من المركز الكاثوليكيّ للإعلام.. "الكتاب المقدّس والشّباب"
شارك في النّدوة مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، الأمين العامّ للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان الأب بطرس عازار، مدير مكتب رسالة الجامعة في جامعة سيّدة اللّويزة زياد فهد، ومنسّقة لجنة الشّبيبة في المجلس الرّسوليّ العلّمانيّ للكنيسة الكاثوليكيّة جوانا شوفاني، وحضرها الأمين العامّ لجمعيّة الكتاب المقدّس مايك باسوس، وعدد من أعضاء الجمعيّة والإعلاميّين والمهتمّين.
أبو كسم
بداية رحّب الخوري عبده أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وقال: "نلتقي اليوم في النّدوة الثّالثة المخصّصة لإحياء أسبوع الكتاب المقدّس السّادس في لبنان، وهو الأسبوع الّذي تقيمه جمعيّة الكتاب المقدّس ككلّ سنة. وندوة اليوم عن: الكتاب المقدّس والشّباب. وهذا الاهتمام الّذي توليه الكنيسة لشبيبة لبنان هو اهتمام في محلّه بحيث أنّ ثمّة حركات وبدع، نستورد ما نستورد من حركات غريبة عن مجتمعنا اللّبنانيّ وعن عائلاتنا.
نعيش مع الأسف الشّديد في بداية عصر انحطاط فكريّ، تندسّ خلسة في عقول شبيبتنا من خلال حركات تسعى إلى تدمير المجتمع والشّباب، يريدون إقناعنا بأنّ انحلال الأخلاق حرّيّة، التّفلّت حرّيّة، وبعده تشريع الحشيشة لتكون أيضًا حرّيّة، وهذا ما يضرب قلب المجتمع اللّبنانيّ. ويتكلّمون أيضًا عن تشريع المثليّة الجنسيّة، عن حفلات صاخبة تحت عناوين أعياد تنسب إلى الكنيسة فيها أمور سكر ومجون وعربدة، هذا كلّه ضرب للمجتمع، مسؤوليّتنا نحن تندرج اليوم كعائلة كأهل، كمدارس، كجامعات، كحركات رسوليّة، لنشكّل جبهة واحدة لتوعية الشّباب، عملنا ليس مكافحة ولا محاربة وملاحقة هذه الحركات، لدينا دولة ولديها أجهزة متخصّصة عليها الملاحقة والمكافحة وعلينا معرفة تريبة أولادنا وتحصينهم كيلاً يقعوا في هذه الأفخاخ.
من هذا المنطلق نجتمع اليوم لنطلق الصّرخة إلى الأهل، ونحمّل المدارس والجامعات مسؤوليّة توعية الشّباب، فكلّ جامعة كاثوليكيّة في لبنان لديها مكتب للعمل الرّاعوي الجامعيّ والحركات الرّسوليّة، وكلّ تعليمنا الاجتماعيّ مرتكر على كلمة الله ألا وهي الكتاب المقدّس، نحن لا ننصّ دساتير اجتماعيّة في الكنيسة، نستلهم قوانينا وعملنا الرّاعويّ وشرعتنا الرّاعويّة من الكتاب المقدّس.
لهذا نحيّي كلّ العاملين على توزيع الكتب المقدّسة على النّاس، وأن يكون الكتاب المقدّس المرجع الأوّل لتربية أولادكم وتننشئتهم تنشئة مسيحيّة.
عازار
ومن ثمّ كانت مداخلة للأب عازار عن التّربية والشّباب في المدارس فقال: "في شرعة التّربية والتّعليم للمدارس والمعاهد الكاثوليكيّة في لبنان وردّ الآتي: إنّ الكنيسة في لبنان تستند في مهامها التّربويّة، في ما تستند، إلى تعليم الكتاب المقدّس..." ولذلك فإنّ همّنا الأوّل هو أن نعمل على تنشئة شباب وشابّات يكونون أغنياء بحكمة الله لا بحكمة العالم، ويعترفون دومًا بأنّ مرجعيتهم الأساسيّة في الإيمان وفي الحياة هي كلام الله وتوجيهات الكنيسة النّابعة من هذا الكتاب.
