لبنان
06 كانون الأول 2023, 06:55

مجلس كنائس الشّرق الأوسط وجّه بيانًا إلى المسؤولين في مؤتمر الأطراف في دبي، وهذا ما طالب به!

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار مؤتمر الأطراف COP28 حول تغيّر المناخ الّذي عُقد في دبي، أصدر مجلس كنائس الشّرق الأوسط بيانًا حول العناية بالخليقة بإسم كنائس الشّرق الأوسط حيث وجّهه إلى المسؤولين في مؤتمر دبي، وجاء في نصّه:

"نحن، كنائس الشّرق الأوسط، إذ نمثّل في المنطقة عائلات الإيمان المسيحيّ الأربعة في العالم،

نودّ، بموجب مسؤوليّتنا تجاه خليقة الله، أن نعلن موقفنا الواضح فيما يتعلّق بموضوع العناية بالخليقة وذلك قبل انعقاد المؤتمر الثّامن والعشرين لاتّفاقيّة الأمم المتّحدة بشأن تغيّر المناخ في دبي في أواخر عام 2023. إنّ هذا المؤتمر الّذي يلي رئاسة مصر لمؤتمر COP27 السّابع والعشرين، هو مناسبة لكنائسنا لتعبّر عن وعيها المتزايد والعمل الملحّ لضرورة مواجهة تغيّر المناخ وتدمير البيئة في هذه المنطقة اّلتي تشكل مهد إيماننا وحضارتنا.

إنّنا نرفع الصّوت اليوم من مهد إيماننا وحضارتنا، كما وفي تجمّعاتنا ومجتمعاتنا الّتي ننتمي إليها، ليس فقط كقادة للمجتمع المسيحيّ في الشّرق الأوسط، بل كأخوات وإخوة في الإنسانيّة، وكأعضاء في عائلات عالميّة تتخطّى منطقة معيّنة وتؤمن بالله الخالق. نستمدّ قاعدة دعوتنا هذه من إيماننا بأنّ الأرض وكلّ ما فيها من خلق الله وإعلانه أنّه "رأى أنّ كلّ شيء حسن" إذ أنّ كلّ ما خلقه ينتمي بالنّهاية إليه.

ثمّ إنّنا، في منطقتنا، ندرك قدسيّة التّربة الّتي داس يسوع المسيح عليها، وقداسة مياه نهر الأردنّ الّذي فيه تعمّد، وبهاء المناظر الطّبيعيّة الّتي شهدت قصّة خلاصنا.

إنّنا نأسف إذ نلحظ الضّرر على حياة الإنسان والحيوان والنّبات الّذي يؤول إلى تغيّر المناخ في العالم من حولنا، والّذي يسبّبه ما يقوم به البشر بصورة مستدامة وذلك بأنانيّة صارخة، ونعبّر عن توبتنا إذ أنّنا أهملنا مسؤوليّتنا في رعاية خليقة الله، كما ندعو إلى العمل على تحقيق تغييرات سريعة وجذريّة تقوم على المبادئ التّالية:

1. الإلتزام العالميّ الطّويل الأجل: تمثّل حالة الطّوارئ المناخيّة تهديدًا عالميًّا يتطلّب استجابة عالميّة حثيثة والتزامًا طويل الأمد. لن يحقّق التزام كهذا ما دامت الدّول مستمرّة في التّركيز على مصلحة وطنيّة ضيّقة أو على وجهات نظر سياسيّة قصيرة المدى. قد شجّعنا كثيرًا في المؤتمر السّابع والعشرين لاتّفاقيّة الأمم المتّحدة بشأن تغيّر المناخ على إنشاء مرفق للخسائر والأضرار ودعونا دول العالم إلى المساهمة في ذلك من خلال توفير أكبر للأموال الّتي تخصّص لمنشأة كهذه كما ومن خلال تحفيز الاستعداد لتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة الضّروريّة لذلك.

