لبنان
17 تشرين الثاني 2023, 12:50

نداء البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان لمناسبة اليوم العالميّ للفقراء

تيلي لوميار/ نورسات
مع إطلاق الدّورة العاديّة السّادسة والخمسين– فتقا لمجلس البطاركة الكاثوليك في لبنان ما بين 6 و9 تشرين الثّاني الجاري، أطلق المجلس نداءً جاء فيه:

"نحن أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان الملتئم في دورته السّادسة والخمسين، في دار سيّدة الجبل، (فتقا- كسروان 6-9 تشرين الثّاني 2023) استعدادًا منّا لإحياء اليوم العالميّ للفقراء، في 19 تشرين الثّاني الجاري، نوجّه هذا النّداء- الصّرخة من صميم التزامنا بخدمة المحبّة التّفضيليّة للفقراء، والسّعي إلى تأمين عيشهم بكرامة.

إنّها صرخة المنسيّين، والمتروكين، والمهمّشين، أولئك الّذين يميل النّظر عنهم في الوقت الّذي يتزايد عددهم في لبنان يومًا بعد يوم. هذه الصّرخة هي صرخة الفقراء المحتاجين إلى مال وخبز وكساءٍ، هي صرخة المرضى الّذين يموتون في بيوتهم لعدم قدرتهم على تكاليف العلاج. هي صرخة ذوي الاحتياجات الخاصّة لعجز المراكز المتخصّصة لهم عن خدمتهم. هي صرخة الفقراء الجدد السّاقطين من الطّبقة المتوسّطة إلى الفقيرة، والمجبرين على القيام بأعمال صغيرة متعدّدة ليكسبوا بجهد قوتهم اليوميّ. هي صرخة المتقاعدين والمحرومين من أجور، والأطفال المحرومين من مدرسة وتعليم. إنّها صرخة مئات الآلاف من الأشخاص على اختلاف الأعمار والمناطق والأديان الّذين حُكم عليهم بالفقر واليأس.

هذه الصّرخة هي صرخة الموظّفين والأساتذة والمعلّمين، والممرّضات والممرّضين، والعاملين الاجتماعيّين والمساعدين الطّبيّين، والعسكريّين والقوى الأمنيّة، الّذين يؤدّون كلّ يوم مهمّة رائعة مع أكثر الّناس احتياجًا، في ظروف عمل قاسية لا تليق بكرامة الإنسان بسبب إهمال المسؤولين في الدّولة وتقاعسهم وفسادهم.

هذه الصّرخة هي صرخة المسؤولين عن المؤسّسات: مديري المدارس، ورؤساء الجمعيّات الإنسانيّة والاجتماعيّة، ورؤساء المراكز الصّحّيّة ودور استقبال المسنّين وخدّام المحبّة المجّانيّة. إنّها صرخة أولئك الرّجال والنّساء المسؤولين الملتزمين تجاه الأكثر ضعفًا، المتخبّطين في دوّامة الأزمات الّتي لا تنتهي، من أجل خدمة المواطنين اللّبنانيّين، فيما الدّولة تحرمهم من مستحقّاتهم، بل تحاربهم.

إنّنا نذكّر المسؤولين في الدّولة أنّ كلّ إنسان يتمتّع بحقوق أساسيّة، وبخاصّة الحقّ في العيش بكرامة، والتّعليم، والعمل، والصّحّة. هذه الحقوق منصوص عليها في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الّذي وقّعه العديد من الدّول، وأوّلهم الدّولة اللّبنانيّة. فيلزمها، والحالة هذه، الإيفاء بواجباتها ولا تدع هذه الحقوق تُنتهك يوميًّا في لبنان. إنّ الأزمة الّتي تمرّ بها بلادنا والاضطرابات الإقليميّة لا يمكن أن تبرّر قطعًا عدم احترام هذه الحقوق الأساسيّة وكأنّه أمر طبيعيّ. إنّ هذا الوضع غير مقبول ومُدان.

فيا أيّها المسؤولون في الدّولة اللّبنانيّة اعلموا أنّ الجمعيّات الأهليّة والتّربويّة والطّبّيّة والاجتماعيّة على مختلف انتماءاتها، لم تعد قادرة لوحدها على القيام برسالتها، فيما الدّولة اللّبنانيّة كشريك أساسيّ تتخلّى عن دورها ومسؤوليّتها. لقد قامت هذه المؤسّسات بخدمة الشّعب اللّبنانيّ طوال تاريخه وبكلّ تنوّعه، ولكن بإهمالكم تحكمون عليها بالموت البطيء. وبذلك تهدمون ما أمضى أجدادنا قرونًا في بنائه، وتضحّون بالجيل الحاليّ وتقضون على المستقبل. فإذا أَغلقت هذه المؤسّسات والجمعيّات أبوابها، مَن سيهتمّ بالمعوّقين، ويعتني بالمرضى، ويعلّم الأطفال، ويسدّ حاجات الفئات الأكثر عوزًا في لبنان، خلال السّنين القليلة المقبلة؟ مرّة أخرى نقول لكم: لم يعد بوسعنا قبول ما هو غير مقبول، والاستمرار على هذا النّحو. لقد طفح الكيل!

إنّ صرختنا ليست فئويّة ولا إيديولوجيّة، بل هي لمكافحة الفقر والعبث بكرامة المواطنين. وهي لإسماع أنين الفقراء، والدّفاع عن حقوقهم. هذه الصّرخة هي صرخة الضّمير الوطنيّ الموجّهة أوّلًا إلى المسؤولين في الدّولة اللّبنانيّة، كي يتحمّلوا مسؤوليّاتهم تجاه الفئات الأكثر حرمانًا، ويضعوا حدًّا لهذا الظّلم، ويقوموا بواجباتهم تجاه شعبنا الّذي جعلوه فقيرًا مستعطيًا بفسادهم. ونوجّه هذا النّداء إلى الرّأي العامّ اللّبنانيّ والمنتشرين في القارّات الخمس للانضمام إلينا في حمل قضيّة من لا يملكون شيئًا. كما نوجّهه إلى المنظّمات غير الحكوميّة المعنيّة بالمساعدات الإنسانيّة العالميّة، لانتشال الشّعب اللّبنانيّ من حالة الفقر فيستعيد كرامته ويقوم برسالته في بيئته المشرقيّة.

إنّنا نودع عناية أمّنا مريم العذراء، سيّدة الفقراء، هذه الصّرخة، راجين أن تصل إلى كلّ الضّمائر والقلوب، وتثمر محبّةً وعدالة، تمجيدًا "لله المحبّة"."