مطر في اربعين المطران أبي عاد: نصلي من أجل السلام في سوريا المفجوعة بالحرب القاسية
شارك في الذبيحة الإلهية وصلاة وضع البخور راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون والمطران الياس نصار ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات.
بعد الإنجيل المقدس ألقى المطران مطر عظة جاء فيها: "في هذا العام ذكرنا ونذكر مرور مئة سنة على وفاة المثلث الرحمات المطران بطرس شبلي ابن دفون وراعي أبرشية بيروت، مطرانا شهيدا للبنان منفيا الى الاناضول. وبعد مئة سنة نذكر ونبكي بالحب والفخر أخانا المطران أنيس أبي عاد، الذي انتقل من هذا العالم إلى بيت الآب منذ أربعين يوما واليوم نصنع له تذكارا أمام الله والكنيسة".
اضاف: "المطران أنيس ليس فقط ابن دفون التي نحبها وهي في القلب لما أعطت من رجال للكنيسة، بل هو ابن الكنيسة المارونية وأحد رعاتها الأبرار. أقول فيه وأنتم تباركون إنه أيقونة جميلة من أيقونات الكنيسة المارونية على الإطلاق، هذا الراعي الصالح ترك أينما حل بصمات لا تمحى. وقد كان لي الحظ أن ارافقه تلميذا ثم كاهنا ثم مطرانا، كما رافقته إلى حلب يوم تسلم مقاليد أبرشيته العزيزة، وكان بالنسبة لنا جميعا نحن رفاقه، مثالا يحتذى به".
واشار الى انه "في المدرسة الإكليريكية أخذ خطا رعائيا ثبته اليوم، بعد خمسين سنة البابا فرنسيس الكلي القداسة، وهذا الخط هو خط خدمة الفقراء أولا، لأن يسوع كان فقيرا أحب هؤلاء الناس لأنهم كانوا غالبية الدنيا، أحبهم وأطعمهم وأسقاهم وشفى أمراضهم وقال فيهم: إني أشفق على هذا الشعب لأنه كالخراف التي تحتاج إلى راع. أحب، المطران أنيس، الأب أنطوان شفرييه من كل قلبه، وخدمة الكهنوت بالنسبة لهؤلاء الذين سماهم البابا فرنسيس الهامشيين الذين هم في ضواحي العالم، فانطبع كهنوته بهذه الخدمة، وهذه المحبة التي ملأت قلبهم، يعطيهم من دون حساب، دون أن يترك إنسانا يمر فيه كائنا من كان، لأنه كان كما كان يقول بولس عن نفسه: صرت كلا للكل لأربح الكل ليسوع المسيح. هذا ما اندرج عليه زمان المدرسة الإكليريكية".
وتابع: "عندما دخل الحياة الرعائية بعد أن مر في المدرسة الإكليريكية بنشئة كهنة الغد، بكل محبة وتفان وإخلاص، ظهر في الرعايا التي خدمها ذلك الكاهن القديس الصالح، الذي عرف كيف يجمع الشباب من حوله والأخويات والجمعيات والرجال والنساء، يذهب بهم إلى يسوع المسيح، يدلهم على طريق الرب لا بالكلام وحسب، بل بالعمل والسيرة حاضرا ناضرا معهم، مكرسا نفسه لخدمتهم دون تردد ودون حساب. هذا ما عاشه في رعية سن الفيل بصورة خاصة والتي خدم فيها لسنوات وسنوات والرعية حفظت له إلى الآن وتحفظ له كل جميل لأنه نهض نهوضا كان مثاليا، لا في المنطقة وحسب بل في الأبرشية كلها لا بل في كل لبنان، فتحول هذا البيت القديم في الرعية إلى مركز رسالات إلى خلية نحل يأتي إليها الشباب من كل حدب وصوب وينبرون في خدمة الرب ضمن حركات ناشطة وعلامة نجاحها أنها أعطت للكنيسة دعوات رهبانية وكهنوتية بعدد كبير وفير. فالله كان وراء هذا العمل كله".
وقال: "نحن مدينون في الأبرشية للمطران أنيس للكهنة الذين أرسلهم إليه، من أبناء سن الفيل والجوار أي أنه كان مؤيدا بنعمة الرب في كل ما يعمل ويقول. وعلى هذا الأساس انتخبه الروح القدس عبر سينودس الأساقفة مطرانا على أبرشية حلب، فانطلق إلى هذه المدينة المحبوبة والشهيدة والتي نتمنى - متوجها إلى مطران حلب- أن نقيم قداسا للمطران أنيس، ربما السنة القادمة في حلب وتكون كاتدرائية حلب بدأت تترمم. هذه الكنيسة في قلبنا مع راعيها المفضال وكهنتها وشعبها، وهي من أجمل الكنائس المارونية في العالم، أصيبت كما أصيبت كنيسة مار جرجس في بيروت تماما، هي اليوم من دون سقف ولا جدران ولكن شعبها المؤمن سوف يرممها ان شاء الله ويعيد إليها الحياة والتقوى، وهذا ما نصلي له اليوم وما يصلي المطران أنيس من أجله، حيث هو".
