لبنان
27 حزيران 2019, 13:29

مطر: رأس الحكمة مخافة الله

ترأّس المطران بولس مطر قدّاسًا احتفاليًّا لمناسبة عيد شفيع مدرسة الحكمة برازيليا مار يوحنّا المعمدان، عاونه فيه رئيس المدرسة الخوري بيار أبي صالح، الآباء دانيال الخوري وطوني كرم وتوفيق أبي خليل وجورج عازار، بمشاركة الآباء رؤساء مدارس الحكمة ورؤساء المدارس المجاورة ولفيف من الكهنة والرّهبان والرّاهبات والنّائب حكمت ديب ورئيس بلديّة الحدت جورج إدوار عون وأسرة المدرسة بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام".

 

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى مطر عظة جاء فيها: "تعرفون الكلمة القائلة "من يزرع بالألم والدّموع، يحصد بالفرح". هذه حال تلامذتنا في هذه المدرسة العزيزة وجميع التّلاميذ في العالم الذين تزرع في قلبهم وعقلهم العلوم والأفكار بالتّعب والدّموع. وفي نهاية كلّ سنة يأتي وقت الحصاد والنّجاحات الوفيرة، ويعمّ الفرح الأهل والتّلامذة والمدرسة في آن مًعا، يا وعلى هذا الفرح في قلوبكم، يا أحبّائي، نشكر الله في هذا القدّاس ونمجّده إلى الأبد. وتلامذتنا الأحبّة على مدى هذه السّنة كلّها، الذين قد كبروا كما كبر يسوع الطّفل والولد بالحكمة والقامة والنّعمة أمام الله والنّاس. ويسوع الصّغير رافقهم صغارًا ويسوع الإله يرافقهم ويرافقنا كبارًا في هذه الدّنيا وإلى الأبد إلى دهر الدّاهرين. تمجّد اسمه إلى دهر الدّاهرين.

ويوحنّا المعمدان شفيع هذه المدرسة الحكمة - برازيليا، وهو النّبيّ الأخير في سلسلة أنبياء العهد القديم نذكر اليوم في عيد مولده، ما قال عنه يسوع في إنجيله بعد أن اعتمد: "ليس في مواليد النّساء أعظم من يوحنّا المعمدان. لكن أصغر إنسان في الملكوت هو أكبر منه، أيّ بعد المسيح. يوحنّا هذا كان نبيًّا عظيمًا تكرّس للرّبّ، عاش في الصّحراء، تأمّل بخالقه، وسمع إيحاءاته فقال له الله : أنت عندك رسالة، قبيل مجيء الإبن الى هذا العالم. رسالة تهيّء النّاس فيها بالتّوبة إلى استقبال المسيح الآتي.
ستكون وسيطًا بين المسيح وبين كلّ إنسان يذهب لينصت إليه. كم هي عظيمة هذه الرّسالة إن يكون الإنسان وسيطًا بين رفاق له وبين المسيح. وإن كانت هذه المدرسة تكرّم هذا النّبيّ، فلأنّها تأخذ عنه رسالة إلى المعلّمات والمعلّمين، في آن معًا. هؤلاء النّفوس التّقيّة والعالمة والمحبّة، هي التي توصل الأبناء والتّلاميذ إلى المسيح، عبر العلم والمثل الصّالح، والكلام الذي يدلّ عليه حتّى يصل كلّ إنسان من هؤلاء الأطفال إلى معرفة المسيح معرفة كاملة. نحن نؤمن أنّ كل معارف الأرض، كلّ المعلومات التي نختزنها في قلوبنا، هي وسيلة من الوسائل التي توصلنا إلى الحقيقة الكبرى السّامية، التي تستمدّ منها كلّ الحقائق وحقيقة هي الله ومحبّته لنا. لذلك أخذت الحكمة شعارًا لها منذ حوالى المئة وخمسين سنة من الكتاب المقدّس وهي: "رأس الحكمة مخافة الله"، أن نعرف كلّ شيء، وإن لم نعرف الله لن نعرف شيئًا. أمّا إذا عرفنا الله وقبلناه في قلوبنا واستقبلنا محبّته فينا، عندئذ نصبح بشرًا يحبّون بعضهم بعضًا ويجتمعون للخير كإخوة لأب واحد وهو الذي في السّماء. لن يكون لهذا العالم التّلاقي بين الشّعوب والنّاس إلّا إذا قبلوا أنّهم أبناء إله واحد وهو الذي في السّماء.

وكم ردّدت وأردّد أمامكم، أيّها الإخوة، لا يوجد أخوة من دون أبوّة. يمكننا أن نكسب أصدقاء والأكيد أن ربّنا يساعدنا، ولكن هل نستطيع أن نخلق لنا. أبدًا. الأخ يعطى من الأب، إن أقررنا أن هناك أبًا واحدًا في السّماء نستطيع أن نكون كلّنا إخوة، وإلّا لا مجال للأخوة في العالم. والحروب والنّزاعات تبقى والكبير يأكل الصّغير، لأنّ لا أخوّة من دون أبوّة. إقبلوا الله في قلوبكم وحياتكم وعندئذٍ تقبلون بعضكم بعضًا ويأتي سلام الله إلى العالم بأسره.

