نداء المحبّة والعطاء قبل أن يأتي الميلاد
ينتظرون أن تزهر الجبال سلامًا، والأرض عطاء وعدلًا، والتّلال أمانًا، والظّلمة نورًا.
إنتظار أن تصبّ سيوف الحرب والمدافع والقنابل أساور وعقودًا.
كلّها كلّها للميلاد، ميلاد الحبّ والعطاء والخلاص والفداء نداء. وأنا سأقوم إلى النّداء لأصل إلى الميلاد محمّلًا بغلال البيار، بمعاصر العنب، بطبق الخبز، وزيت الصّفاء. لأصبح أنا نهر عطاء من الحبّ من نور السّماء. هللويا! وأصبح أنا كزهر اللّوز والوزال والجربان والبلاد الذي يشع قبل رحيل البرد والثلج والرّياح ليعلن مجيء الحياة قبل وصول الجميع وأتحوّل إلى سنونو تبشّر بميلاد الخير والعطاء قبل مجيء كلّ الطّيور أو عبورها!
سأكسر قضبان قفص البغض
سأكسر قضبان قفص البغض والحقد والكره والكبرياء، لا أريد أن أكون نحاسًا يرنّ أو صنجًا يطنّ من دون محبّة، لا أريد أن أكون كائنًا مظهريًّا طقوسيًّا تافهًا وفارغًا يمارس ثرثة صلاة، وأنا لا أحب ولا أعطي وأسامح وأغفر، بل وأكره وأغضب، لا أريد أن يكون قرباني حطبًا يابسًا وحجارة تكسر أضراسي وأسناني، ولا جمرًا يحرق يدي وقلبي وعيني ورأسي.
ها هو آتٍ إنّه قريب
ها هو آت! إنّه قريب، أضيئوا سرجكم، واخرجوا إلى لقائه، العروس آت. إلبسوا ثياب العرس، ثياب الرّحمة والحبّ والرّقة واللّطف والتّواضع والحنان والحشمة والحياء والنّقاء والعفّة والتّسامح والمصالحة والتّراحم وإخلاء الذّات من الكبرياء والادّعاء والتّعالي والعناد والغضب والمشاجرة ورفض الآخر والتّمسك بالأفكار والآراء الحطبيّة وعدم التّنازل عن كلمة أو مقعد أو تصرّف وأن لا يكون سلوكك: «أنا ولا أحد».
أنا ولا مكان لآخر سواي ولو كنت لا أعرف ولا أملك المعلومات ولا الصّوت الجميل ولا الطّلة والبهاء ولا الكلمة العميقة والرّاقية والحلوة واللّطيفة والرّقيقة. أنا في نرجسيتي وأنانيتي وادّعائي وغروري بذاتي وانبهاري امام جمال صورتي في عيني نفسي وفي كلام المديح الكاذب بكلمة من حولي أو من لهم مصلحة معي، أنا سأخلي ذاتي من ذاتي... لأكون كالمسيح.
أخلى ذاته! أخلى ذاته هو...
هو القائم في صورة الله لم يعتد مساواته لله حالة مختلسة، بل أخلى ذاته آخذًا صورة عبد حائرًا شبيهًا بالبشر فوجد كبشر في الهيئة ووضع نفسه وصار طائعًا حتّى الموت بل موت الصّليب لذلك رفعه الله، رفعة فائقة وانعم عليه بالإسم الذي يفوق كل اسم لكي تجثوا لاسم يسوع كلّ ركبة كما في السّماوات وعلى الأرض وتحت الأرض ويعترف كلّ لسان بأنّ يسوع هو ربّ لمجد الله الآب (الرّسالة إلى الفيليبين: 2/6-11).
