مطر في عيد مار روكز: لنلتحق بالرّبّ ونتمسّك بإيماننا وليكن كلّ واحد منّا بضمير حيّ
"نعيّدكم أوّلا بعيد انتقال أمّنا أمّ الكنيسة أمّ يسوع نفسًا وجسدًا إلى السّماء، هذا أكبر تكريم صار لإنسان من الله الثّالوث الأقدس ومن الرّبّ يسوع المسيح، إمرأة فتاة عذراء قالت نعم للملاك فتجسّد فيها الإبن الأزليّ وصار إنسانًا، وأعطتنا يسوع لنا وللعالم، ورافقته حتّى الصّليب والقيامة والعنصرة وجعلها أمًّا لتلاميذه ولكنيسته، ثمّ ضمّها إلى أجواق الملائكة في السّماء والأرض وأقامها سلطانة على السّماء والأرض، إنّها أمّنا نفرح بها ونأخذ منها حنانها ومحبّتها، لنقوم بواجباتنا في هذه الدّنيا خير قيام. تعيّدون وتعيّد الكنيسة عيد مار روكز شفيع رعيّة الحازميّة، هذا القدّيس الذي مات شابًّا تحت الأربعين عامًا والذي عاش في القرن الخامس عشر، ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرين أيّ إنّه عاش منذ خمسمئة سنة. وإنّ مار روكز فرنسيّ الأصل وعندما صار شابًّا يافعًا شغف بيسوع المسيح وكان نبيلًا غنيًّا، فباع كلّ مقتناه كما فعل مار فرنسيس الأسيزيّ، وتبع المسيح ليخدم الفقراء، كرّس نفسه لهذه الخدمة وكان بدأ دراسة الطّبّ ولكنّه لم يكمل، وهذا ما أعانه بخدمة المرضى، وبخاصّة مرضى الطّاعون الذي كان فتّاكًا في أوروبا في زمانه هو. أخذ قرارًا بنفسه أن يذهب إلى روما للحجّ إلى أعتاب الرّسل بولس وبطرس ليتبرّك من هذين الرّسولين العظيمين وعلى الطّريق ذهابًا ثمّ إيابًا مرّ بمدن وقرى مضروبة بمرض الطّاعون فتكرّس للخدمة، وكان النّاس لا يتجرّأون أن يخدموا المرضى بهذا المرض مخافة من العدوى. أمّا هو فلم يخف فقرّر أن يكرّس نفسه لخدمتهم مهما كان الثّمن إلى أن مرض هو، وهذا كان متوقّعًا وصحّته ضعفت جدًا فعاد إلى بلاده وكأنّه سلّم نفسه للرّبّ لأنّ حياته ليست بمديدة. ولكن ما أضاف على تضحياته أنّه في سبيل عودته، ظنّوا به أنّه جاسوسًا فحبسوه وهو ليس لديه أحد وكان بعيدًا عن أهله، والغريب لا يكون محترمًا. لم يقل شيئًا ولم يكن يوجد محام في ذلك الوقت ليدافع عنه، بل قال أنا أسير باسم الرّبّ يسوع المسيح. وعندما أفلت من هناك كانت صحّته منتهية إلى أن مات ليس قتلًا بل مرضًا مقدّمًا نفسه للرّبّ. وهنا تبدأ الأساطير حوله أنّه عندما كان جائعًا جوعًا عظيمًا ومريضًا بمرض صعب، اختبأ في إحدى الغابات، وكان كلب رفيق دربه وصار هذا الحيوان يذهب كلّ يوم إلى مكان من الأمكنة يأخذ الخبز ويحضره إلى مار روكز حتّى قيل أنّ هذا الحيوان أخفّ وطأة من النّاس عليه، وهذا ما حدث مع القدّيسة تقلا التي أجبروها على أن تنكر إيمانها وعندما لم ترضخ رموها للوحوش التي نامت تحت أقدامها ولم تمسّها بسوء وكانت أكثر شفقة من النّاس عليها، ولذلك اعتبرته الكنيسة قدّيسًا بسرعة، وكرّمه النّاس وزاروا قبره وبقي اسمه حيًّا في الكنيسة إلى اليوم، وهو شفيع رعيّة الحازميّة وتطلبون اليوم شفاعته ونحن أيضًا نطلب شفاعة هذا القدّيس، فهو يعلّمنا أوّلا محبة المسيح وثانيًا يعلّمنا محبّة الخدمة.
