لبنان
24 آب 2017, 12:35

مطر في وداع فرنسيس الخوري: نعمة الكهنوت استحقها وعمل بهديها فكان الراعي الصالح والخادم الأمين والرسول الوفي

ودعت الكنيسة المارونية وأبرشية بيروت، الخوري فرنسيس الخوري (91 عاما) الذي انتقل إلى بيت الآب، كما تمنى أن يكون إنتقاله، بعد احتفاله بالذبيحة الإلهية، صباح أمس وتناوله القربان المقدس، في كنيسة الوردية في رأس بيروت الذي خدم فيها حتى اليوم الأخير له على هذه الأرض.

وترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر الصلاة لراحة نفسه في كنيسة مار يوسف - الحكمة في الأشرفية التي خدم مذبحها الخوري فرنسيس لأكثر من 25 عاما، وشارك في الصلاة راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون ولفيف من الكهنة ورهبان وراهبات الصليب، تقدمتهن الأم الرئيسة جانيت أبي عبد الله.

مطر
وبعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران مطر عظة، فقال: "أنعم الله عليه بنعم فياضة فتقبلها ورد للرب كل ما استطاع من تمجيد وإكرام ومحبة وخدمة لازمته حتى الرمق الأخير من حياته. أعطاه أولا أن يولد في بلدة معروفة بمحبتها للمسيح "دملصه" في منطقة جبيل التي أعطت للكنيسة بطريركا وكهنة ورهبانا صالحين، فأخذ الإيمان صافيا عن آبائه وأجداده وعرف وجه المسيح ينعكس على الناس الطيبين من حوله، فتعلق به منذ صباه ولم يترك محبة هذا الوجه يوما من أيام حياته. ثم أعطاه نعمة وهو شاب منطلق مستعد للحياة وخدم في شركة "تابلاين" ردحا من الزمن، قبل أن يسمع نداء الكهنوت آتيا من ربه، أن اتبعني واترك كل شيء، أريدك أن تكون كاهنا راعيا لشعبي وأبنائي. وما ساعده على قبول اختيار الرب له، هو رفقة كانت له نعمة، الأب يعقوب الكبوشي الذي رافقه رحلات في لبنان من بلدة إلى بلدة، فتعلق به تعلقا شديدا، والأب يعقوب كان يحبه محبة خاصة، وما من شك في أن لقاءه مع أبونا يعقوب في السماء سيكون سبب فرح لهما وللكنيسة كلها".

اضاف: "دخل المدرسة الإكليريكية وقد عرفناه فيها أكثر من خمسين سنة وأحببناه، ذلك الوديع، واسمه كان وديعا والطيب القلب والتقي والمحب للجميع والرفيع الأخلاق، كلها صفات لازمته طوال حياته، وكانت مصدر حب له من قبل الناس جميعا الذين عرفوه والذين خدمهم خدمة باسم الرب يسوع المسيح. إرتسم كاهنا في أبرشية بيروت الحبيبة وانضم إلى عداد الآباء فيها الرعاة الصالحين وما طلب يوما لذاته شيئا، بل كان مطيعا لكلمة الأساقفة الذين تعاقبوا على الأبرشية من دون تحفظ مستعدا كان لكل مسؤولية تلقى عليه. خدم رعايا عديدة منها هذه الرعية مار يوسف - الحكمة سنوات طويلة، فأحب الفقراء لأن هذه المحبة طبعت في قلبه منذ تعرف على فرنسيس الأسيزي والروحانية الفرنسيسكانية الحبيبة. فرنسيس الأسيزي ترك كل شيء وغنى الدنيا وتبع المسيح، فإذا به مدرسة في الكنيسة، هي اليوم محطة إعجاب من العالم كله بفضل خاص وجديد من البابا فرنسيس الذي أخذ اسم هذا القديس والذي يحيا بروحانيته ويدعو جميع الكهنة والمطارنة والكرادلة والناس للالتفاف حول الذين هم في الضواحي وعلى هامش الحياة، متعبين محتاجين يسألون العون من رفاقهم في الإنسانية، فإذا بهذه المدرسة تربي أجيالا من المحتاجين الفقراء، انضم إلى صفوفهم الخوري فرنسيس عبر انتماءات عديدة في حياته الكهنوتية، فكان أولا في الرهبانية الفرنسيسكانية، ثم التزم بهذه الرهبانية روحا عندما صار كاهنا والتحق بجمعية البرادو التي هي ملتزمة بالفقراء وأهل الضواحي والتزم الكهنوت المريمي، لأن مريم بالنسبة إليه أم الرحمة التي تدعو أبناءها إلى أن يتضامنوا جميعا وألا يتركوا بعضهم بعضا يتخبطون لا بالعوز ولا بالفقر، ولا حتى بالغنى الذي يضر أصحابه".