لقد قال يوحنّا المعمدان عن يسوع: هذا هو حمل ألله فاتبعوه. هو الذي يحمل خطايا العالم، أنا النّبيّ ولكن أنا خادم له. أنا أنقص وهو يكبر. لا أستحقّ أن أحلّ سير حذائه، أنظروا إلى هذا التّواضع. لا يحجب المسيح، بل يوصل النّاس إلى المسيح. هو الوسيلة الواسطة ليس إلّا. العريس هو المسيح وحده له المجدإالى الأبد. يوحنّا نذر نفسه للخدمة وعمّد النّاس وحضّرهم لمجيء المسيح، وبعد ذلك اختلف مع الملك الذي وبّخه لتصرّفه العاطل وتعرفون قصّة يوحنّا الذي طلب رأسه على طبق. ولكن قبل ذلك كان يوحنّا في السّجن قبل قطع رأسه، وراح يفكّر بينه وبين نفسه: هل يعقل أنا في السّجن والمسيح خارجًا وأنا خدمته؟ فأرسل تلميذين إلى يسوع يسألانه: أأنت المسيح؟ فقد شكّ يوحنّا وسأل لماذا هو في السّجن؟ فأجاب يسوع الرّسولين وقال لهما: إذهبا وقولا ليوحنّا: العميان يبصرون، والعرج يمشون والبرص يطهرون والمساكين يبشّرون وطوبى لمن لا يشك بيّ. فقال يوحنّا عندئذ: أنت ربّي وإلهي. ثمّ قدّم دمه سابقًا دم المسيح، من أجل فداء الكون وإتمام ملكوت الله. موته صار عرسًا، لأنّه كان شهيد الحقيقة وشهيد محبّة يسوع المسيح ويوحنّا يجمعنا في هذا اللّقاء بشهادته للرّبّ، بقداسته، لنتقدّس جميعنا ونكون أهل الحقيقة وأهل المحبّة في آن معًا. الفقراء يبشرون نهتم بهم، الدّولة تهتم بهم، العالم يهتم بهم، ليصبح العالم أكثر إنسانيّة وأكثر أخوّة وصوت يوحنّا يدوي في الفلوات. إذهبوا إلى الرّبّ تحدّوا عنده كلّ فرح وكلّ سلام. لذلك نعيّد اليوم لنبيّ عظيم قدّم دمه للمسيح شهادة وكان زرعًا مباركًا لكي تكبر الحقيقة ونكبر بها ونكبر بالمحبّة حتّى نبني ملكوت الله في كلّ عمل من أعمال حياتنا.

مبارك هذا العام، مباركة هذه المدرسة الحبيبة، مدرسة الحكمة- برازيليا وكلّ مدارس الحكمة. مباركة جامعة الحكمة ومباركة هذه الأبرشيّة التي التزمت العمل التّربويّ منذ مئة وخمسين سنة، فدمغت لبنان وتاريخه وثقافته بدمغة لا تنسى من أجل أن يكون لبنان وطن الجميع، وطن المحبّة والسّلام وطن الثّقافة والتّفتيش عن الحقّ والحرّيّة والكرامة والحقيقة الكاملة. أهنّىء هذه المدارس لتعبها وأشكر الله على أنها تخدم هذه الخدمة النصوح، تلامذة لبنان والأجيال الجديدة لتخرّج كلّ سنة من الجامعة ومن المدارس ألف شابّ وشابّة ينزلون إلى ساحة العمل في لبنان وخارجه ليكونوا خميرة صالحة مخمّرة بطيب المعرفة والحقّ الذي هو يسوع المسيح.
رسالة عظيمة تقوم بها الحكمات، آمل أن تكمل وأن ترعى ومن دون شكّ. سوف نكون كلّنا أساقفة بيروت واحدًا بعد واحد، مسؤولين عن نشر الخير والمحبّة والمعرفة بالعلم والتّدبير والتّقديس. بهذه الرّوح أحيّي المطران الجديد للأبرشيّة، سيادة أخينا المطران بولس عبد السّاتر الذي كان رئيسًا للحكمة - بيروت تسع سنوات ورئيسًا للحكمة في عين الرّمانة، والآن أصبح وليًّا للحكمات كلّها. نحن كنيسة واحد فيها اسمه بولس الذي يزرع كما قال الرّسول وواحد يسقي اسمه أبوللو والرّبّ يحيي. كلّنا خدمة باطلون، فعلنا ونفعل ما يجب علينا، ويأتي من بعدنا ليكمل التّراث والمسيرة إلى آخر الدّهر. صلّوا على نيّتنا جميعًا، أيّها الأحبّة، لنكون وأيّاكم شهودًا لربّنا يسوع المسيح فننال رضاه ونكسب محبّته ونسهم في ملكوته".