في أيلول الماضي توقّفت المدارس الكاثوليكيّة في مؤتمرها السّنويّ، استمراريّة المدرسة الكاثوليكيّة، عند الوثيقة الصّادرة في نيسان الماضي عن مجمع التّربية الكاثوليكيّة في الفاتيكان، في مناسبة مرور 50 سنة على الرّسالة العامّة "ترقّي الشّعوب" الّتي أصدرها البابا القدّيس بولس السّادس. وعندما نطالع هذه الوثيقة نجدها تعكس ما يقدّمه الكتاب المقدّس لنا من مبادرات أرادها الله تعبيرًا عن تضامنه مع الإنسان، وعن نيّته في أن يعيش جميع البشر إخوة وأخوات في مجتمع يستطيع في تضامنه أن يكون مساهمًا في النّموّ الرّوحيّ والإنسانيّ والخلقيّ والاقتصاديّ، لأنّنا، كما يقول الرّسول بولس: نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وكلّ واحد منّا عضو للآخرين.
إنّ التّربية على الأنسنة المتضامنة تضع حدًّا للحروب والمنازعات ولكلّ أشكال الفقر والقهر، ولكلّ ما حذّرت منه الأسفار الكتابيّة. ومن هذا المنطلق تسعى المدرسة، وعلى رغم كلّ التّحدّيات، إلى تقديم تربية تساعد الشّباب ليكونوا ضمير خلاص للبشريّة وصوت الرّجاء حيث لا رجاء. ولذلك أوصى مؤتمرنا السّنويّ الخامس وعشرون بوجوب تأهيل ذهنيّة التّضامن والتّكافل والتّقشّف للسّير في بناء حضارة المحبّة والسّلام.
وفي نشاطات أسبوع الكتاب المقدّس نسعى إلى أن نعزّز عند تلامذتنا وشبيبتنا هذا التّطلّع إلى المراقي، ليستعيد عالمنا الحسن الّذي خلقه الله عليه من خلال التّأمّل بكلمة الله الّتي هي نور وحياة. والنّشاطات الّتي تعمل المدرسة على تنظيمها لتكون انطلاقة لتجديد روحيّ عند الشّبيبة والتّلامذة، تتمحور حول التّأمّل بكلمة الله يوميًّا والتّشجيع على مطالعة الكتاب المقدّس وتخصيص ساعة التّعليم المسيحيّ للتّعريف بالأسفار المقدّسة، وتأمين محاضرات وندوات وسهرات إنجيليّة مع الأسرة التّربويّة، أهلاً وهيئة تعليميّة وموظّفين وتلامذة.
لعلّ أبهى هذه النّشاطات هي الدّعوة إلى المشاركة في مسابقة Online عن الكتاب المقدّس نعمل على الإعداد لها، بالتّعاون مع جمعيّة الكتاب المقدّس مشكورة، وتستمرّ فترة المسابقة حتّى نيسان المقبل. وأذكر بأنّ الّذين شاركوا من المدارس الكاثوليكيّة بهذه المسابقة في السّنة الماضية بلغ عددهم أكثر من 3.500 شابّ وشابّة. ويوم الأحد الماضي كرّم صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، الفائزين من بينهم.
أملنا في أن تسعف هذه النّشاطات الكتابيّة والرّوحيّة والفكريّة والإنسانيّة والتّربويّة، شبيبتنا لكي يجدّدوا وجه وطننا بتنشئتهم العلميّة والإنسانيّة والإيمانيّة ولكي يساهموا مع الكنيسة بتوجيه الثّقافة الإنسانيّة لنشر الخلاص بنوع أنّ الإيمان ينوّر المعرفة التّدريجيّة الّتي يتلقّونها عن العالم والحياة والإنسان، (بيان في التّربية المسيحيّة 8)".
فهد
ومن ثمّ كانت مداخلة للدّكتور زياد فهد عن "الكتاب المقدّس يخاطب عالم الشّباب رغم التّحدّيات"، وقال فيها: "تطرح العلاقة ما بين الكتاب المقدّس وعالم الشّباب أسئلة كثيرة على الصّعيد الاجتماعيّ والثّقافيّ والرّوحيّ. فقد أدّت التّغيّرات العاصفة في ميادين الحياة الثّقافيّة والتّكنولوجيّة والعلميّة إلى تبديل عميق في ذهنيّة الإنسان، وفي نظرته إلى الوجود، وفي عمق علاقته بكلّ ما يدور حوله. وأوّل من غاص في هذه المغامرة هم الشّباب، بحيث أنّهم واكبوا التّطوّرات والاكتشافات، وكانوا أوّل من قبل بها ضمن نسيج حياتهم الاجتماعيّة.
