نداء من الأب الياس كرم: لتستعيد شاشات التّلفزة في لبنان بريقها
"تتضارب الآراء حول البرامج الّتي تبثّها شاشات التّلفزة منها الإيجابيّ ومنها السّلبيّ. لقد ازدادت في الآونة الأخيرة مشاهدة التّلفاز بسبب جائحة الكورونا الّتي أجبرت الكثيرين البقاء في المنازل وبالتّالي أصبحت هذه الشّاشات المصدر الأوّل لتقطيع الوقت والتّسلية، في حين أنّ هناك وسائل عديدة يستطيع الإنسان أن يترجمها إيجابًا في ظلّ الحجر الّذي نعيشه ومنها القراءة والرّياضة، علمًا أنّني لا أعارض متابعة التّلفزيون ولكن ليس لدرجة الإدمان. بالمقابل نحن مدعوّون أن نُحسن اختيار المحطّة والبرامج ونتوجّه مع أولادنا لاختيار المناسب، فشاشات التّلفزة تجمع العائلات عكس وسائل التّواصل الاجتماعيّ.
شئنا أم أبينا التّلفزيون من مستلزمات الإنسان اليوميّة، وقد خُضت هذه التّجربة عبر شاشة نورسات ببرامج متعدّدة كانت حافزًا لي للغوص أكثر فأكثر في عالم التّلفزيون، وفهمت أنّ الشّاشة لها رهبتها وإعداد البرامج له قواعد والحوار البنّاء أمر مقدّس، لذا تقع على إدارة هذه المؤسّسات ومعدّي البرامج ومقدّميها مسؤوليّة كبيرة بإيصال رسالة راقية إلى المشاهدين، فلا يجوز مثلاً ترويج لأشخاص ينشطون عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ بأمور غير أخلاقيّة واستضافتهم في سبيل تحقيق scoop إعلاميّ ضاربين بعرض الحائط كافّة القيم والأخلاق. فضلاً عن برامج وإنتاجات محلّيّة تفتح الباب أمام تفاهات متعدّدة وتطلق العنان لمجموعة أشخاص لا يتقنون الحدّ الأدنى من الكفاءات الثّقافيّة والعلميّة، ويعبّرون عن غرائزهم وكراهيّتهم تجاه الآخر. من ناحية ثانية معظم هذه الشّاشات وعلى تنوّعها تساهم، وللأسف، يوميًّا بالتّسويق لطوائف وزعامات وأحزاب وتيّارات وفئات، وتروّج لأفكار وطروحات مشبوهة، وتنتج برامج talkshow باتت أقرب إلى حلبات المصارعة وإطلاق خطابات تحريضيّة وتأجيح الصّراع الطّائفيّ والمناطقيّ والإسفاف الكلاميّ والأخلاقيّ، تفلّت لا مسؤول تحت شعار حرّيّة الإعلام، ولا من رقيب أو حسيب.
واكبت تلفزيون لبنان منذ صغري وشاهدت الكثير من إنتاجاته الجميلة الرّاقية، وبحجّة التّطوّر ومواكبة العصر تُستباح الشّاشة بمظاهر لا أخلاقيّة ومتدنّية ورخيصة! أين البرامج الثّقافيّة؟ أين البرامج التّوجيهيّة والاجتماعيّة والعلميّة والتّربويّة؟ معظم هذه البرامج الّتي تُعرض قوامها الجنس والخيانة والمخدّرات والميسر، وأنا لا أنكر أنّها تنقل واقع المجتمع بمكان ما، لكن بمعظمها تهدف إلى الكسب المادّيّ والرّبح الطّائل بدون إيصال الرّسائل التّوجيهيّة والحلول النّاجعة.
لبنان، يا قادة الإعلام التّلفزيونيّ، بحاجة إلى ضمائركم ليس لتسعير الخلافات وتأجيج الصّراعات لمصلحة الزّعماء وتنفيذًا لأجندات. الجيل الصّاعد بحاجة إلى برامج توجيهيّة تحاكي الأخلاق والقيم. مَن قال إنّ الشّباب اللّبنانيّ يريد تقليد مساوئ الغرب بالمطلق، معظم شبابنا لا زال محافظًا على قيمه وأخلاقه رغم كلّ الظّروف المأساويّة الّتي يعيشها. من هنا ينبغي على المؤسّسات التّلفزيونيّة إنتاج برامج توجّه البوصلة نحو الإيجابيّات والإضاءة على الزّمن الجميل الّذي عاشه لبنان بأوقات متعدّدة. وبالمناسبة أحيّي شاشة تيلي لوميار، وكافّة الفضائيّات التّابعة لها، لإيصال رسالة مقدّسة رغم الظّروف المادّيّة الصّعبة، وقد استطاعت بقدرات محدودة إنتاج برامج توجيهيّة متعدّدة لاقت رواجًا وإقبالاً كبيرين من المشاهدين الّذين يسجّلون انحيازهم لهذه المحطّة لما تحمل من قيم وروحانيّة تعزّي النّاس في هذه الظّروف الصّعبة وفي كلّ الأوقات.
آمل في خلاصة هذا المقال أن تستعيد شاشات التّلفزة في لبنان بريقها ولا تكون بوقًا إلّا للحقّ وصدًى منيعًا في وجه الباطل، ويسهر القيّمون على هذه الشّاشات على إنتاج برامج تليق بشعبنا المتعطّش للسّلام والهدوء والآمان والاستقرار وراحة البال."