الفاتيكان
26 كانون الثاني 2022, 12:15

من أجل السّلام في أوكرانيا... صلاة البابا فرنسيس خلال المقابلة العامّة اليوم

تيلي لوميار/ نورسات
"الآن مع صلاة الأبانا أدعوكم للصّلاة من أجل السّلام في أوكرانيا ولكي تقوموا بذلك كثيرًا خلال هذا اليوم: لنطلب من الرّبّ بإلحاح أن تشهد تلك الأرض ازدهار الأخوة وتخطّي الجراح والمخاوف والانقسامات... أكثر من خمسة ملايين شخص قد أُبيدوا خلال هذه الحرب الأخيرة. إنّه شعب معذّب. وقد عانى من الجوع وعانى الكثير من القسوة ويستحقّ السّلام. لتلمس الصّلوات والدّعوات الّتي ترتفع اليوم إلى السّماء عقول وقلوب المسؤولين على الأرض، لكي يسود الحوار ويتمَّ وضع خير الجميع قبل المصالح الخاصّة. لنصلِّ من أجل السّلام بصلاة الأبانا: إنّها صلاة الأبناء الّذين يتوجّهون إلى الأب عينه، إنّها الصّلاة التي تجعلنا إخوة، إنّها صلاة الأخوة الّذين يطلبون المصالحة والوئام."

بهذه الكلمات، دعا البابا فرنسيس المؤمنين في قاعة بولس السّادس خلال المقابلة العامّة اليوم، للصّلاة من أجل السّلام في أوكرانيا تلبية لدعوته للصّلاة على هذه النّيّة الأحد خلال التّبشير الملائكيّ.

وكان البابا قد استهلّ تعليمه الأسبوعيّ بكلمة روحيّة توقّف فيها عند مار يوسف كرجل يحلم، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "أريد اليوم أن أتوقّف عند شخصيّة القدّيس يوسف كرجل يحلم. في الكتاب المقدّس، كما في ثقافات الشّعوب القديمة، كانت الأحلام تُعتبر وسيلة يُظهر الله من خلالها نفسه. يرمز الحلم إلى الحياة الرّوحيّة لكلّ فرد منّا، تلك الفُسحة الدّاخليّة، الّتي يُدعا كلّ فرد منّا لتعزيزها وحراستها، وحيث يُظهر الله نفسه ويتحدّث إلينا غالبًا. ولكن علينا أن نقول أيضًا أنّ داخل كلّ فرد منّا لا يوجد صوت الله فحسب: بل هناك العديد من الأصوات الأخرى أيضًا. على سبيل المثال، أصوات مخاوفنا وخبراتنا السّابقة وآمالنا؛ وهناك أيضًا صوت الشّرّير الّذي يريد أن يخدعنا ويشوّشنا. لذلك من المهمّ أن نكون قادرين على التّعرّف على صوت الله وسط الأصوات الأخرى. يُظهر القدّيس يوسف أنّه يعرف كيف ينمّي الصّمت الضّروريّ، ولاسيّما، كيف يتّخذ القرارات الصّحيحة إزاء الكلمة الّتي يوجّهها له الرّبّ من الدّاخل. سيساعدنا اليوم أن نستعيد الأحلام الأربعة المذكورة في الإنجيل والّتي رائدها القدّيس يوسف لكي نفهم كيف نضع أنفسنا أمام وحي الله.

في الحلم الأوّل، ساعد الملاك يوسف في حلّ المأساة الّتي انهالت عليه عندما علم بحمل مريم: "يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابنًا فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم". وكانت إجابته فوريّة: "فلمَّا قامَ مِنَ النَّوم، فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ". في كثير من الأحيان تضعنا الحياة أمام مواقف لا نفهمها وتبدو بدون حلّ. إنَّ الصّلاة، في تلك اللّحظات، تعني أن نسمح للرّبّ أن يرينا الشّيء الصّحيح الّذي يجب أن نفعله. في الواقع، غالبًا ما تكون الصّلاة هي الّتي تعطينا حدسًا للخروج. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنَّ الرّبّ لا يسمح أبدًا بمشكلة بدون أن يعطينا المساعدة اللّازمة لمواجهتها.