إذكروا يا إخوتي قول المسيح الرّبّ "ابن البشر ما اتى ليُخدم بل أتى ليَخدم"، والمسيح ليلة آلامه غسل أرجل تلاميذه، هو الرّبّ الخالق وقال لهم، "أنا ربّكم عملت هكذا حتّى تحبّوا بعضكم بعضًا وتساعدوا بعضكم بعضًا". وطوبى لكلّ إنسان يقدّم مساعدة مهما كانت لإنسان آخر باسم المحبّة التي في يسوع المسيح وهذا عمل جيّد أن نكون متضامنين وأن يكون لنا قلب لا قلب من حجر بل قلب من لحم. إنّ أوّل عملية قلب حدثت في أيّام إرميا النّبيّ أيّ 600 سنة قبل المسيح بالكلام ولكن كلام هامّ، قال النّبيّ لشعب اسرائيل: "الله يريد أن ينزع منكم قلب الحجر، ويضع بدلًا منه قلبًا من لحم، قلبًا من بشر". لذلك نطلب بشفاعة القدّيس روكز أن يكون لنا قلب وأن تكون لنا محبّة الخدمة. طبعا قداسة مار روكز قداسة خاصّة، فهو باع كلّ شيء وذهب ليبشّر، وليست كلّ القداسات هكذا. نحن مدعوّون إلى قداسة عامّة وأقول لكم ما هي: أن نقوم بواجبنا وهذا يكفي. الأمّ تتقدّس بتربية أولادها، والإنجيل يقول لنا اليوم: "طوبى للوكيل الحكيم الذي يعطي الطّعام في حينه لأن ربّه يكافؤه مكافأة كبيرة". السّياسيّ يتقدّس ويتكرّس بخدمة النّاس، ويوجد سياسيّون تقدّسوا وتوجد أسماء البعض منهم على المذابح، ويوجد بعض الملوك الذين تقدّسوا وعلى سبيل المثال ملك فرنسا لويس التّاسع من خلال محبّته للرّبّ وخدمته للعدالة بين شعبه وصار قدّيسًا. والتّاجر الذي يخاف الله ويتعامل مع النّاس معاملة صادقة إنّه يكون على طريق القداسة. وكما تعلمون لدينا ثلاثة شهداء مسابكيّين كانوا تجارًا في الشّام في العام 1860، وصارت المذبحة وعندما أتوا إليهم قالوا لهم انكروا المسيح تخلصون، ولكنهم رفضوا نكران المسيح ولهذا قتلوا ولهم صور على المذابح في كنيسة مار جرجس. كانوا تجارًا لكن بخوف الله وبالكلمة الصّادقة. كلّ منّا يمكنه أن يكون قدّيسًا اذا عمل واجبه وكان ضميره حيًّا وفيه محبّة الله ومحبّة الصّلاة، إنّه ليس صعبًا، ولكنّ الأمر يتطلّب انتباهًا منّا وأن نصلّي للرّبّ ونطلب منه أن يعطينا لكي يكون ضميرنا حيًّا، وأن يعطينا لكي نحبّ الآخرين. وأقول لكم يا إخوتي لا يسعد أحد لوحده، بل علينا أن نساعد بعضنا البعض وأن نكون جسمًا حيًّا وكنيسة واحدة وشعبًا واحدًا. وهذا أمر هامّ جدًا لأنّ الله يريد منّا أن نكون جماعة ونكون جماعة مقدّسة أو جماعة قدّيسين والقربان حاضر والمسيح حاضر والكهنة لغفران الخطايا ولإعطاء كلام الله في حينه حتّى يتقدّس كلّ واحد منّا في حياته. وهذا المساء نطلب من هذا القدّيس العظيم هذا الشّاب الذي شغف بالمسيح ونقول طوبى له، لقد اعطانا كيف تكون المحبّة في ذهابها إلى الكلّ وإلى العمق وإلى العطاء الكامل، فهو لم يسأل عن نفسه ولا عن صحّته ولا يريد أن يربّي عائلة، إنّها نعمة خاصّة به، لكنّها علامة أن المحبّة هي كلّ شيء في هذه الدّنيا. ولهذا فإنّنا نطلب شفاعته لهذه الرّعيّة المباركة ولكم جميعًا ولكلّ الكنيسة. إنّ البابا فرنسيس وجّه نداء إلى المسيحيّين اليوم وقال لا يمكنكم أن تكملوا هكذا، وإذا أردتم أن تكونوا مسيحيّين انتبهوا إلى الضّعفاء. وقد أعطى مثلًا في إحدى كتاباته يقول فيه: أقول لكم لماذا العالم مريض اليوم، فلو كان إنسان فقير يعيش في الشّارع ومات جوعًا فلا تكتب عنه أيّ جريدة، ولكن لو اهتزّت البورصة فتقوم الدّنيا ولا تقعد ولكنّها لا تهتم بإنسان مات على الطّريق. ويقول البابا إنّه شيء غير سليم، فنحن بشر أوّلا ونحن أخوة، فهو يعلّمنا. وها هو يستقبل المؤمنين كلّ يوم أربعاء كما فعل البابا يوحنّا بولس الثّاني والبابا بنيديكتوس، إذ كان يحضر أكثر من عشرة آلاف شخص كلّ أربعاء ليستمعوا إلى كلام الباباوات السّابقين، أمّا اليوم فيحضر أربعون ألف شخص من مسيحيّين وغير مسيحيّين ويستمعون إلى ما يقوله البابا فرنسيس الذي يشجع على الحياة الطّاهرة والمسيحيّة. إذن، ربّنا موجود والرّوح القدس موجود والقداسة موجودة، وكذلك يوجد الشّرّ، ولكنّنا كمسيحيّين نقول مهما كان الشّرّ كبيرًا فإنّ الخير أكبر. فالدّنيا ممسوكة وليست مفلوتة ولو كان الشّرّ يتمادى، فالرّبّ يمهل ولا يهمل. الرّبّ حاضر والكنيسة حاضرة والقدّيسون حاضرون. ويكفي حضور القدّيسين ولاسيّما القدّيس شربل الذي يكفي لوحده. وهو عاش ثلاثين عامًا في المحبسة، يعمل في الكرم ولا يذوق حبّة عنب ويصلّي لربّه، وهو أصبح اليوم في كلّ العالم وفي أكبر كنيسة في نيويورك أقيم له مجسم من الموزاييك ويتوافد المؤمنون بشكل كبير إلى كنيسة سان باتريك منذ تدشين هذا الموزاييك. ومار شربل هو ولد من بقاعكفرا الضّيعة المنسيّة، وقد أصبح قدّيس الدّنيا كلها. فلنلتحق بالرّبّ ونتمسّك بإيماننا وليكن كلّ واحد منّا بضمير حيّ يسمع كلام الله يصلّي صباحًا ومساء ويقول للرّبّ إنّه مستعدّ لكلّ ما يطلبه منه والله يلهمكم إلى كلّ عمل صالح".