لبنان
30 تموز 2020, 10:20

موسي عشيّة بدء صوم السّيّدة: دقّة الظّروف الحاليّة تحتاج منّا أن نرفع أنفسنا وعالمنا وحاجاتنا إلى الله

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة بدء صوم السّيّدة، توجّه متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما للرّوم الأرثوذكس سلوان موسي برسالة رعويّة، تحت عنوان "العذراء الواثقة والحاضنة والمرشدة"، إلى كهنة أبرشيّتها وشمامستها ورهبانها وراهباتها وأبنائها، دعاهم فيها إلى ترك العذراء مريم تقودهم بخبرتها الشّخصيّة في الخطّ الصّحيح، فكتب:

"يطالعنا صوم السّيّدة العذراء وفيه نبتهل إليها، بأجسادنا وأرواحنا، من أجل خلاصنا وخلاص إخوتنا وأترابنا. صوم أجسادنا وتصويب ذهننا وشوق قلوبنا أمور تحتاج منّا كلّ عناية دومًا وخصوصًا في الظّروف الصّعبة الّتي نعيشها عالميًّا ومحلّيًّا.

فنحن في صوم منذ فترة، صوم الطّعام والحركة والتّنقّل والأنشطة والتّواصل بفعل الضّائقة المعيشيّة، من جهة، وتقلّبات درجات مكافحة انتشار جائحة الكورونا هنا وثمّة، من جهة أخرى.

أمّا أذهاننا فمصوّبة نحو متابعة تطوّرات الوضع العامّ على كافّة المستويات، ودراسة الاحتمالات، واستشراف المستقبل القريب، مع ما يرافق هذا التّأهّب من قلق متصاعد وتوتّر مستمرّ وانشداد نحو كلّ شاردة وواردة يتمّ تداولها.

وأمّا قلوبنا، فباتت مرعى خصيبًا للخوف الّذي يطالنا، بحقّ أو بغير حقّ، والّذي أخذ مداه في محاولة الاستقرار في قلوبنا، سيّدًا عليها والآمر النّاهي فيها.

هذه الأوجه الثّلاثة الّتي تلوّن حياة الكثيرين منّا باتت تحتاج إلى غسّالة من نوع قادر على إزالة هذه الأدران والدّهون والأوساخ منها، فتصير حركات النّفس وقواها مشدودة إلى الحضن الّذي يحملها ويرفعها ويجمّلها وينوّر عليها، أيّ إلى الأمّ الّتي ترشدها وتقودها إلى مراعي السّلام والرّاحة والثّقة. هذا كلّه ممكن بحال شئنا وعزمنا على القيام بهذه الخطوة الضّروريّة لعافيتنا الرّوحيّة والجسديّة، لسلامة حياتنا الشّخصيّة والكنسيّة، لتفعيل طاقاتنا وتشديد خدمتنا.

يأتي صوم السّيّدة العذراء ليضعنا في سياق استعادة ملكتنا على ذواتنا، بفضل الصّوم والصّلاة الّتي نقيمها معًا، في بيوتنا وكنائسنا، بنفس واحدة وقلب واحد، كون الحاجة واحدة والرّوح واحد.

دقّة الظّروف الحاليّة تحتاج منّا أن نرفع أنفسنا وعالمنا وحاجاتنا إلى الله. فالعذراء تدرك حاجاتنا كلّها. أَلم تكنْ هي السّبّاقة في عرس قانا الجليل إلى تسطير الحاجة إلى خمر قبل أن يدركها المعنيّون؟ أَلم تكنْ هي السّبّاقة إلى أن تتشفّع إلى الرّبّ من أجل أن تستمرّ بهجة العرس وفرح المدعوّين والعروسَين عبر تلبية هذه الحاجة البسيطة؟ أَلم تكنْ هي المثال والنّبراس والمنارة في كيفيّة مواجهة النّقص الحاليّ عبر إرشادها الخدّام إلى القيام بما تقوم به هي نفسها: "مهما قال لكم فافعلوه" (يوحنّا 2: 5)؟

هوذا العذراء تقودنا بخبرتها الشّخصيّة هذه إلى أن نعيش صوم أجسادنا وتصويب ذهننا وشوق قلوبنا في الخطّ الصّحيح، بتوجيه هذه الحركات الدّاخليّة الثّلاث نحو الرّبّ، في حركة امتنان وتضرّع وابتهال، عبر تقدمة رغبتنا بروحنة حياتنا وعودتنا القلبيّة نحو الرّبّ، باتّكال خاصّ ودائم على أمّه، بالرّوح القدس.

هوذا أمامنا حلبة مباركة، حلبة حياتنا اليوميّة، وليست حلبة جديدة تُضاف إلى تلك الّتي نعيشها. إنّها حلبة ترافقنا فيها السّيّدة العذراء والرّسل الأطهار، فنحن خدّام عرس يجمعنا في عيد الرّقاد (وهو الدّاعي لهذا الصّوم)، بالرّبّ الحاضر في هذا العيد، عيد رقاد والدته. وما الخادم سوى تأهّب ورغبة، تأهّب إنجاز ما يأمر يسوع أن نفعل، ورغبة في السّير في إثره، عسانا نكون شهودًا لتحويل ماء هموم هذا العالم إلى خمر النّعمة الّذي ينعش قلوب المتعبين ويقودهم إلى الفرح الّذي يقدّمه بغزارة للمؤمنين به.

أَلعلّنا أمام عرس ينتظرنا بحيث تصدُق في نهايته ما ورد في خاتمة عرس قانا الجليل: "هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه" (يوحنّا 2: 11)؟".