2. تمويل عادل للعناية بالمناخ: إنّنا ندرك أنّه في حين أنّ المزيد من الطّموح لخفض الانبعاثات ضروريّ للجميع، فإنّ هناك مسؤوليّة أكبر على كاهل الدّول الرّئيسيّة المسبّبة لانبعاثات الغازات الدّفيئة الحاليّة والمساعدة في تكيفها لتخفيف وطأتها على المناخ. من هنا فإنّنا ندعو دول العالم إلى التّمويل العادل للعمل المناخيّ وإلى تقاسم الخبرات، حتّى لا تضطرّ الدّول النّامية إلى الاختيار بين المديونيّة والفقر النّاجم عن تغيّر المناخ. إنّ هذا أمر ضروريّ، ليس فقط للتّصدّي للظّواهر الجوّيّة المتطرّفة، بل أيضًا لتخفيف حدوث الكوارث، بما في ذلك التّصحّر والجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر، والفيضانات السّاحليّة، والأخطار الّتي تهدّد الأمن الغذائيّ وفقدان التّنوّع البيولوجيّ من بين أمور أخرى داخل منطقة تواجه بالفعل قدرًا كبيرًا من الاضطرابات والهجرة البشريّة.

3. الإدارة العادلة للموارد: في جميع أنحاء منطقتنا، نرى كيف أنّ الصّراعات تحدّ من القدرة على تنظيم الموارد الطّبيعيّة. إنّ هذا من شأنه أن يقلّل من المحافظة على الأمن الغذائيّ، ويؤثّر على سبل العيش، ويمنع تكيّف الجهود فيما يتعلّق بتخفيف وطأة التّغيّر المناخيّ. ثمّ إنّ العدالة المناخيّة لا توجد بمعزل عن غيرها أيّ عن العدالة السّياسيّة والاقتصاديّة والمدنيّة. إنّ توفير الحقوق للجميع شرط أساسيّ للاستجابات المناخيّة الفعّالة. لذلك ندعو المجتمع الدّوليّ إلى أن يبذل المزيد من الجهود لحلّ الصّراعات الإقليميّة والدّاخليّة في منطقة الشّرق الأوسط كما وفي الكوكب كافّة وذلك بشكل خاصّ لتوفير الحماية الضّروريّة لمجموعات السّكّان الأصليّين في منطقة معيّنة كما نشدّد بشكل خاصّ على حماية الشّعب الفلسطينيّ كما على حماية كلّ من يحافظون على الثّقافة الرّعويّة والبدويّة. نودّ أن نعلن أنّنا سوف نعطي الأولويّة في التّصويت في ما يتعلّق بصنع القرار لما من شأنه أن يوفّر احتياجات الأشخاص الأكثر تأثّرًا بتغيّر المناخ ويساهم في ضمان تمتّعهم بذلك.

4. أنماط حياة أكثر بساطة: نحن ندعم الابتكارات التّكنولوجيّة المناسبة وإنتاج الطّاقة المتجدّدة. ومع ذلك، كمسيحيّين، نعتقد أيضًا أنّ أنماط الحياة الّتي تتطلّب موارد كثيفة تلعب دورًا فعّالاً في التّسبّب في أزمة المناخ. لذلك ندعو جميع المؤمنين إلى إعادة النّظر في علاقتنا بالطّبيعة، والتّفكير الجدّيّ في النّدرة والوفرة، وإعادة اكتشاف واقع أنّ نوعيّة الحياة لا تتكوّن من وفرة المقتنيات المادّيّة. علينا أن نعكس نهج يسوع في النّظر إلى الثّروة، فنعتمد أنماط حياة أبسط ونسعى لتعزيز المزيد من المساواة بين جميع النّاس. وفي سبيل ذلك سنسعى لتشمل توبتنا الخاصّة الصّيام عن الإفراط في استخدام الموارد الطّبيعيّة ونسعى للتّأمّل في التّأثير السّلبيّ للسّلع الاستهلاكيّة في زيادة أزمة المناخ. من أجل ذلك ندعو الحكومات في منطقتنا وشركائها إلى القيام بتطوير تنفيذ اقتصاد شامل ودائريّ، حيث نقلّل الهدر في النّفايات ونهتمّ بشكل أكبر بالموارد الثّمينة والمحدودة الموجودة فيها.  

