من البابا إلى الشّباب الأرجنتينيّ: حضور وشركة ورسالة
"أفرح بمشاركتي من خلال رسالة الفيديو هذه في هذا اللّقاء الوطنيّ للشّباب الّذي تعيشونه في روزاريو. أعرف أنّكم قد استعدّيتم بجهد كبير وبطرق عديدة لكي تكونوا هنا. أشكركم على عملكم، وعلى انطلاقكم في المسيرة بفرح وإيمان ورجاء ورغبات متقاسِمة. عندما فكّرت بكم وبما يمكنني أن أتقاسمه معكم في هذا اللّقاء، جاءت إلى ذهني ثلاث كلمات: حضور وشركة ورسالة.
الكلمة الأولى هي حضور. إنّ يسوع معنا وهو حاضر في تاريخنا. إنّ يسوع قد صار أخًا لنا ويدعونا لنتجسّد نحن أيضًا بدورنا ولنبني معًا "ثقافة المحبّة"، كتلاميذه ورسله، هنا والآن: في بيتكَ، بين أصدقائكَ وفي الأوضاع الّتي تعيشها يوميًّا. لذلك من الأهمّيّة بمكان أن نقيم معه ونذهب للقائه في الصّلاة والكلمة والأسرار. هو معك حتّى وإن شعرتَ بعض الأحيان كتلميذي عمّاوس قبل لقائهم بيسوع القائم من الموت: تشعر بأنّك حزين ويائس وبدون أيّ رجاء. نعم، نرى أحيانًا بعض الأمور في الحياة ونشعر بالإحباط، فنسير طول الطّريق ويبدو بأنّنا لن نتمكّن من الاستمرار، ولكن عندما نلتقي بيسوع تكون نعمة؛ عندما يقترب منك السّامريّ الصّالح ليساعدك يتجدّد كلّ شيء وتتجدّد أنت أيضًا، بيسوع الّذي يجدّد التّاريخ.
السّامري الصّالح هو المسيح الّذي يقترب من الفقير والمعوز. وأنت أيضًا يمكنك أن تكون سامريًّا صالحًا عندما وعلى مثال المسيح تقترب من مَن هو بقربك وتكتشفَ فيه وجه المسيح. إنّها مسيرة محبّة ورحمة: يسوع يلتقي بنا ويشفينا ويرسلنا لنشفي الآخرين. ولكن لكي نسير هذه الدّرب لنساعد الآخرين لكي ينهضوا، لا يجب أن ننسى أنّنا بحاجة للقاءات شخصيّة مع يسوع، لحظات صلاة وعبادة ولاسيّما لحظات إصغاء لكلمة الله. أسألكم هذا السّؤال فقط: كم منكم يقرؤون الإنجيل لدقيقتين يوميًّا؟ عندما تكون في الحافلة، أو في القطار أو عندما تكون في البيت إفتح الإنجيل واقرأ لدقيقتين فقط! حاول وسترى كم سيغيِّر هذا الأمر حياتك!
الكلمة الثّانية هي شركة. نحن لا نكتب التّاريخ وحدنا. نحن شعب والتّاريخ يبنيه الشّعوب ولا الإيديولوجيّات، الشّعوب هم روّاد التّاريخ. نحن جماعة ونحن كنيسة. وإن أردتَ أن تبني كمسيحيّ، عليكَ أن تقوم بذلك في داخل شعب الله والكنيسة. شعب الله هو الكنيسة بجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة، بشبابه والبالغين، بالمرضى والأصحَّاء والخطأة. نعرف ككنيسة أنّنا نعيش في زمن مميَّز، في سنة سينودس الأساقفة الّذي سيُعقد حول موضوع الشّباب. أنتم الشّباب ستكونون موضوع تفكير هذا السّينودس. أدعوكم لتكونوا مشاركين وروّادًا من عمق هذا الحدث الكنسيّ المهمّ. لا تبقوا على الهامش، بل التزموا وعبِّروا عما تفكّرون به لأنَّ البابا يرغب في سماعه. أنتم تعلمون أفضل منّي أنَّ الكومبيوتر والهواتف تحتاج للتّحديث لكي تعمل بشكل أفضل. وعملنا الرّاعويّ أيضًا يحتاج للتّحديث والتّجديد ولإعادة النّظر في العلاقة مع المسيح في ضوء الإنجيل وبالنّظر إلى عالم اليوم من خلال التّميّيز وإعطاء طاقات جديدة للرّسالة المتقاسمة.
لقد قلنا إذًا حضور وشركة، والكلمة الثّالثة هي رسالة. نحن مدعوّون لنكون كنيسة تنطلق وتخرج في رسالة. كنيسة رسوليّة، غير منغلقة على راحتها ومخطّطاتها بل تخرج للقاء الآخر. كنيسة سامريّة ورحومة، في موقف حوار وإصغاء. يسوع يدعونا ويرسلنا ويرافقنا لنقترب من جميع رجال ونساء اليوم. إذهبوا معه لتداووا جراح العديد من إخوتنا المطروحين على حافّة الطّريق. إذهبوا معه وازرعوا الرّجاء في شعوبنا ومدننا، إذهبوا معه لتجدِّدوا التّاريخ. لقد سمعتم لمرّات عديدة أنّكم المستقبل، وفي هذه الحالة مستقبل الوطن. إنّ المستقبل هو بين أيديكم، وهذا الأمر صحيح إذ نحن نتوقّف فيما أنتم تكمِّلون. لكن انتبهوا على هذا المستقبل أن يكون ثابتًا وخصبًا، مستقبل له جذور!
عُد إلى الجذور وابنِ مُستقبلك انطلاقًا من الجذور، من حيث تأتيك الماويَّة: لا تنكر تاريخ وطنك، ولا تنكر تاريخ عائلتك، ولا تنكر أجدادك. إبحث عن جذورك وابحث عن التّاريخ وابنِ المستقبل انطلاقًا من هناك. أدعوكم أيضًا خلال هذه الأيّام لتوجِّهوا نظركم إلى مريم العذراء سيّدة الورديّة الّتي عرفت أن تبقى بالقرب من ابنها ورافقته في أسرارها، اسرار الفرح والحزن والنّور والمجد. لتكن هي أمّ القرب والحنان، سيّدة القلب المفتوح والمستعدَّ دائمًا للذّهاب للقاء الّذين يحتاجون إليها، لتكن معلِّمتكم في أسلوب حياتها في الإيمان، وهي ستساعدكم.
ليبارككم يسوع ولتحفظكم العذراء القدّيسة مع عائلاتكم وجماعاتكم. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي لكي أعرف أن أنقل الجذور للأجيال الجديدة الّتي ستجعلها تزهر في المستقبل الّذي هو أنتم!".