وتابع: "خدم الخوري فرنسيس عدة رعايا وعمل في كرم الرب عملا غير منقطع ولكنه كان منقطع النظير، يلبي كل طلب عند أي إنسان ويلاحق حاجات الناس ويسمع شكواهم. وعندما وصل إلى الخامسة والسبعين وقدم استقالته من العمل الكهنوتي، ظننت أنه سيرتاح لكنه على مدة خمس عشرة سنة بعد استقالته لم يرتح يوما واحدا، بل بقي محبا للخدمة يلبي كل طلب ولا يستقر في مكان، وفي السنة الأخيرة كان من الذين لبوا حاجات الناس، الذين كانوا يقصدون دير القديسة فيرونيكا جولياني في أبرشية أنطلياس ليسمع اعتراف الناس ساعات، فالتزم بهذه المسؤولية من دون انقطاع. هذا هو الخوري فرنسيس، نعمة الكهنوت هي نعمة استحقها وعمل بهديها فكان الراعي الصالح والخادم الأمين والرسول الوفي، كان منقطع النظير في تواضعه ومحبته لجميع الناس مثلا ومثالا لكل إخوته ولنا جميعا. وجهه رضي، والآن بعد أن قرأت وصيته الأخيرة تيقنت بأن فيه مشروع قداسة ومشروع إنسان دخل الله قلبه وما خرج يوما، فلبى نداء الرب وعمل بوصاياه من دون تردد، وكان يطلب في آخر سنوات عمره أن يغادر هذه الدنيا وهو يقدس تيمنا بالقديس شربل، ولم يكن من الصدف أبدا أنه قدس وتناول القربان لآخر مرة ثم ذهب إلى بيت الآب، وكأنه زود في السفر الأخير بجسد الرب الذي يوصله إلى المذبح الإلهي. لبى الله طلبه ونقله إليه بعزة ومحبة. طبعا نفتقده جميعا ونبكي على فراقه لأنه أخ وأب عزيز ولكننا فخورون أن هذا المسافر في قلب هذا العالم وصل إلى بيت الآب، ليستقبل استقبالا معززا مكرما عند الله والعذراء مريم أمه".

واردف: "هذا الإنسان الذي انتمى إلى المدرسة الفرنسيسكانية طلب في وصيته أن يلبس ثوب مار فرنسيس ثم ثوب الكهنوت، والله كان يحبه على هذا الأساس. نشكر الله على أنه مر في أبرشية بيروت ومر في كنيستنا المارونية وفي هذه البلاد يزرع المحبة، كان خميرة صالحة في عجين هذا الوطن وكان رسول المحبة بامتياز، والله يستقبله على هذا الأساس في فسيح جنانه. نطلب من الله أن يعطينا على مثاله كهنة قديسين ورهبانا وراهبات يلبون نداء المسيح ليكونوا في هذا العالم وبين إخوتهم علامة حب الله ورحمته لنا جميعا وللعالم إلى الأبد. صل لأجلنا يا خوري فرنسيس لنكون أمينين على رسالتنا كما كنت أمينا عليها، صل لأجل إخوتك وأخواتك في هذا الوطن العزيز ليعرفوا طريق المحبة فيتغير وجه لبنان فيصبح وجه القداسة".

وختم: "باسم أبرشية بيروت وأبرشية جبيل وراعيها التي منها أتى الخوري فرنسيس والتي إليها يعود جسدا، باسم أهله وجميع الحاضرين، نقدم تعازينا الحارة لعائلته الصغرى ولعائلته الكبرى للرهبانية الفرنسيسكانية ولراهبات الصليب وللرعايا التي خدم فيها، ولكل الذين يذرفون اليوم دمعة سخية على فراقه، ونقول: يا ربي طوبى لمن ترضى عليهم كما رضيت على عبدك الخوري فرنسيس، فاقبله في رضاك وفي فسيح جنانك وكافئه مكافأة الرعاة الصالحين في ملكوتك إلى الأبد".

إلى دملصا
ثم انتقل المشيعون إلى دملصا في جبيل، مسقط رأس الخوري فرنسيس، حيث وري في الثرى، بعد صلاة وضع البخور في كنيسة مار نهرا.

التعازي
وتستمر العائلة بتقبل التعازي غدا الجمعة في صالون كنيسة مار يوسف - الحكمة في الأشرفية، من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر وحتى الساعة السابعة مساء.