لبنان
15 نيسان 2024, 05:30

معًا نبني: لندمج ذوي الإعاقة في المجتمع - البطريرك الرّاعي

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال بشارة بطرس الراعي قدّاس الأحد على مذبح "كابيلا القيامة"، أطلق في خلاله، رسميًّا، مكتب راعويّة الأشخاص ذوي الإعاقة التابع للدائرة البطريركيّة، شارك في الاحتفال بالقدّاس عددٌ من المطارنة والآباء وحضره عددٌ من الشخصيّات السياسيّة والوطنيّة من مجالاتٍ مختلفة وحشدٌ من المؤمنين.

 

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الراعي عظة بعنوان:" فيما كانا سائرين ويتحادثان كئيبين اقترب يسوع منهما وأخذ يسير معهما" قال فيها: "ربّنا يسوع القائم من الموت حيّ في الكنيسة والمجتمع وبين الناس والشعوب. لقد أصبح بقيامته رفيق الدرب في حياة كلّ إنسان وجماعة، ولا سيّما عندما يمرّ الواحد بصعوبات، ولا يجد معنًى لها أو مخرجًا. فيأتي الربّ يسوع بكلامه وإيحاءات الروح القدس وبتوجيهات الكنيسة والصلاة، ويسير معه بحوار داخليّ مريح...

هذا ما جرى مع التلميذين العائدين من أورشليم إلى قريتهما عمّاوس (لو 24: 14-16)...

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وبها نطلق رسميًّا "مكتب راعويّة الأشخاص ذوي إعاقة" في الدائرة البطريركيّة في بكركي. وقد أنشأناه بمرسوم تاريخ 14 كانون الأوّل الماضي. وعيّنا منسّقةً له الإعلاميّة والمرنّمة داليا فريفر، التي نحيّيها مع لجنة المكتب. كما عيّنا الأب ميلاد السقيّم المرسل اللبنانيّ مرشدًا ومشرفًا. شعار هذا الإنطلاق: معًا نبني.  

يهدف هذا "المكتب" إلى:

دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، وخلق شبكة تواصل في ما بينهم.

تفعيل مواهبهم وجعلهم منتجين؛ إيجاد عمل لهم؛ التعاون مع الهيئات المماثلة؛ تطبيق القانون الدوليّ بشأن الأشخاص ذوي إعاقة في لبنان؛ التعاون مع المكاتب الراعويّة الأخرى في الدائرة البطريركيّة، ولا سيّما راعويّة العائلة والحياة وراعويّة المرأة، وراعويّة الشبيبة.

من صلاحيّات هذا المكتب:

تنظيم الاحتفال باليوم العالميّ للأشخاص ذوي إعاقة (3 كانون الأوّل أو الأحد الأوّل من كانون الأول).

تنظيم حفلات توعية في المدارس والجامعات ورعايا الأبرشيّات بالتنسيق مع المسؤولين فيها...

وأتى البطريرك على ما حقّقه المكتب الجديد من أنشطة في بكركي...

ثمّ أعرب عن تقديره لجهود داليا فريفر ومساعديها واستمطر عليهم بركات الله.

بعد ذلك، تابع البطريرك العظة قال: "بقراءة هذه اللوحة الإنجيليّة نجد ذواتنا أمام القدّاس الأوّل الذي احتفل به الربّ يسوع، الكاهن الأسمى في مساء أحد القيامة، ونجد فيها أقسام الأربعة.

القسم الأوّل: الوقفة أمام الله

في هذا القسم نقف أمام الله مع كلّ همومنا ومشاكلنا وتساؤلاتنا وضعفنا وتوبتنا، كما يتّضح ذلك في صلاة البدء وصلاة الغفران أي الحسّاي والترانيم، وفقًا للزمن الليترجيّ. هكذا حصل لتلميذي عمّاوس (لو 24: 14-15).