إنّهم أبناء عصرٍ تحسّب فيه الثّورات والاكتشافات العلميّة بالدّقائق والثّوانيٍ.. إنّهم أجيال التّكنولوجيا في كلّ المجالات، أجيال الثّورات البيولوجيّة، وأجيال شبكات التّواصل الاجتماعيّة الّتي لا تنفكّ عن جعل العالم قرية كونيّة، فالكُلّ يعرف ما يدور في عالمِ الآخر ثانية بثانية.
إشكاليّتنا الأكبر اليوم كمسيحيّين فعليّين وكأبناء للإيمان تدور حول نقاط عدّة أبرزها: مدى استناد الشّباب على الكتاب المقدّس كمرجع روحيّ وحياتي لهم وبالتّالي سبل مخاطبة الكتاب المقدّس للشّباب في إطار هذه التّحوّلات.
وهل نستجيب بفاعليّة لمتطلّبات الثَّورات الاجتماعيّة التّكنولوجيّة المتدافعة الّتي كان عالم الشّباب له الحصة الأكبر فيها وحسن استعمال هذه الإمكانات لتقريب الكتاب المقدّس من عالم الشّباب؟ وعن الإشكاليّات الّتي تواكب الشّباب قال فهد: "الشّباب إذا هو نتاج لكلّ التّفاعلات الاجتماعيّة الحاضرة في المجتمع، وهم في الوقت نفسه طاقة حقيقيّة تمتلك القوّة والرّغبة في التّغييرالاجتماعيّ والتّأقلم. لذا فإنّ الشّباب هو "توق لا يحدّ" لـ"سعادة لا تحدّ". ومثال على ذلك أنّ على رغم كلّ الأحداث المأساويّة الّتي نشهدها في شرقنا المتخبّط، وما يحيط بها من هواجس وخوف من المستقبل المجهول، وما يرافقهما من إحباط يطاول إدراكهم للحركة السّياسيّة، يتميّز الشّباب بقدرته على مواجهة هذه العوامل، وعلى النّهوض باستمرار، من أجل بِناء مستقبلٍ أفصل.
إنّ الشّباب يعيش اليوم في سباق مع زمنٍ تتصارع فيه القيم تحت شعار الحرّيّة وحقوق الإنسان، وينتشر فيه الاضطراب بشتّى أشكاله. فما من مسلّمات ثابتة عندهم أو مقدّسة لا يجاز المساس أو التّدقيق بها، للتّأكّد من حقيقتها. والثّقافة تلعب هنا الدّور الأساس لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات عن كلّ ما يعترض مسيرة الإنسان نحو حياة أفضل. وإحدى ميزات هذا العصر هو التّنوّع الثّقافيّ في إطار البيئة الواحدة. ولا شكّ أنّ هذا الخليط يشكّل عامل غنى اجتماعيّ ثقافيّ، وعلامة انفتاح وترابط. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ شبكات التّواصل الاجتماعيّ والعولمة، لعبت دورًا أساسيًّا وإيجابيًّا في شكل عام في هذا المضمار.
إنّ المشكلة قد تكمن في بعض المجتمعات ذات الطّابع التّقليديّ، حيث تكثر الظّروف السّيّئة، وأبرزها الحروب، إذ لم تتح للشّباب فيها أن يبادروا بإيجابيّة نحو الثّقافات الأخرى، مستعيضين عن ذلك بالأحكام المسبقة الّتي كبّلتهم فكريًّا، ولم تعد بدورها قادرة على تلبية حاجاتهم وطموحاتهم، والإجابة على أسئلتهم. ما دفعهم إلى بناء منظومتهم الثّقافيّة الخاصّة والمركّبة، في مواجهة معطيات الثّقافة التّقليديّة السّائدة في المجتمع.
