لبنان
24 نيسان 2023, 14:00

موسي في رسالة رعائيّة لمناسبة عيد مار جاورجيوس: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة، عيد مار جاورجيوس اللّابس الظّفر شفيع راعي أبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس السّابق جاورجيوس خضر، وجّه الرّاعي الحاليّ سلوان موسي رسالة رعائيّة تحت عنوان: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟ كتب فيها:

"السّؤال الإنجيليّ الّذي قضّ مضجع الشّابّ الّذي سأله ليسوع: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة؟" (مرقص 10: 17) مطروح على ضمير كلّ مسيحيّ. أمّا جواب القدّيس جاورجيوس اللّابس الظّفر على هذا السّؤال فقد تبيّن لنا في سيرته الحافلة بالأجوبة، جواب نابع من قيامة المسيح، في تأكيد مطلق على سيادة المسيح عليه، أوّلًا بالفقراء الّذين سيَّدهم عليه، ثمّ بالعبيد الّذين أكرمهم، قبل أن يسير مسار الشّهادة للقائم من بين الأموات، شهادة للحقّ وعبادة للإله الحقيقيّ وعيشًا للوصيّة الإنجيليّة القائلة بأنّه ما من حبّ أعظم من أن يبذل المرء نفسه عن أحبّائه.

جواب القدّيس جاورجيوس نابع من إيمانه بالمسيح، من التصاقه به، من اتّكاله عليه، من معرفته للحقّ، من استعداده للتّضحية في سبيله، من محبّته لله وللقريب (بالمعنى الإنجيليّ) أيّ كان، أَكان قريبًا من المسيح أم بعيدًا عنه، من نعمة الله الّتي ضاعفها في خوضه غمار العذابات الّتي تعرّض لها ولم تثنِه عن بلوغ مأربه: المسيح قام ويقيم معه الإنسان إلى معرفة الآب السّماويّ والإيمان به والحياة الأبديّة معه.

هذا كلّه ممكن متى ابتغى وصايا الله وعاشها. يتجلّى ساعتها ابنًا محبوبًا، وأخًا للابن الّذي صار باكورة الرّاقدين. على هذا القياس، يصحّ فيه ما قاله الرّسول عن يسوع، رئيس الكهنة العظيم والّذي يشبه إخوته في كلّ شيء ما خلا الخطيئة: "لأنّه في ما هو قد تألّم مجرَّبًا يقدر أن يعين المجرَّبين" (عبرانيّين 2: 18). بهذا هو شفيع لنا أمام العرش الإلهيّ.  

والسّؤال الإنجيليّ عينه أمر يرميه علينا بتواتر سلفي، صاحب السّيادة المتروبوليت جاورجيوس، فيما نشاركه مائدة الطّعام. في البدء، أخذنا السّؤال على عاتقنا، أيّ أنّه سؤال يخصّنا، يخصّ مسارانا الرّوحيّ ودعوته إيّانا لليقظة والسّهر على ألّا ننسى معنى حياتنا إن أردنا أن نكون تلاميذ للمسيح. ولكن سؤال كهذا على لسانه بات يوقظ لديّ انتباهًا من نوع آخر، ألا وهو يقظة السّائل على مساره هو، فيكون تساؤله مطروحًا في معرض تهيئته ليعطي جوابًا على هذا السّؤال أمام منبر المسيح، جوابًا نابعًا من حقيقة إيمانه. فكيف لك أن تجيب مثل هذا السّائل اللّجوج؟  

لأنّ السّائل هو رئيس الكهنة هذا، ولأنّه "تألّم مجرَّبًا" فأعان المجرَّبين، فإنّه ليس لديّ سوى أن أردّد ما ورد في المزمور: "أنا لك، فخلّصني" (118: 94). لقد شرح هذه الآية القدّيس صفرونيوس (ساخاروف)، تلميذ القدّيس سلوان الآثوسيّ، حيث أوضح أنّ مَن يواجه الله بهذه الصّلاة إنّما هو مَن ابتغاه من كلّ القلب وخدمه من كلّ النّفس، على قدر طاقته، بسعي دؤوب. بإختصار، هو مَن أعطى ذاته لله، بغضّ النّظر عمّا حقّقه أو أخفق في تحقيقه، لا بل معرضًا عن كلّ شيء من أجل الّذي هو الكلّ في الكلّ.

أَلعلّي أخطأتُ في أن أجيب على هذا النّحو سائلي اللّجوج؟ هل لنا أن نفحص مثل هذه الأمور؟ نشكّ الله أنّ راعينا الجليل يقظ على نفسه وعلينا وعلى كنيسته، ويدفع بكلّ منّا إلى تبنّي هذه اليقظة في حياته الشّخصيّة وخدمته وصلاته، فلا يكون بعيدًا عن المعنى المقصود بهذه الصّلاة، بل تشمله بهذه البنوّة المجّانيّة الّتي يقدّمها الرّبّ لسائله إيّاها، طالما أنّه قدّم ذاته، بقيامته، حيًّا لتلاميذه ولنا.

هذا هو العيد الّذي نحتفل به، عيد السّائل وعيد المجيب وعيد المستجيب. إنّه عيد الكنيسة المجتمعة حول كلمة الله ومائدته الشّكريّة ومائدة القريب، في تسبيح واحد للقائم من بين الأموات، وجعل من فصحه عبورًا لنا إلى الحياة الأبديّة.

بهذا نصافح بعضنا بعضًا في القيامة، وفي هذا العيد، ونصافح مَن يخدمنا على هذا النّحو في شيخوخته الصّالحة.  

ألا بارك يا ربّ التّائقين إليك، والّذين لم يهتدوا بعد إليك فيصيروا بدورهم من أحبّائك ويهدونا بدورهم إليك!

المسيح قام!".