مسيرة متكاملة قوامها التفكير بحسب الله، وتخطّي الانغلاق وتنمية التواضع يقترحها البابا فرنسيس
إستهلّ البابا كلمته مرحّبًا بالحضور الذين اختاروا "السينودسيّة" موضوعًا للقائهم السنويّ، وذكّر بأنّ المسيرة السينودسيّة تتطلّب ارتدادًا روحيًّا، لأنْ من دون التبدّل الداخليّ لا يتّم التوصّل إلى نتائج مستدامة. وقال: "أودّ أن تبقى السينودسيّة طريقةً للعمل الدائم للكنيسة وعلى مختلف الصعد، وأنْ تلج قلبَ الرعاة والمؤمنين جميعهم لتتحوّل إلى "نمط كنسيّ" متقاسَم.
في سياق حديثه عن التفكير بحسب الله، أكّد البابا أنْ بعد إعلان الربّ عن آلامه وموته، بدأ بطرس يوبّخ يسوع، مع أنْ، كان يتعيّن عليه أن يكون قدوةً لباقي التلاميذ، وأن يضع نفسه تمامًا في خدمة المعلّم، لكنّه وقفَ في وجه مخطّطات الله، رافضًا الآلام والموت، فقال له يسوع إنّه لا يفكر بحسب الله بل بحسب البشر. والتبدّل الداخليّ الأوّل المطلوب منّا، هو الانتقال من أفكار البشر إلى فكر الله".
واعتبر البابا أنّ الكنيسة مدعوّة إلى مساءلة نفسها عمّا إذا كانت تتصرّف بحسب تفكير الله قبل أن تتّخذ أيّ قرار وأيّ مبادرة، مذكّرًا بأنّ الروح القدس هو من يقود المسيرة السينودسيّة، وهو وحده من يعلّمنا الإصغاء إلى صوت الله، فرديًّا أم جماعيًّا...
تابع البابا كلمته متوقفًا عند تخطّي الانغلاق. ولفت إلى القدّيس يوحنا الذي حاول، بعد أن أعلن الربّ للمرّة الثانية عن آلامه وموته، أن يقف في وجه رجل يمارس طرد الأرواح باسم يسوع مع أنّه لم يكن ينتمي إلى حلقة التلاميذ، بيد أنّ الربّ لم يوافق على هذا الأمر وقال ليوحنّا "من ليس ضدّنا فهو معنا"، ثم دعا الرسل إلى التيقّظ كي لا يكونوا حجر عثرة بالنسبة إلى الآخرين. وحذّر البابا، في هذا السياق، من الانغلاق ضمن الدائرة الضيّقة، ومن عدم الخروج عن نمط تفكير دائرتنا المغلقة.
شجّع البابا الحضور على عدم الخوف من فقدان شعور الانتماء إلى جماعة ما، فلا بدّ من الانفتاح على الآخرين وعلى أنماط مختلفة من التفكير. وأكّد أنّ السينودسيّة تتطلّب منّا النظر بعيدًا كي نرى حضور الله وعمله في الأشخاص الغرباء، في إطار مهام لم نقم بها من قبل. وهذا يستوجب أن نشعر بآلام الإخوة والأخوات في الإيمان ومجمل الأشخاص من حولنا، ومعاناتهم.
توقّف البابا أخيرًا عند تنمية التواضع، مشيرًا إلى يعقوب ويوحنا اللذين راحا، بعد إعلان يسوع للمرّة الثالثة عن آلامه وموته، يطلبان مكانة مميّزة لهما إلى جانب المعلّم، بيد أنّ الربّ ذكّرهما وذكّر الباقين بأنّ العظمة لا تكمن في أن نُخدم بل في أن نَخدم الآخرين، لأنّ هذا ما جاء الربّ نفسه ليفعله.
في هذا السياق، شدّد البابا على أنّ الارتداد الروحيّ ينطلق من التواضع الذي هو مدخلُ جميع الفضائل، داعيًا الحاضرين إلى مساءلة أنفسهم عمّا يريدون حقًّا من علاقتهم مع الإخوة في الإيمان، وشجّعهم على الارتداد إلى التواضع إذا ما شعروا أنّ الغرور والكبرياء يتغلغلان إلى قلبوهم.
ولفت البابا النظر إلى أنّ المتواضعين فقط يستطيعون القيام بأعمال عظيمة داخل الكنيسة، لأنّ الشخص المتواضع يملك أُسسًا صلبة ترتكز إلى محبّة الله. كما أنّ المتواضعين يدافعون عن الشركة في الكنيسة ويتفادون الانقسامات ويساهمون في إطلاق مشاريع متقاسَمة، لأنّهم يجدون في الخدمة فرحًا.
في ختام كلمته تمنّى البابا فرنسيس أن تكون الأفكار التي طرحها مفيدة لمسيرة ضيوفه وجمعيّاتهم وحركاتهم وأن تعود بالفائدة أيضًا على علاقاتهم مع الرعاة. وأمل أن يساعدهم هذا اللقاء على تثمين المواهب الخاصّة بكل فرد وجماعة من منظار كنسيّ، كي يقدّموا إسهامهم السخيّ والقيّم للكرازة بالإنجيل.