اضاف: "وفي حلب، تفجرت طاقاته من جديد فكانت له مغامرة شيقة عظيمة باكتشاف مدفن مقدس مار مارون أب كنيستنا المارونية في براد، فذهب الناس من كل حدب وصوب وكان ذلك بفضل المطران أنيس والتي نتمنى أن تعود هذه الأيام ويصبح هذا المكان مكان حج كما كان أيام المطران أنيس في السنوات الحلوة التي سبقت الحرب، وهناك أيضا تفجرت طاقاته عندما عبر حدود طائفته إلى كل الطوائف المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية، ولم يكتف المطران أنيس بذلك، بل عبر إلى المسلمين في تلك المدينة وهذا أمر لا يعرفه أي إنسان كل إنسان، حتى إنه عندما عبر إلى تركيا عاد وأخبرنا أن الشعب هناك ليس بعيدا عن المسيح وكان يحب من كل قلبه أن يقوم برسالات في تلك المنطقة ليعرف الناس على يسوع المسيح".
واكد ان "قلب بولس نبض في قلبه، ومحبة المسيح قادته بصلاته إلى تلك الأيام التي سيعود الناس فيها إلى معرفة يسوع المسيح. وهكذا تعلق الناس به من جديد ورأوا فيه حبرا مفضالا محبا مصليا، فيه رائحة القداسة ومحبة الناس، حتى أنه صار على كل شفة من كبار القوم إلى صغارهم، من مسيحييهم إلى مسلميهم، فكان المطران أنيس الأعجوبة هناك. وعندما ترك حلب، لم يتركها إلا جسدا، كان كل يوم يسأل عن كل شخص وأحوال الناس هناك، ويصلي من أجلهم وتدمع عيناه، لأن السائق الذي أوصله عاد واستشهد لدى عودته إلى بيته. فتأثر كثيرا بأن هذا الإنسان الذي خدمه سبقه إلى بيت الآب، وكان شهيدا كما كل الشهداء الذين سقطوا في سوريا".
وقال: "في هذا القداس، ملهمين من المطران أنيس، نصلي معه من أجل السلام في سوريا، سوريا مهد المسيحية مثل لبنان، سوريا بلد انطاكية التي هي أمنا في الكنائس، سوريا المفجوعة اليوم في الحرب القاسية التي دمرت معظم حلب هي بحاجة إلى السلام وإلى أن تلملم جراحها من جديد، وإلى أن تتخلى عنها الأيادي الآثمة الكبيرة والصغيرة والتي لعبت بمصيرها لعبة قاسية وشرسة، نسأل الله بروحه القدس أن يلهم الجميع في العالم وأن يتقوا ربهم ويلقوا السلام على هذه المنطقة لتعود إليها الحياة من جديد".
اضاف: "وما من شك أن المطران أنيس من علياء السماء حيث يستقر، صحبة المسيح ربه والعذراء أمه، في الراحة الأبدية سيصلي من أجلنا جميعا، من أجل أبرشية بيروت التي هو ابنها وراعيها معنا ومن أجل بلدته وسن الفيل ومن أجل سوريا الحبيبة وحلب الشهباء ومن أجل هذا الشعب المتألم والصابر، سيصلي من أجل كل محبيه ومن أجل عائلته مع شقيقه بيار نذكركم بالخير والحب والحنان، نذكرهم بدمعة ولكن برجاء أنهم أحياء عند الله وأنهم في السعادة الأبدية يصلون من أجلنا على الدوام، هذا ما يشكل عزاء لنا أيها الآباء والإخوة الأعزاء. هذا الإنسان قد رقاه المسيح إلى أن صار أيقونة جديدة على رائحة القداس إنتقل من هذا العالم إلى بيت الآب وصار مثالا للراعي الصالح الذي يبذل نفسه في سبيل خرافه، نحن فخورون به وبمنجزاته كلها، بهذا الوجه المنير بهذه النيات الطيبة والحب الذي كان يكنه لكل الناس وبهذه العظمة في أخلاقه وكهنوته الصالح، لذلك لن نبكيه. بل نقول، نشكرك يا الله على هذه العطية منحتها كنيستك، ستبقى معنا إلى الأبد، مطرانا صالحا نقتدي به جميعا ويقربنا من الله بالتقوى العظيمة ومحبته تعالى".
وختم: "بهذه الثقة نكمل صلاتنا راجين الله، أن يعوض علينا بكهنة وأساقفة قديسين وأن يكون المطران أنيس أسقفا في قلب الله إلى الأبد. رحمة الله عليه ولنا التعزية من الله".