نداء من المطارنة الموارنة إلى المسؤولين في الدّولة
"1- أمام تفاقم تدهور الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة والاقتصاديّة في البلاد، وانعكاسات ذلك على التزاماتها الدّوليّة وقضاياها الدّاخليّة والإقليميّة المُلِحّة، يتوجّهُ الآباء بنداءٍ حارّ إلى القيِّمين على شؤون الدّولة، بوجوب تخطّي كلّ العوائق السّياسيّة وغير السّياسيّة الّتي تحول حتّى الآن دون تشكيل الحكومة، والتّوافق سريعًا على صيغةٍ لها تكون قادرة على مواجهة التّحدّيات، ولاسيّما الإصلاحات في الهيكليّات والقطاعات، وتوظيف أموال مؤتمر "سيدر" من أجل النّهوض بالاقتصاد، والحدّ من العجز الماليّ وتفاقم الدّيون، وإيجاد فرص عمل، وإخراج الشّعب من فقره.
2- في هذا المجال، وبعد أن أثبتت الطّبقة السّياسيّة، بسبب من تضارب مصالحها، فشلها في معالجة قضايا الدّولة والمجتمع، يؤكّد الآباء على دعوة صاحب الغبطة إلى تشكيل حكومة مصغّرة من اختصاصيّين مستقلّين، مشهود لهم بنظافة الكفّ والضّمير، قادرين على تولّي المهمّة الإنقاذيّة المطلوبة قبل انهيار الهيكل على الجميع. ويدعون بدورهم الجهات السّياسيّة إلى صحوة ضمير عاجلة، لا بدّ من أن تفضي بهم إلى استجابة مطالب الشّعب، مصدر السّلطات كلّها، وإعلان توافقهم على ما يرجوه ويتوقّعه منهم.
3- يلاحظ الآباء باستغراب شديد، وخلافًا لمنطوق الدّستور والقانون، الكلام المتداول عن سوابق وفتاوى تتناول الآن تمرير الموازنة العامّة، بدلاً من استبدال العلاجات الموضعيّة بالعلاج الأساسيّ، ألا وهو اكتمال عقد السّلطات الدّستوريّة، وتحمّل مسؤوليّاتها. وتقلقهم ممارسات آخذة بتحوير الخصوصيّة اللّبنانيّة الّتي يكرّسها الدّستور والميثاق الوطنيّ، وهي قائمة على العيش المشترك وتقاليده، وعلى الاحترام المتبادل، وصون الحرّيّة الشّخصيّة، ومطلقيّة حرّيّة المعتقد، وفقًا لمقدّمة الدّستور (ي) وللمادّتين الثّامنة والتّاسعة.
4- إنّ نزول المواطنين إلى الشّارع احتجاجًا على الحال المُزرِية الّتي يُعانونها، إنّما هو تعبير عن غضبٍ شعبيّ عامّ، يتفهّمه الآباء ويُؤيِّدون مضامينه في إطار القانون والشّرعيّة الدّستوريّة. وقد أدّت الأوضاع الاقتصاديّة إلى زعزعة النّسيج الاجتماعيّ، فتراجعت القدرة الشّرائيّة لدى معظم المواطنين، واضطرّ أكثرُ من ألفَي مؤسّسة وشركة إلى إقفال أبوابها وصرف العاملين فيها، وازدادت أعداد العاطلين عن العمل والمدفوعين إلى الهجرة، وتعرّضت الطّبقة الوسطى، الّتي تشكّل عادة العمود الفقريّ في الدّورة الاقتصاديّة، إلى الذّوبان، وأضحت الطّبقة الفقيرة تلامس الـ40 % من الشّعب اللّبنانيّ، بحيث تراجعت مدَّخرات العائلات إلى حدود التّلاشي، فأصبحت في مهبّ الرّيح أمام أيّ حادث صحّيّ او اجتماعيّ. فهل يجوز، والحالة هذه، ترك البلاد بدون حكومة منذ ثمانية أشهر، وتهاون المسؤولين في حمل مسؤوليّاتهم، بدون حسيب أو رقيب؟
5- في غمرة الأعياد الميلاديّة وبداية السّنة الجديدة، يدعو الآباء أبناءهم إلى تكثيف صلاتهم وأعمال المحبّة والتّضامن مع المحتاجين، ويناشدون مجدّدًا جميع المسؤولين أن يقوموا بمسؤوليّاتهم بضمير حيّ، وحسّ وطنيّ، وشجاعة تجعلهم يتخطّون حدود أنانيّاتهم ومصالحهم الضّيّقة، سائلين الله أن يجعل السّنة الجديدة سنة بركة ومحبّة وسلام على وطننا ومنطقة الشَّرق الأوسط المعذّبة والعالم".