يصل حلم يوسف الثّاني عندما كانت حياة الطّفل يسوع في خطر. والرّسالة واضحة: "قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه واهرُب إِلى مِصر وأَقِم هُناكَ حَتَّى أُعلِمَك، لأَنَّ هيرودُسَ سَيَبحَثُ عنِ الطِّفلِ لِيُهلِكَه". أطاع يوسف دون تردد: "فقامَ فأَخَذَ الطِّفْلَ وأُمَّه لَيلاً ولَجَأَ إِلى مِصر. فأَقامَ هُناكَ إِلى وَفاةِ هيرودُس". نختبر في الحياة أخطارًا تهدّد حياتنا أو حياة الّذين نحبّهم. في هذه المواقف، تعني الصّلاة الإصغاء إلى الصّوت الّذي يمكنه أن يولّد فينا شجاعة يوسف عينها، لكي نواجه الصّعوبات بدون أن نستسلم.

في مصر، انتظر يوسف من الله العلامة لكي يتمكّن من العودة إلى الوطن؛ وهذا هو بالضّبط محتوى الحلم الثّالث. كشف له الملاك أنّ الّذين أرادوا قتل الطّفل قد ماتوا وأمره بأن ينطلق مع مريم ويسوع ويرجع إلى وطنه. فقامَ يوسف "فأَخذَ الطِّفْلَ وأُمَّه ودَخَلَ أَرضَ إِسرائيل". ولَكِنَّه خلال رحلة العودة "سَمِعَ أَنَّ أَرخِلاَّوُس خلَفَ أَباهُ هيرودُسَ على اليَهودِيَّة، فخافَ أَن يَذهَبَ إِليها". وهذا هو الوحي الرّابع: "أُوحِيَ إِليه في الحُلم، فلجَأَ إِلى ناحِيَةِ الجَليل. وجاءَ مَدينةً يُقالُ لها النَّاصِرة فسَكنَ فيها". إنَّ الخوف هو أيضًا جزء من الحياة وهو أيضًا بحاجة إلى صلاتنا. إنَّ الله لا يعدنا أنّنا لن نخاف أبدًا، وإنّما أنّنا بمساعدته لن يكون الخوف المعيار لقراراتنا. لقد اختبر يوسف الخوف، ولكن الله أرشده أيضًا من خلاله. لأنّ قوّة الصّلاة تُدخل النّور في الأوضاع المظلمة. أفكّر في هذه اللّحظة بالعديد من الأشخاص الّذين سحقهم ثقل الحياة ولم يعودوا قادرين على أن يرجوا أو يصلّوا. ليساعدهم القدّيس يوسف لكي ينفتحوا على الحوار مع الله، ويجدوا مجدّدًا النّور والقوّة والسّلام.

لكن الصّلاة ليست أبدًا تصرُّفًا مُجرَّدًا أو حميميًّا، وإنّما هي ترتبط على الدّوام ارتباطًا وثيقًا بالمحبّة. عندما نجمع فقط محبّة القريب بالصّلاة يمكننا أن نفهم رسائل الرّبّ. لقد كان القدّيس يوسف يصلّي ويحبّ، ولهذا السّبب كان ينال على الدّوام الضّروريّ لمواجهة محن الحياة. لنتّكل عليه إذًا وعلى شفاعته. أيّها القدّيس يوسف الرّجل الّذي يحلم، علِّمنا أن نستعيد الحياة الرّوحيّة كالفسحة الدّاخليّة الّتي يُظهر فيها الله ذاته ويُخلِّصنا. إنزع منّا فكرة أنّ الصّلاة غير مفيدة وساعد كلَّ فرد منّا لكي يجيب على ما يدلّنا الرّبّ إليه. لتُشعَّ أفكارنا بنور روحك وليشجِّعَ قلوبنا بقوّته ويُخلِّص مخاوفنا برحمته. آمين."