ميناسيان: نحتاج اليوم إلى عودة الرّوح الوطنيّة الّتي تعكس رسالة الميلاد
وفي تفاصيلها، جاء:
"المجد لله في العلى، وعلى الأرض السّلام، وللنّاس المسرّة." بهذه البشارة السّماويّة أضاءت السّماء، وملائكة الرّبّ نزلت معلنةً للعالم إنّ النّور قد أشرق في الظّلمة، وإنّ الله تجسّد بيننا ليمنحنا الرّجاء والخلاص.
ميلاد المسيح ليس مجرّد حدث تاريخيّ أو احتفال عابر، بل هو فعلٌ إلهيّ غيَّر وجه البشريّة إلى الأبد، وأعطاه رونقًا ومعنى، كما وحمل معه رسالة المحبّة والتّضحية: "إن أردتم أن يعرفونكم أنّكم تلاميذي فأحبّوا بعضكم بعضًا". رسالة المحبّة الّتي توجّهنا إلى الطّريق الّذي يُختصر بكلمته "أنا هو الطّريق" ومن سلك هذا الطّريق نال السّلام فلذا يبقى هو الهدف الوحيد في حياتنا، ومع التّضحية يثبّتا سرّ الحياة.
في تلك اللّيلة المقدّسة، قرّر الله أن يأتي إلينا لا كملك متوَّج، بل كطفلٍ وُلد في مذود بسيط، ليُظهر لنا أنّ القوّة الحقيقيّة تكمن في التّواضع، وأنّ العظمة الحقيقيّة تبدأ بخدمة الآخر. في واقعنا اليوم، المليء بالصّراعات والانقسامات والتّحدّيات، ميلاد المسيح يذكّرنا أنّ الله يقترب منّا دائمًا ليعيد بناء ما تهدّم، وينير قلوبنا بحقيقة السّلام، ولكن علينا أن نبدأ بأنفسنا أوّلًا وإن امتثلنا به، وتبنّينا مبادئه حينئذٍ نكون قد شاركنا نوره وشعاعه الّذي سيضمّ لبناننا الجريح، حيث الأزمات تخنق المؤسّسات والشّعب، فلذا نحتاج اليوم إلى عودة الرّوح الوطنيّة الّتي تعكس رسالة الميلاد.
إنَّ انتخاب رئيسٌ للجمهوريّة ليس مجرّد استحقاق دستوريّ، بل هو عمل مقدّس يعبّر عن مسؤوليّة عميقة تجاه الوطن وشعبه. نحن بحاجة إلى قائد يعمل بروح المسؤوليّة الّتي تُجسّد رسالة المسيح الّذي فدى نفسه لخلاص الشّعوب من عبوديّتهم، أيّ أعطاهم الحرّيّة والسّلام، هكذا هذا الرّئيس سيضع مصالح الوطن فوق كلّ شيء، ويحمل في قلبه همّ النّاس ومعاناتهم ويعيد للمؤسّسات حيويّتها، وللشّعب ثقته بمستقبل أفضل. هذه هي رسالة الميلاد ميلاد ملك التّآخي والسّلام وهذه هي صورة القائد أن لا تكون محصورة في شخص أو منصب، بل في مسؤوليّة تبدأ في كلّ واحدٍ منّا. وحدها بالمحبّة والتّضحية الّتي يجسّدها يسوع، قادرة على أن تجمع المفرّقين، وتعيد البناء من رماد الخلافات لأنّ الحروب والصّراعات، سواء كانت سياسيّة أم اجتماعيّة، لا تصنع وطنًا.
الميلاد هو لحظة نعود فيها إلى ذواتنا، لنطهّر قلوبنا ونستقبل فيها نور المسيح. الميلاد هو دعوة لأن نصبح أدوات سلام، نعمل على دفن الانقسام، ونُحيي روح المحبّة والتّسامح ليس فقط في وطننا الحبيب لبنان وفي حياتنا اليوميّة لا بل في جميع أنحاء الشّرق الأوسط الّذي يتألّم في انشقاقاته وتحدّياته. هكذا نضيء حياتَنا كما أضاءت السّماء ليلة الميلاد بنورٍ لا يخبو. فلتكن ليلة الميلاد، ولادة للنّور. في هذه اللّيلة ليلة الميلاد، يزدهر الرّجاء. في ليلة الميلاد، تُدفن الحروب وتشرق شمس السّلام وتعمّ المحبّة بين أبناء الوطن."