إنّ الكتاب المقدّس، وروحانيّة الكنيسة يعلّماننا دومًا بأنّ الله لا ينفكّ يؤدّب الشّعوب لتنقيتها من زؤان الخطيئة لترتقي وتصقل على صورة الله ومثاله. وعلى الشّباب أنفسهم القيام بدور أساسيّ في السّعي إلى اكتساب الثّقافة، وتحديد احتاياجاتهم.
وبناءً على ما سبق، لا بدّ لنا من الإشارة إلى أنّ التّحدّي الأوّل، بنظرنا، ويكمن في مساعدة الشّبيبة وتحفيزها على طرح الأسئلة اللّازمة، واعتماد الفكر النّقديّ تجاه كلّ ما يعترِضهم في حياتهم. فعوض أن نهيّئ الشّبيبة لإيجاد الأجوبة اللّازمة، علينا أن نساعدهم لكي يطرحوا الأسئلة اللّازمة، وهم بدورهم يكملوا عمليّة البحث، ويطبّقوا هذا المبدأ على كلّ ما يعترضهم من هواجس يقدّمها هذا العصر.
وبدلاً من الخوف من تقنيات عالم اليوم فلنسخرها لإيصال الكلمة، بلغة عصريّة محبّة بعيدًا من توجيه أصابع الاتّهام والتّعيير إذ أنّ من واجبات الكنيسة إدانة الخطيئة وليس الخاطىء لتتمكّن من تقويم مساره ولإيصال فرح الإنجيل بعيدًا من الوعظ الجافّ التّقليديّ والمعقّد الّذي لا يضفي على الشّباب إلّا الملل ويدفعهم إلى الهروب، ومخاطبة شباب اليوم بثقة وبإيمان بقدراتهم مبعدين إيّاهم عن الأفكار المعلّبة المعبئة حيث تكثر التّفاصيل وحيث الحرفيّة تقتل الرّوح.
لا بدّ من التّنويه في هذا المضمار بكلّ المبادرات والجمعيّات الّتي تسعى جاهدة إلى تعزيز فرص الحوار ولقاء الحضارات، واكتشاف كرامة التّنوّع الثّقافيّ الحاضر في مجتمعاتنا. أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى مؤسّسة أديان وجمعيّة حوار للحياة وللمصالحة.
إنّ روح الاكتشاف والعطش إلى المعرفة تجعلان الشّباب على أتمّ استعداد لتحمّل مسؤوليّات كبيرة في المجتمع تقابلها رغبة في التّغيير، رافضين القمع، وقبول كلّ ما يأتي من العالم المحيط بهم من دون التّدقيق والتّمحيص به. فها هم يصرخون في وجه الظّالم والمحتال. وها هم يضمّدون جِراح البشرية أينما أتيحت الفرصة أمامهم. والجدير ذكره على هذا الأساس هو أنّ هذه الرّغبة في تحمّل المسؤوليّة لا تقتصر على الحياة الاجتماعيّة فقط، بل وعلى تحمّل المسؤوليّة في قلب الكنيسة. فبقدر ما نتشارك وإيّاهم في المسؤوليّة بقدر ما نساعدهم على أن يدركوا أهمّيّة دورهم في المجتمع وفي الكنيسة. معًا نستطيع أن نفتح نوافذ الكنيسة لندخل هواء نقيًّا يجدّد الكنيسة بحسب ما قال البابا يوحنّا الثّالث والعشرون قبيل المجمع الفاتيكانيّ الثّاني.
ضمن ذهنيّة هذا العصر، إنّ الشّباب يحتاج إلى كلّ الطّاقات والأولويّات لكي يفهموا، ويدركوا، ويحبّوا ويكتشفوا بأنّ الكتاب المقدّس يخاطبهم حيث هم. إنّ الكتاب المقدّس يتفاعل معهم، يشارك همومهم وصعوباتهم وتحدّياتهم. لذا، وبعد مراقبة دقيقة لعالمهم من خلال مسؤوليّاتي في جامعة سيّدة اللويزة NDU، أسمح لنفسي بالتّأكيد على ضرورة السّعي الدّائم لكي نتواصل معهم، ونكتشفهم، وندركهم. ومن الوسائل الّتي تسمح لنا أن نكتشف عالمهم هو إنشاء مرصد لعالم الشّباب. يكون هذا المرصد بمثابة خليّة بحث مستمرّ، تتيح لنا الدّخول إلى عقولهم وثقافتهم، لكي ندرك، ونكتشف، ونتواصل معهم حيث هم. ساعين كلّ السّعي لكي تكون لهم الحياة بالملأ، هم من قال عنهم آباء المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أمل الكنيسة".
