الأراضي المقدّسة
04 تشرين الثاني 2017, 10:47

معرض معهد العالم العربي عن مسيحيي الشرق

ينظم معهد العالم العربي، في خريف عام 2017، معرضاً هاماً يتناول تاريخ المسيحيين في الشرق الأوسط، الذين يطلق عليهم اسم «مسيحيي الشرق».



 

ولدت المسيحية في القدس وانتشرت بسرعة في مصر ولبنان وسورية والأردن والعراق وقد لعبت، عبر التاريخ، دورا رئيسيا في تطور الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية في هذه البلدان. سيتيح هذا المعرض الفرصة لفهم المكانة التي يشغلها الدين المسيحي في الشرق، وكذلك التنوع الكبير في الأشكال التي اتخذها، مما يتجلى في تعددية الكنائس والقديسين والممارسات الطقسية والتقاليد والأماكن. مع العلم أن هذه المسيحية الشرقية مازالت مجهولة إلى حد كبير.

سيساهم المعرض أيضاً في إبراز حيوية هذه المجتمعات المسيحية العربية والاضطرابات التي تمر بها في الفترة الأخيرة بسبب الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة. يُنظم المعرض بتعاون وثيق مع ممثلي الطوائف المسيحية معتمداً على قطع أثرية أساسية من التراث المسيحي الشرقي، مما يجعله الأول من نوعه على مستوى الحجم والطموح وتنوع الخطاب.

يتتبع مسار المعرض تاريخ المسيحيين في العالم العربي منذ ولادة المسيحية حتى يومنا هذا، في حوار بين الماضي والحاضر والمستقبل. وتحضر فيه الكنائس الشرقية مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والآشورية الكلدانية اللتين تتميزان بالولاء للمجالس المسيحية الثلاثة الأولى، وبالتالي تختلف عن الكنيسة التي ستتخذ، بعد الانشقاق الذي حصل عام 1054 اسم الروم الأرثوذكس. هناك أيضاً الكنيسة المارونية والكنيسة الروم الملكية والاثنتان كاثوليكيتان بطقوس شرقية، مما يغذي التنوع الديني في المنطقة.

يعتمد المعرض على بعض الأحداث التاريخية البارزة مثل اعتبار المسيحية دينَ الدولة في القرن الرابع وتشكيل مختلف الكنائس، الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، وصول المبشرين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر، انشقاق الكنائس الشرقية عام 1724، النهضة العربية في القرن التاسع عشر والمشاركة البارزة للمسيحيين فيها، التجديد الثقافي والديني ضمن الأوضاع السياسية في القرنين العشرين والحادي والعشرين.

يحتوي المعرض على قطع أثرية توضح ثراء الكنائس في العالم العربي مثل قطع الفسيفساء الآتية من الكنائس الأولى في فلسطين والأردن وسورية ورسوم وجوه الرهبان القبط من دير مصري في باويط وكتابات على الرق للراهب القبطي الشهير شنودة، مسلات وتذكارات من الحج مع صور القديس مينا والقديس سمعان والقديسة تقلا، كؤوس وأطباق فضية من كنوز الكنائس السورية.. والكثير من القطع الأثرية المتميزة التي تلقي الضوء على المحيط الثقافي والسياسي الذي ولدت فيه المسيحية وتذكر بالأسس التاريخية والممارسات المعاصرة.

ستحتفظ هذه الكنائس بخصوصيات طقوسها الدينية بعد الفتح العربي. وسنرى في المعرض بشكل واضح غنى قراءة وترجمة ونقل النصوص المسيحية الرئيسية وذلك من خلال تقديم مخطوطات باللغات اليونانية والسريانية والقبطية والعربية، أو ثنائية اللغة أحياناً، مكتوبة في الفترة التي تمتد ما بين القرن الخامس إلى الرابع عشر في سورية أو العراق أو مصر. وسنجد أيضاً روائع من الفن الإسلامي بأسلوب مسيحي يبرز قيمة خبرة الحرفيين المسيحيين والعلاقات الفنية الوثيقة بين المسيحيين والمسلمين آنذاك.

منذ بداية القرن الخامس عشر، توجهت أوروبا تدريجيا نحو المسيحيين في العالم العربي الذين كانوا بدورهم مطلوبين فيها لتعليم اللغة العربية، فقد وجهت الدعوة إلى مسيحيين عرب لتعليم اللغة العربية في الكليات الرئيسية التابعة للقصور الملكية. سنكتشف أيضاً عبر التدريس والترجمة، ثم التجارة بين بلاد الشام وأوروبا الدور البارز الذي قام به المسيحيون الشرقيون كوسطاء ثقافيين بين الشرق والغرب. في المعرض أيضاً بعض الأناجيل الأولى المطبوعة في قزحيا وروما وباريس والأردية المصنوعة في ورشات نسيج حلب وأيقونات من مدرسة القدس وصحف تعود إلى عصر النهضة مطبوعة في مصر أو لبنان تشهد كلها على الزخم الثقافي والحِرَفي الذي كان يعيشه مسيحيو العالم العربي بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر.

ينتهي مسار المعرض بالتعرف على حيوية الكنائس اليوم برغم التغيرات السياسية التي عاشها العالم العربي في القرن العشرين والحادي والعشرين: ننتقل من الموشحات الدينية التي تتوجه إلى مريم العذراء في شوارع المدن اللبنانية إلى إحياء حياة الرهبنة المصرية وإلى تقاسم الأماكن المقدسة بين المسيحيين والمسلمين لنصل إلى النتيجة الواضحة في نهاية المعرض ألا وهي ضرورة حماية هذا التراث المسيحي الشرقي الغني.