نتائج واعدة لتطوير لقاحات السرطان
عادة ما تطور اللقاحات بهدف الوقاية من الأمراض، لكن لقاحات السرطان أمر مختلف، فهي بمنزلة علاج محتمل لمن هم مصابون فعلًا بالسرطان. كانت هذه العلاجات قيد التطوير في المختبرات لسنين طوال، وشهدت العملية إخفاقات متوالية، لكنها أخيرًا بدأت تؤتي ثمارها. أسهم التقدم العلمي في العقود الماضية في تمكين العلماء من دراسة الأورام السرطانية وتسلسلها الجيني من قرب، وبالتالي تصميم لقاحات موجهة بأهداف محددة. في الوقت ذاته ازداد فهمنا لأجهزة الجسد الدفاعية وطريقة عملها لتدمير الأورام السرطانية بشكل تلقائي. تقول "نينا باردواج"، أخصائية علم الأورام وأمراض الدم لدى "مدرسة ماونت سيناي للطب" في نيويورك: "ما تزال أبحاث لقاحات السرطان في المهد، لكن عشرات التجارب السريرية على أنواع متعددة من الأورام بدأت تبدي نتائج مبشرة". ويبقى الهدف الرئيس من تطوير اللقاحات هو تدمير الخلايا السرطانية، لكن بعض العلماء حملوا على عاتقهم مهمة تطوير لقاحات تحمي المعرضين للإصابة بالسرطان وتمنع تشكل الخلايا السرطانية بصورة استباقية.
تقوم الخلايا التائية اللمفاوية بتمييز المستضدات على سطح الخلايا السرطانية ومن ثم الارتباط بها، ثم تعطي إشارة لإرسال المزيد من الخلايا التائية وتدمير الخلايا السرطانية.
ما هو لقاح السرطان؟
الهدف من اللقاحات عمومًا هو تدريب الجهاز المناعي على تهديد هدف بعينه وتدميره للحفاظ على سلامة الجسد. لقاحات "كوفيد-19" تعلم جهاز المناعة كيف يحدد فيروسات "سارس كوف 2" حتى تستطيع الخلايا المناعية إيجادها وتدميرها فور دخولها جسم الإنسان. تعمل لقاحات السرطان بشكل مشابه، إذ تعلم جهاز المناعة كيف تبدو الأورام الخبيثة حتى يتمكن من العثور عليها وتدميرها قبل أن تحدث أي ضرر. قدرة لقاحات السرطان على تعليم جهاز المناعة هي ما يميزها عن العلاجات المناعية الأخرى التي تستخدم عناصر علاجية خارجية، مثل بروتين السيتوكين، وتعديل الخلايا المناعية للمريض باستخدام الهندسة الجينية لمكافحة الأورام الخبيثة. وتعتمد بعض اللقاحات العلاجية للسرطان على استخلاص خلايا مناعية متغصنة من عينة دم المريض، وتعريضها لبروتينات مستخلصة من الخلايا السرطانية، ثم إعادة هذه الخلايا المناعية المدربة إلى جسد المريض بحيث تُحفز وتدرب الخلايا المناعية الأخرى، كالخلايا التائية، لتحدد الورم السرطاني لأجل تدميره.
كيف تصنع لقاحات السرطان؟
يعتمد صنع لقاحات السرطان عمومًا على بروتينات يُطلق عليها اسم "المستضدات السرطانية"، وهي جزيئات تقوم بتفعيل استجابة مناعية في الجسم عندما تتواجد بشكل مفرط على سطح الخلايا السرطانية أو حين تتواجد بصورة غير طبيعية أو متحورة. ما أن تلاحظ الخلايا التائية هذه المستضدات حتى تهاجمها بهدف التخلص منها. يعكف العلماء على فحص هذه المستضدات السرطانية لتمييز أدق الاختلافات بينها، ومعرفة أيها يستطيع تفعيل استجابة الخلايا التائية وبالتالي استخدامه في صنع اللقاح. يدرس العالم " ستيبان شوينبيرغر" الخلايا التائية لدى مجموعته البحثية، بهدف تحديد المستضدات التي تتفاعل معها الأجهزة المناعية. وعن طريق تحديد المستضد الفريد في جسم كل فرد منهم، سيتم تجميع هذه المستضدات السرطانية معًا. لذا يرى شوينبيرغر بأن هذه الخطوة قد تصنع لقاحًا عالي الكفاءة.
قد يبدو الأمر بظاهره بسيطًا، لكن هذه اللقاحات تستهدف جزيئات تنتجها الخلايا السرطانية بكثافة عالية، لكنها موجودة بنسب منخفضة في الخلايا السليمة أيضًا بحيث لا تستعدي استجابة جهاز المناعة. "هنا المعضلة"، تقول "ليزا بترفيلد"، عالمة جهاز المناعة من "جامعة كاليفورنيا"، فهناك مخاطر من التسبب بأمراض مناعية، إذ يقوم جهاز المناعة بمهاجمة الخلايا السليمة، وتلك مشكلة يصعب علاجها. تتركز الجهود البحثية الآن على إيجاد مستضدات متناهية الصغر تدعى "نيوأنتيجين" مرتبطة حصريًا بالخلايا السرطانية. تقول بترفيلد "ما تزال تجارب لقاحات السرطان في مراحل أولية، وما يزال أمامنا طريق طويل لإتقان صنع كل من اللقاحات الوقائية والعلاجية".
المصدر: National Geographic