لبنان
07 تشرين الثاني 2018, 10:21

نحن المسيحيّون لا نعبد مريم العذراء بل نكرّمها ونطلب شفاعتها

ينتهي شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر، وهو الشّهر المكرّس لصلاة الورديّة وتكريمها وطلب شفاعتها وللتّأمّل في أسرار المسبحة الورديّة وعلاقتها بحياة مريم العذراء وارتباطها بابنها يسوع وحياته. هي أمّ يسوع الإله الابن فهي إذًا أمّ الله وسلطانة السّماوات والأرض، السّلطانة القديرة والشّفيعة المستجابة، وشفاء المرضى وعزاء الحزانى، وابنها لا يردّ لها طلبًا وهي مرهوبة كجنود تحت الرّايات.

 

الصّلاة​ على أصابع اليد

كان النّاس يصلّون على أصابعهم للعذراء مريم "السّلام الملائكيّ"، حتّى أنّ جنود الحملات الصّليبيّة لمّا أرادوا أن يصلّوا اقترح عليهم بطرس النّاسك أن يصلّوا على حبل عليه عقد تشبه حبّات المسبحة أو "السّلام الملائكيّ"، بسبحة تشبه الورديّة بمئة وخمسين عقدة، صلاة مئة وخمسين سلامًا للعذراء على عدد المزامير. وكان ذلك في مطلع القرن الحادي عشر، أمّا في القرن الرّابع فقد اقتصر فرض الرّهبان على تلاوة الأبانا والسّلام وترتيل المزامير، وعددها مئة وخمسين مزمورًا، ولمّا ظهرت العذراء على القدّيس عبد الأحد قام بتنسيق هذه الصّلاة ونشرها بين المؤمنين ودعيت بصلاة "المسبحة الورديّة".

عبد الأحد والبدع

في أيّام القدّيس عبد الأحد، ظهرت بدع كثيرة وملأت مدنًا كثيرة في ​إسبانيا​ وفرنسا و​إيطاليا،​ فالتجأ القدّيس عبد الأحد إلى مغارة في مدينة تولوز في ​فرنسا​، وراح يصلّي طالبًا شفاعة العذراء فظهرت له العذراء بصورة سيّدة جميلة ومعها ثلاثة سيّدات كلّ واحدة منهنّ معها خمسين فتاة بثياب مختلفة.

السّيّدة الاولى بثياب بيضاء علامة على أسرار الفرح.

السّيّدة الثّانية بثياب حمراء علامة على أسرار الحزن.

السّيّدة الثّالثة بثياب مذهّبة علامة على أسرار المجد.

كان ذلك سنة 1213 وفي سنة 1216 أسّس رهبنة ​الدّومينكان​.

وأضاف ​البابا​ القدّيس يوحنّا بولس الثّاني سنة 2002 أسرار النّور.

كالوردة على ضفاف ​المياه​

أمّا تسمية الورديّة فقد أتت من جملة في كتاب سفر الحكمة "كالوردة المغروسة على ضفاف المياه" وفي سفر الجامعة "كالوردة المغروسة في أريحا".

الأسطول التّركيّ يزحف والعذراء تردّه

سنة 1571، زحف الأسطول التّركيّ على إيطاليا عبر ​البحر المتوسّط​ ليحتلّ ​أوروبا​، فاستنجد البابا بيوس الخامس بالدّول الأوروبّيّة فأنجدته إيطاليا وإسبانيا وفرنسا و​ألمانيا​ و​النّمسا​ وبأساطيلها. والتقى الجيشان قرب جزيرة "ليبانتيا"، هناك شتّت الرّياح المراكب ​المسيحيّة​ وعاكستها ولاحت في الأفق الهزيمة والخسارة ودبّ الهلع والخوف في النّاس فدخل البابا غرفته وأخذ بالصّلاة كما فعل موسى على رأس الجبل.

صلّى المسبحة الورديّة وانقلبت الرّياح منعكسة على مراكب الأتراك فانهزموا وتراجعوا وهربوا وانتصرت المراكب المسيحيّة، فأضاف البابا إلى طلبة العذراء "يا معونة النّصارى"، بعده أضاف البابا غريغوريوس الثّالث عشر جملة "يا سلطانة الورديّة المقدّسة".

وسنة 1965، أخذ البابا بولس السّادس من متحف الفاتيكان الأعلام التّركيّة والبيارق المأخوذة غنيمة من الحرب وأهداها لتركيا​ عند زيارته لها.

الأتراك مجدّدًا

وعاد الأتراك بعد مئة سنة لغزو أوروبا من البرّ، وحاصروا مدينة ​فيينّا​ مدّة عشر سنوات، وكان جان سوبيسكي ملك ​بولونيا​ يقود الجيوش الأوروبّيّة المسيحيّة، فلمّا رأى صعوبة الانتصار صعد إلى تلّة هناك وصرخ طالبًا النّجدة من العذراء، رافعًا لها مسبحة الورديّة عندها نفذت ذخيرة الأتراك، فتراجعوا وولّوا هاربين.

كان ذلك في 13 أيلول/ سبتمبر 1683 وكرّس البابا شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر بكامله للورديّة المقدّسة.

الشّفاعة الفعّالة

إنّ شفاعة الورديّة وأمّ الله مريم البتول لا تردّ عند ابنها الوحيد ​يسوع المسيح​، وكما نقول نحن في حياتنا من كان للعذراء عبدًا لن يدركه الهلاك أبدًا. فلتكن صلاتها معنا دومًا هي الأمّ الحنون، هي ملجانا ورجانا وعليها اتّكالنا. فنحن كما يقول الأب ​يواكيم مبارك​ مريم والعبادة ولا يخلو بيت وطريق من معبد لها ولا يخلو عنق من أيقونتها فلها الإكرام والمديح والحبّ، وهي تزنّر ​لبنان​ واقفة على جميع جباله تحرسها.