياسيّ وهم يعرفون أنفسهم، هل المطلوب تفريغ لبنان من أطبّائه ومهندسيه وأصحاب الكفايات ليصبح بعد أدنى من بلدان العالم الثّالث؟
الكلام الّذي سمعناه من المحاضرين، كم نحن نعيش حالة يأس، حالة تسليم، "بيطلع الدّولار بينزل، في ماء ما في ماء، الكهرباء ما بتجي"، هل المطلوب تيئيس النّاس وتهجير لبنان من شبابه وأهله؟" لمن سيبقى لبنان، تاريخ لبنان، كيان لبنان، قولوا ماذا تريدون؟ إذا هذا هو الموضوع نقول لكم: هذا "صعب كتير، لأنّ الشّعب اللّبنانيّ عنده إيمان ورجاء ومتشبّث بأرضه وهذه أزمة وتمرّ.
نسمع عتبًا كبيرًا، "شو عمل تعمل الكنيسة"؟ الكنيسة تعمل بإمكانات ضعيفة في المجال الصّحّيّ والاجتماعيّ واليوم أعطينا نموذجًا عبر "كاريتاس" وهنا أحيّي الأب ميشال عبّود الّذي أتى في أزمة الثّورة والكورونا وجعل أبواب "كاريتاس" مفتوحة ونحن مسرورون منكم كثيرًا، فمؤسّسة "كاريتاس" تعمل بإمكانات ضعيفة ويمكن "ضوء شمعة في ظلمة العتمة". و"مستشفى الورديّة" نكب، لملم جراحه، والمفرح هناك مؤسّسة في المستشفى تؤمّن وتساعد في إجراء عمليّات، وهذه بارقة أمل.
نطلب من المسؤولين اللّامبالين أن يهزّوا ضميرهم، لأنّنا وصلنا إلى الحضيض، ونستحلفكم بضميركم، بعيالكم، الرّأفة بالنّاس ونحن على أبواب الأعياد والكثير من النّاس ليس في مقدورهم شراء الغذاء. ونشكر المستشفيات و"كاريتاس" ونقيب الأطبّاء الّذي رفع شأن النّقابة".
وكانت كلمة مقتضبة للأب عبّود قال فيها: "نريد تأليف خليّة أزمة: الخليّة يلزمها عناصر، ومتطوّعو "كاريتاس" يعملون بقدر المستطاع. نعرف أيضًا كم من الأطبّاء موجوعون، كم يستطيع من باب التّطوّع أن يعطينا الطّبيب قسمًا من وقته و"كاريتاس" تساعد مادّيًّا (أمس أتت سيّدة قدّمت 60 ألف دولار لعمل عمليّة عيون بس إذا باستطاعتكم توفير طبيب عيون).
نتوجه إلى كلّ بلاد الاغتراب الّتي تدعمنا، وإنّما الجماعة تريد أن تعرف "قرشن وين عم بروح". نقول لهم عم نقلّن تفضّل "كون معنا بتفهم المعنى"، وضروريّ يعرفوا قرشن وين عم ينصرف ونقدمه بكلّ شفافيّة، وما حدا لا نحنا ولا هنّي رح نقبل حدا يموت بصمت. في انفجار بيروت، مثلاً، مات 200 شخص وهدمت بيروت وكلّنا نتألّم، وأناس كثيرون يأتون إلى المستشفيات من ورا الأوكسجين (ما في كهرباء عندن وما معن يدفعوا حقّ موتور ووجع المستشفيات هودي كلّن لوحدنا ما راح نقدر، مع بعضنا البعض نستطيع".
وإختتم: "نطلق نداء مع بلاد الاغتراب "الخبزات مناكلن" ومنضلّ طيبين، من دون حبّة دوا ما راح نقدر نضلّ طيبين، خلّينا نعزّز شراكتنا. كلّ جمعيّة عندها أيّ برنامج صحّيّ دعونا نتشارك مع بعض".
وفي الختام جرى حوار مع نقيب الأطبّاء وتركّزت الإجابات على "تفعيل الدّعم والشّراكة للخروج من هذه الأزمة.