شويفاتي
وإختتمت النّدوة بمداخلة لجوانّا شوفاني شاهين عن "التّربية والشّباب في الفرق الرّسوليّة" فقالت: "يحتضن مجتمعنا باقة غنيّة ومتنوّعة من الحركات الشّبابيّة المسيحيّة، الرّعويّة منها والكشفيّة، الإرساليّة والاجتماعيّة. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أخويّات الطّلائع والشّبيبة، الحركات الرّسوليّة المتنوّعة والفرق الرّسوليّة التّابعة للأبرشيّات والرّهبانيّات، الفرق الكشفيّة بمختلف جمعيّاتها، وجماعات العمل التّطوّعيّ مثل كاريتاس والصّليب الأحمر.
نرى هذه الحركات في صلب الحياة الاجتماعيّة للشّبيبة فهي محور اهتمام شبابنا ومركز لقائهم وواحة تعاونهم وتعارفهم. وهي بالتّالي جزء لا يتجزّأ من تنشئتهم ولها الأثر الكبير في تكوين شخصيّتهم وصقل طاقاتهم ومواهبهم. من هنا فالحركات والمنظّمات الشّبابيّة فسحة خصبة للتّربية والتّعليم والتّنشئة المسيحيّة والإنسانيّة. وقد نجحت هذه الجماعات في استقطاب أعداد كبيرة من شبيبتنا وإطلاقها في المجتمع علامات مميّزة وشاهدة في كلّ مجال.
إذا كانت روح الإنجيل هي المحرّك والمرجع للنّشاطات المتنوّعة في جماعاتنا، فإنّ الحضور المباشر والعمليّ للكتاب المقدّس يتجلّى في شكل صريح في حلقات التّعميق والمشاركة في الكلمة، وفي المواضيع والمحاضرات في كلّ برنامج تنشئة أو مخيّم. فيتلقّى شبابنا كلمة الإنجيل ويعملون على استخلاص العبر والمقاصد منها لبناء حياة روحيّة ثابتة. وتبرّع الحركات الشّبابيّة في حقل الرّسالة فتجعل من كلمة الإنجيل قضيّة تنطلق بها إلى أبناء جيلها بلغة عصريّة وتقنيّات تفاعليّة ومبدعة.
لكن التّحدّي يكمن دائمًا في عيش المقاصد والمكتسبات النّابعة من الإنجيل في حياة الشّبيبة اليوميّة في إطار مجتمع استهلاكيّ ينشد اللّذّة والسّلطة. والتّحدّي الآخر، ونقوله بجرأة أبناء الله، يتمثّل بالتّعدّديّة المتفلّتة في تفسير كلمة الله وتأويلها، بغياب معيارٍ واضح ورقابة فعّالة على عمل المنشّطين الرّوحيّين. من هنا الحاجة إلى سهرٍ أكثر على تنظيم المواضيع الرّوحيّة وتنسيقها واختيارها من السّلطة أو الوصاية الكنسيّة المسؤولة عن كلّ منظّمة أو حركة أو جماعة.
مع هذا، ومن أجل إغناء العمل التّربويّ والرّسولي في منظّماتنا، نتطلّع إلى المزيد من التّعاون مع المسؤولين الكنسيّين في سبيل الإغناء المتبادل ولدعم الرّسالة والتّربية الّتي هي عمود حياة الكنيسة ورسالتها كأمّ ومعلّمة وهي الشّاهدة للمعلّم الأوّل والأوحد يسوع. كما نتطلّع أيضًا إلى التّركيز في شكل أكبر على التّنشئة الكتابيّة واللّاهوتيّة في حياتنا الرّعويّة وعملنا الرّسوليّ إلى جانب النّشاطات التّرفيهيّة والمناسبات الرّوحيّة الشّعبيّة.
التّربية على المواطنيّة كما التّنشئة المسيحيّة لا تكون من دون تنشئة إنسانيّة أساسيّة وعميقة. هدفنا الإنسان ورسالتنا تنشئة شبيبتنا لكي ينموا بالحكمة والنّعمة فيبلغوا قامة ملء المسيح".