5. التّحوّلات العادلة: بينما نسعى إلى عالم أبسط وأكثر عدلاً، فإنّنا ندرك أنّ إزالة الكربون من اقتصاداتنا تتطلّب التّدريب والاستثمار لخلق سبل عيش مستدامة للجميع. ويشكّل التّحوّل العادل في الاقتصاد جزءًا أساسيًّا من منع أنفسنا عن الاستثمار الأحفوريّ. كما أنّنا حذرون من أشكال جديدة من الظّلم، مثل استخراج المعادن الثّمينة من قبل الشّركات المتعدّدة الجنسيّات الّتي تستغلّ النّاس في ظروف عمل مزرية، مع فوائد زهيدة للعامّة من مواطني الدّول الّتي تستخرج منها الموارد. إنّنا نشدّد على ضرورة عدم استبدال ضرر ما بضرر أكبر يفوقه.

6. إلتزام الكنيسة: بالإضافة إلى دعوة الدّول والشّركات إلى السّعي لتحديد الضّرر النّاتج عن تغيّر المناخ بنسبة لا تفوق 1.5 درجة مئويّة، نحن نسعى إلى أن نكون صوتًا نبويًّا في ممارسة التّغيير الّذي نطلبه من الآخرين. تستطيع الكنيسة أن تكون مثالًا ساطعًا لما هو ممكن، ولذا فإنّنا نتحدّث إلى مجتمعاتنا، ونحثّها على الوعظ والصّلاة والعمل التّطبيقيّ بشأن تغيّر المناخ، في عاداتنا كما وفي الأنشطة الّتي نقوم بها، بدءًا من الجهود الصّغيرة لإعادة تدوير النّفايات والمياه الى إنتاج الطّاقة في منشآتنا، وإعادة النّظر بشكل كبير في عاداتنا الاستهلاكيّة. إنّنا ملتزمون بمواصلة تعزيز موسم الخليقة في كنائسنا، وذلك بتحويل الإيمان إلى عمل، وبنشر العناية بالخليقة في كلّ كنائسنا من خلال أنشطة التّنشئة المسيحيّة والعمل الاجتماعيّ.

7. التّعاون بين الكنيسة والدّولة: باعتبارنا كنيسة قائمة جنبًا إلى جنب مع مجتمعات ايمانيّة أخرى، فإنّنا نعتبر كافّة هذه المجتمعات، من النّاحية الاستراتيجيّة، شريكة أساسيّة في بناء القدرة على الصّمود والاستجابة للكوارث وتفعيلها والتّخفيف من وطأتها. في سبيل ذلك ندعو الحكومات الوطنيّة إلى زيادة جهودها في مؤازرة المشاركة بين الجماعات الدّينيّة المحلّيّة المختلفة في استجابتها لأزمة المناخ، وإلى الاعتراف بدور الجميع كأصوات موثوقة تتمتّع بسنوات من الخبرة في المجتمعات المحلّيّة. دعونا لا ننسى تلك المرونة علمًا بأنّ المجتمع في استجابته لأزمة تغيير المناخ الوجوديّة الكبرى في عصرنا لا يعتمد فقط على البنية التّحتيّة، بل وأيضًا على العلاقات بين النّاس. إلى ذلك من الضّروريّ أن نشير إلى أنّ في المجتمعات الضّعيفة تلعب أصوات النّساء والشّباب دورًا حاسمًا في تطوير استجابات دقيقة ومتماسكة مقبولة من الجميع.

إذ نقف معًا في هذا المنعطف الحرج من التّاريخ، نشكر الخالق، الّذي أعطانا هذه الأرض لنسكن فيها، ونصلّي، بصفتنا حكّامًا وحرّاسًا لخليقته، لكي نقوم بهذا الواجب بفرح. إنّنا ندعو جميع المندوبين إلى مؤتمر COP28 وواضعي المبادئ والسّياسات الّتي ستنتج عن أعماله، الّذين قد يسعون إلى الصّالح العامّ، إلى الاسترشاد والتّضامن المنصف للجميع. نصلّي من أجل الحكمة والشّجاعة لإجراء التّعديلات اللّازمة في أنماط حياتنا وسياساتنا وأنظمتنا لحماية وطننا المشترك وبناء عالم مستدام عادل للأجيال الحاليّة والمستقبليّة، كما ندعو ليتردّد صدى ما نقوم به معًا بعيدًا عن هذه القاعات، ممّا يلهم الأمل والتّصميم في مواجهة الشّدائد. هكذا نستطيع معًا أن نبني عالمًا أكثر أمانًا ونظافة وازدهارًا للأجيال القادمة."