العراق
19 حزيران 2024, 09:40

مساهمات البطريرك مار لويس ساكو في مجال اللاهوت الاجتماعيّ: المطران حبيب هرمز

تيلي لوميار/ نورسات
اللاهوت الاجتماعيّ هو علمٌ عن الله وتدبيره الخلاصيّ عبر دراسات منهجيّة وبلغة إنسانيّة غير عاديّة مرتبطة بواقع المجتمع الهادف إلى بذر بذور ملكوت الله. اللاهوت الاجتماعيّ يربط بين الإيمان والمجتمع، وله طابع نبويّ قد يجعله صاحب مواقف مع المعرفة التقليديّة لأنّه يتمتّع بروح النقد ويقرأ علامات الأزمنة. يستند تعليم الكنيسة الاجتماعيّ على مصادر عديدة منها الكتاب المقدّس وأعمال آباء الكنيسة وتعليمها الرسميّ. ننقل الدراسة التالية عن موقع الكنيسة الكلدانيّة الرسميّ.

 

يقول المطران حبيب هرمز: "وأنا أعدُّ كتابًا بعنوان ]المدخل إلى اللاهوت الاجتماعيّ[، بحثت في مساهمات البطريرك مار لويس ساكو في مجال تعليم الكنيسة الاجتماعيّ. فمن خلال كلماته ورسائله ومقالاته وتصريحاته ومقابلاته الصحفيّة، نجد تغطيته لمحاور تعليم الكنيسة الاجتماعيّ وذلك مذ رُسم أسقفًا سنة 2002 وبطريركًا في 2013. ومن أبرز ما تناول البطريرك في مجال اللاهوت الاجتماعيّ:

المجتمع

• أهمّيّة السلام في حياة البشر في وقت نشهد اندلاع حروب عديدة، وضرورة الأمن الروحيّ والأخلاقيّ لضمانه. قال البطريرك "السلام، يجب أن يتحقّق من خلال القادة الدينيّين والسياسيّين باتّخاذ مبادرات مسؤولة".

• الدفاع عن كرامة الإنسان (رجل أو امرأة أو طفل). كتب سنة 2023: "ينبغي ألّا تغيب عن التعليم الدينيّ قيمُ كرامة الإنسان وحرّيّته وحقوقه التي هي جزء أساسيّ من رسالة الكنيسة والأديان، تمامًا كما فعل يسوع في حياته. لا ينبغي أن يشعر إنسان ما أنّه مستبعد ومهان ومظلوم".  

• ضرورة معالجة ظاهرة غياب ثقافة الاعتذار، وأهمّيّة نشر ثقافة التسامح في المجتمع. لمناسبة الذكرى الأولى لزيارة البابا فرنسيس العراق، دعا البطريرك إلى إنشاء مركز للتسامح والمصالحة والسلام من أجل التغلّب على كلّ عداء وتعزيز الشراكة.

• أهمّيّة حرّيّة الضمير والمواطنة والحرّيّة الدينيّة في ظلّ التحدّيات السياسيّة المعاصرة، ورفض الكوتا الطائفيّة أو المكوّناتيّة في البرلمان العراقيّ، أو تعامل مؤسّسات الدولة مع المسيحييّن كمواطنين من الدرجة الثانية "المواطنة هي الطريقة الوحيدة لتجاوز الانقسامات، في مؤتمر سنة 2018 قال: "المواطنة هي الحلّ الوحيد لمستقبل العراق ويجب أن تكون هذه المواطنة للجميع، أي تحت خيمتها ينضوي الكلّ، وتتمّ حماية كلّ شخص بغضّ النظر عن انتمائه العرقيّ والدينيّ. إنّ مفهوم المواطنة يساعد على وضع حدّ للتمييز والإقصاء، كما هو الحال في الغرب الديمقراطيّ. فالانتماء للوطن يلغي وجود أغلبيّة دينيّة أو عرقيّة أو حتّى مفهوم الأقلّيّة. لأنّ المواطنة تسمح للجميع بالحماية بما أنّهم سيخضعون للقانون عينه".

• التأكيد على حوار الأديان والذي هو بحاجة إلى الوعي والمثاقفة. وقال البطريرك مار روفائيل ساكو في لقاء للقادة العسكريّين في فرنسا سنة 2017: "إنّ الحروب كلّها تنتهي بما كان يجب أن تبدأ به، أي الحوار. الحوار يساعد على التعرّف على الآخر وحلّ المشاكل بطريقة حضاريّة لائقة بالناس".

"من النقاط التي تناولها البطريرك ساكو أيضًا"، تابع المطران هرمز:  

• إشكالية الدين وخطاب الكراهية والتطرّف الإرهابيّ والعنف باسم الدين وضرورة معاقبة مروّجيه. ففي مؤتمر لحرّيّة الدين في العراق قال: "لقد غدا التطرّف الإرهابيّ ظاهرة مخيفة ومقلقة في المنطقة والعالم، ومحنة تصدمنا نحن المسيحيّين الشرقيّين، وكذلك المكوّنات الدينية الصغيرة الأخرى".

• المطالبة المستمرّة "بإصلاح القوانين، والدستور الحالي متناقض ويحتاج دومًا إلى التفسير، كذلك إصلاح مناهج التعليم، وبعض فقراتها بات مستهلَكًا وقديمًا وفيها تغييبٍ لما له علاقة بالمسيحيّة.