القسم الثاني: ليتورجيا الكلمة

مشى معهما يسوع، ولم يعرفاه. استمع لمعاناتهما (لو 24: 19-24)، ثمّ راح ينوّرهما بالكلام الإلهيّ، من كتب موسى والأنبياء بشأن المسيح الآتي...(لو 24: 25-29).

القسم الثالث: ليتورجيا القربان، الذبيحة والمناولة

فيما كانوا متّكئِين على المائدة، فعل يسوع كما في عشائه الفصحيّ الأخير، ليل ذاك الخميس: إذ "أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما. وللحال انفتحت أعينهما وعرفاه، أمّا هو فارتفع عنهما (لو 24: 30-31).

القسم الرابع: الانطلاق للشهادة

إنّ المسيح، فادي الإنسان ومخلّص العالم، حيّ وفاعل في الكنيسة والعالم بقوّة كلمته والروح القدس، فيعطي حيويّة ونشاطًا... وهذا أيضًا ما جرى مع التلميذين (لو 24: 33-35).

هذه الأقسام الأربعة تشكّل وحدة مترابطة لا تتفكّك. ولذا حضور القدّاس يقتضي المشاركة فيها كلّها".

واستشهد البطريرك الراعي بالقدّيس باسيليوس الكبير للدلالة على محوريّة المحبّة، قال:"لولا محبّة التلميذين واستضافتهما لذاك الغريب، لما حصلت ليتورجيا الذبيحة والمناولة، ولما عرفا يسوع".

سرّ الإفخارستيّا الذي يجمع المؤمنين والمؤمنات إلى جسد المسيح الواحد أي الكنيسة، هو سرّ الوحدة في التعدّديّة. فكما الخبز المحوّل إلى جسد الربّ مؤلّف أساسًا من حبّات قمح جُمعت وطُحنت وعُجنت وخُبزت، فصارت خبزًا واحدًا، هكذا نحن المؤمنين بالمسيح أفراد جمعتهم الكلمة الإلهيّة والنعمة، نُصبح جسد المسيح بتناول جسد الربّ ودمه (1 كور 10: 16-17). إنّ سرّ القربان يمنحنا ثقافة الوحدة في التنوّع.

من هنا انطلق البطريرك الراعي إلى الشقّ الوطنيّ المعتاد في عظة الأحد، قال: "ثقافة الوحدة في التنوّع هذه هي من صميم النظام اللبنانيّ والكيان الذي وضعه المؤسّسون بميثاق وطنيّ سنة 1943. إنّه ثقافة العيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالمساواة والاحترام المتبادل والمشاركة بالتساوي في الحكم والإدارة. ولكن عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة يزعزع الميثاق وثقافة الوحدة في التنوّع، لأنّ رئيس الدولة هو ضابط الوحدة الوطنيّة بحكم الدستور (المادّة 49). بغيابه تتفكك العائلة اللبنانية كما هو حاصل".

وختم الراعي: "الوحدة الوطنيّة وثقافتها تقتضي أمرين: الأوّل، إجراء التطوّرات في مؤسّسات الدولة وهيكليّتها....والثاني، حمل رسالة السلام والتفاهم بين شعوب المنطقة العربيّة والعالم، واحترام حقوق الإنسان في مجتمعنا المشرقيّ. هذه الوحدة تقتضي الابتعاد عن الصراعات بالتزامين: الأوّل، عدم انحياز الدولة إلى أي من المواقف في الأزمات الدوليّة والإقليميّة، إلّا في قضايا العرب الكبرى. والثاني عدم إنحياز الحكم المركزيّ إلى أيّ من الطوائف أو الفئات في الأزمات الداخليّة ...

فلنصلِّ إلى الله كي يمنحنا جميعًا نعمة الإيمان بحضوره معنا وبيننا ليسير بنا إلى كلّ ما هو حقّ وخير وسلام. له المجد الآن وإلى الأبد، آمين".