وآخذ أشدّ أوتار قيثارتي وارخيها لأنشد له النّشيد السّوي كمال يقول طاغور نشيد حبّي قبل أن يأتي ويسحرني جماله... كل شيء يتحوّل وتتجدّد التّحولات والانتظارات الكبرى ابتدأت لموعد اللّقاء بالمخلّص يسوع المسيح ابن الله الفادي متجسدًا إلهًا وبشرًا تنتظره الشّعوب والكون وينير الليل وينزل ملائكته من السّماء ينشدون لمجده في الأعالي ولسلامه على الأرض ولفرح القلوب في الأرض وتكسر شريعة العين بالعين والسّن بالسن لتقوم بديلًا عنها شريعة المحبة حتّى للأعداء والمغفرة والمسامحة والمصالحة.
بميلاد يسوع تألّه الإنسان
ويتألّه الإنسان ويصبح فيه كما قال بولس الرّسول: "ليكن فيك من الأقوال والأفكار والأعمال ما في يسوع المسيح.. وأنتم رائحة المسيح الطيبة."
وينشر انجيل الطّوبى شريعة جديدة للعالم ويكون جسد ودمّ المسيح المخلذص الفادي عهدًا جديدًا للمحبّة والفداء نذكره إلى نهاية الايام، وبهذه المحبّة يعرف العالم أنّنا تلاميذ المسيح.
لا ميلاد من دون محبة
لا ميلاد من دون محبة، لا ميلاد من دون مغفرة ومصالحة ومسامحة، لا ميلاد من دون عطاء وخدمة وافراغ الذّات ليجد له يسوع مكانًا في قلبنا وإلّا يبقى قلبنا مغلقًا والمسيح واقف على باب ينتظر ويقرع بالمحبّة.
لا ميلاد بالكره والحسد والبغض والكبرياء والادّعاء، بل الميلاد هو السمحاء كما فعل المسيح الإله ابن الله، وولد فقيرًا في مغارة بيت لحم لأجل فدائنا وخلاصنا شلوح الصّفوي المنتظرة وصوله في قريتي الشّبانية تتشلّع من كثرة الثّلج الذي غطى الميدان، وأنا أخاف أن يضيع يسوع دربه من مفرق الطّرق أمام بيتنا في الشّبانية ولا يعرف أن يصل إلى المغارة التي تنتظر قدومه على أقدام أمّه الجميلة سيدة الشّبانية المنمّشة الوجه الرّائعة الجمال وهي أيضًا تنتظر مع أهل القرية الطّيبين المالئين أرجاء الكنيسة بأناشيد الميلاد «شوبحو لهو قولو» «ارسل الله» «يا لسان المدح انشد» قدوس، قدوس، قدوس الله.
أرسم له آثارًا بجسدي الصّغير
أخاف على يسوع الآتي إلى عندنا في ذلك اللّيل والبرد والثلج فأرتمي بجسدي الصّغير، وأنا الطّفل الصغير لأرسم له دربًا بآثار جسدي من أمام بيتنا في أوّل ميدان الشّبانيّة حتى باب كنيسة السّيدة ولا أريد أن يصل الى عندنا من دون أن ينتظره أحد على الثّلج. كنت أنتظره وقلبي يحترق لموعد اللّقاء به وأقدّم له حبي وبراءة طفولتي.
تعالوا لنسمع كلّنا نداء المحبّة والعطاء قبل أن يصل الميلاد فنحمل في قلوبنا مشاعل الحبّ والسّلام والمصالحة والتّواضع والاهتمام بالفقراء والمرضى والمساكين والجياع والمتروكين الموجوعين والمهمّشين ولا نجعل الميلاد زينة وأنوارًا وملابس ومآدب لا تكتفي بذاتنا لوحدنا في الميلاد بل لنفتح قلبنا ويدنا وبيتنا لأخوتنا المحتاجين لتولد الرّحمة في حياتنا ويكون لنا على الأرض ليلة وصوله على الأرض بعض أيّام السّماء.
شربل إلتقاه ليلة الميلاد
أمّا القدّيس شربل الذي بقي ينتظره طوال عمره والتقاه ليلة 24 كانون الأوّل ليلة الميلاد عندما أسلم روحه بيد الله ورحل عن هذه الدّنيا حيث التقاه طوال حياته، رحل ليكون له اللّقاء الدّائم في السّماء!...