الكنيسة

"في شأن الكنيسة، تطرّق البطريرك ساكو إلى عددٍ من النقاط"، قال المطران هرمز، منها:  

• العمل لتنمية الحياة الروحيّة والإنسانيّة في اتّجاه يتلائم مع متطلّبات العصر. هذا خصوصًا بالنسبة إلى المكرّسين فقد قال: "أوكّد كثيرًا أنْ تكون، بشكل خاصّ للكهنة والرهبان والراهبات، روحانيّةٌ عميقة.

• أهمّيّة مراجعة نظرة الكنيسة إلى دور النساء في المجتمع والكنيسة على ضوء المستجدّات الثقافيّة والاجتماعيّة. وفي رسالة راعويّة الى الشباب سنة 2018 كتب:"المرأة بالمعموديّة، عضوة في الكنيسة وشريكة، وتتمتّع بالكهنوت العامّ".  

• التحذير من العلمانيّة المتطرّفة وثقافة الموت والثقافة النسبيّة في العالم. فبعد زيارته أبرشيّة مار بطرس الرسول الكلدانيّة في أميركا كتب البطريرك: "حافظوا على أولويّة المسيح في قلوبكم ومواقفكم، فالولاء هو له وللكنيسة: ]كلّ شيء لكم، وأنتم للمسيح، والمسيح لله[ (1قور3: 23)".

• شرح أسباب تراجع المبادىء الدينيّة والروحيّة في الزواج، فذكر: التقدّم التكنولوجيّ والعلميّ، تشريع بعض الدول حقّ الأشخاص بالطلاق، دور الإعلام الرقميّ المعاصر. وحول روحانيّة الزواج كتب قائلًا: "الزواج في نظر الكنيسة تصميم إلهيّ، أوحي به في الخلق. "ذكرا وأنثى" أي شركة بين الرجل والمرأة، إنّه أساس الزواج وتكوين أسرة بأطفالٍ على صورة الله".

• إشكاليّة النزوح داخل البلد والهجرة إلى خارجه. كتب البطريرك ساكو في 30 نيسان/أبريل 2022 "مَن هاجر لم يهاجر عن بُطر، إنّما لأنّه فُصل لأسباب قاسية عن أرضه وأهله ومجتمعه وثقافته وحضارته، بسبب صراعات وحروب عبثيّة وفساد، وغياب الديمقراطيّة والعدالة والمساواة".

• إنقسام المسيحيّين في ما بينهم، وضعف فهمهم لمعنى السياسة. في نصّ له لمناسبة عيد الميلاد قال البطريرك "على المسيحيّين أيضًا أن يتعلّموا الدروس من الماضي وينزعوا عنهم الخوف والنظرة التشاؤميّة والمصالح الشخصيّة التي تقسمهم، وأن يبلوروا رؤيتهم ويوحّدوا صفّهم وموقفهم ويتماسكوا لكي يحافظوا على وجودهم ودورهم في الشأن العامّ والعمليّة السياسيّة بشراكة وطنيّة حقيقيّة بعيدة عن التبعيّة والوصاية، ويبنوا وطنهم ومستقبلهم يدًا بيد مع إخوتهم المسلمين، لأنّ المستقبل لا يستقيم ولا العيش المشترك إلّا معًا".

• العمل من أجل وحدة المسيحيّين. لقد تعمّق البطريرك في معنى الوحدة الجوهريّة فقال "الوحدة الجوهريّة موجودة في العمق (الإيمان والروح)، غير منظورة، فقانون إيماننا واحد وطقوسنا متقاربة خصوصًا ما يتعلّق بجوهر احتفالاتنا بالأسرار السبعة. هذه الوحدة غير تامّة كنسيًّا، لأنّ شكل الكنائس مختلف، جغرافيّتها مختلفة، لغتها مختلفة وهكذا بالنسبة إلى طقوسها وتقاليدها وقوانينها، فلا يمكن تجريد هذه الكنائس من هويّتها. المهمّ ألّا يتحوّل هذا التنوّع الجميل إلى خلافات ومنافسات وانعزالات.

• ضرورة تحمّل المكرّسين (كهنة وأساقفة) مسؤوليّاتهم الإنسانيّة والوطنيّة والكنسيّة "بحبّ المسيح ذاته ومشاعره، وبعلاقة وجدانيّة حيّة، بحيث نوجّه ذاتنا وكنيستنا ومجتمعنا نحوه".

• أهمّيّة استثمار المواهب الروحيّة (الكاريزما) في الخدمة. "أتمنّى أن تبقوا راسخين في الإيمان على الرغم من الظروف القاسية التي نعيشها، منفتحين على المحبّة، وأسخياء في أعمال الرحمة، التي ينتظرها إخوتنا المحتاجون –المهجّرون! ومواظبين على الصلاة، "إِعمَلوا لِلرَّبِّ بِهِمَّةٍ لا تَفتُر ورُوحٍ مُتَّقد...كُونوا لِلقِدِّيسينَ في حاجاتِهِم مُشارِكين وإلى ضِيافةِ الغُرَباءِ مُبادِرين…(رو 12: 11-13)  

"من هذا المنطلق، فإنّ خطابات البطريرك مار روفائيل ساكو وكلماته لها أهمّيّة كبيرة عند إعداد مناهج التعليم والعمل في الأبرشيّات والخورنات وخطط الأساقفة والكهنة لرعاية رعاياهم.

وقد تبيّن تعدّد اهتماماته في شتّى مناحي الحياة منذ أن رُسم أسقفًا وإلى يومنا هذا وله مقالات وكتب عديدة مذ كان كاهنًا"، كتب المطران حبيب هرمز الذي أبى إلّا أن يحيّي بطريرك كنيسته الكلدانيّة على ما يبذله لنموّها وثباتها.