الفاتيكان
26 آب 2021, 13:50

ما هي راعويّة العائلة الّتي نريدها في السّنة المخصّصة لـ"فرح الحبّ"؟

تيلي لوميار/ نورسات
"ما هو نوع العمل الرّاعويّ الّذي نريد أن نحقّقه مع العائلات؟ أيّ نوع من العلاقات الكنسيّة يمكن أن نقيمها لكي نرافق هذه العائلات، ونجعلها رائدة وموضوع راعويّة العائلة؟". منطلقة من هذه التّساؤلات، تأمّلت نائبة أمين سرّ دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة غابرييلا غامبينو براعويّة العائلة، في إطار السّنة المخصّصة لـ"فرح الحبّ"، في مقال نقله "فاتيكان نيوز" عن صحيفة "الأوسيرفاتوريه رومانو"، كتبت فيها:

"تستمرّ خبرة الوباء في السّنة الرّعويّة الّتي أراد الأب الأقدس تكريسها للعائلة، بمناسبة الذّكرى السّنويّة الخامسة على صدور الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ". نصّ يمكننا أن نصفه بأنّه برنامج التزام كنسيّ للعائلة يجب تنفيذه مع العائلات. إنّها حداثة تسائلنا الآن وتطلب منّا أن نقدّم تأمّلاً علائقيًّا داخل الكنيسة. ما هو نوع العمل الرّاعويّ الّذي نريد أن نحقّقه مع العائلات؟ أيّ نوع من العلاقات الكنسيّة يمكن أن نقيمها لكي نرافق هذه العائلات، ونجعلها رائدة وموضوع راعويّة العائلة؟

في هذا الصّدد، يدعونا الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" إلى ارتداد إرساليّ، يساعدنا على عدم التّوقّف عند مجرّد إعلان نظريّ منفصل عن المشاكل الحقيقيّة للأشخاص، ولاسيّما في زمننا هذا. ففي خضمّ الصّعوبات الّتي يزيدها الوباء، والّتي تمزّق حياة الأسرة وشركتها الحميمة للحياة والحبّ، تظهر العائلة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى كعلامة للأزمنة والكنيسة، المدعوّة للبحث عن هذه العلامات، هي مدعوّة أيضًا لكي تُدخل العائلات في الفسحة الكنسيّة لكي تتمكّن من الاقتراب منها ودعمها في دعوتها، انطلاقًا من مبدأ الواقع الّذي يجب أن يزيل كلّ خوف من الاقتراب من الصّعوبات الّتي لا تزال العائلات تُترك فيها اليوم وحدها في كثير من الأحيان. وبالتّالي فالعائلة، درب الكنيسة، تتطلّب منّا نظرة قادرة على الاندهاش إزاء ما هي عليه: "جماعة حياة وحبّ". بهذا المعنى، يمكنها أن تمثّل أسلوبًا للعلاقة الكنسيّة، الّتي يمكنها أن تساعدنا في توجيه راعويّة العائلة.

في الواقع، أظهرت العائلات المسيحيّة خلال الجائحة قوّة استقرار الرّوابط القائمة على الزّواج، وقوّة علاقات الثّقة، والمرونة الّتي تولد في الإيمان، حتّى في المواقف الأكثر صعوبة. لقد عاش الأزواج المسيحيّون العلاقة البنويّة العميقة تجاه الكنيسة الأمّ، الّتي كانت، كما لم يحدث من قبل، حاضرة داخل البيوت مع القدّاس اليوميّ الّذي احتفل به الأب الأقدس، والّذي دخل في العلاقة الحميمة العائليّة فجر كلّ يوم، وطبع كلّ يوم بكلماته الحنونة والملموسة الّتي ساعدتنا على فهم كيفيّة تنظيم يومنا في قلوبنا وفي العلاقات مع الّذين يعيشون بقربنا. لقد كان بالنّسبة لنا جميعًا راعيًا وأبًا وأخًا ومعلّمًا، ووسيلة لكي نركّز حياتنا في المسيح. شعرت العائلات أنّ هناك من يرافقها، وأنّها جزء من الكنيسة: "أغصان كرمة واحدة"، وجسد مع الحبر الأعظم، وإنّما أيضًا مع الأساقفة والكهنة، الّذين اجتهدوا لكي يكونوا حاضرين في بيوتنا بأساليب ووسائل جديدة.

بهذه الدّيناميكيّة البطيئة وإنّما الفعّالة في العديد من المجالات، تشكّلت بشكل تدريجيّ داخل الكنيسة علامات الشّركة هذه. تلك الخاصيّة العظيمة الّتي تنبع من الرّوح القدس. الأوكسجين الّذي سمح لنا بالاستمرار "بتنفّس" الكنيسة، انتمائنا إلى جسد المسيح، الّذي سمح لنا بتغذية إيماننا والحاجة إلى الرّجاء. إنَّ عائلات اليوم تحتاج لأن تشعر بأنّها جزء من الكنيسة لأنّ الشّعور بالانتماء يبعد النّاس عن الفردانيّة وعن العزلة، اللّتين نجد ترياقهما في خبرة عيش الشّركة. إنَّ العمل الرّاعويّ لا يولد من تخطيط ميكانيكيّ للنّشاطات وإنّما من شركة حياة فعليّة، من الإصغاء للعائلات ومن التّضامن في وقت الشّدّة. لهذا نحن بحاجة لكي نعيش الشّركة ونراها على أرض الواقع. وحدها الكنيسة الّتي تعيش وتحتفل في نفسها بسرّ الشّركة يمكنها أن تكون موضوع بشارة فعّال.

ما هو نموذج الشّركة الّذي تقترحه علينا العائلة المسيحيّة؟ نقرأ في الإرشاد الرّسوليّ "فرح الحبّ" في العدد 71: "العائلة هي صورة الله الّذي هو شركة أقانيم". وبأسلوب أكثر تحديدًا "إنّ الثّالوث الأقدس هو حاضر في هيكل الشَّرِكة الزّوجيّة". وبالتّالي "فالشّركة العائليّة الّتي تُعاش بطريقة جيّدة، هي مسيرة قداسة حقيقيّة في الحياة اليوميّة، ومسيرة نموّ صوفيّ، ووسيلة للاتّحاد الحميم مع الله. وفيما يتعلّق بالقوّة الموسِّعة للشّركة العائليّة، نقرأ في العدد 196: "إنَّ الحبّ بين الرّجل والمرأة في الزّواج، وبالتّالي بشكل موسّع الحبّ ما بين أفراد العائلة الواحدة، يقود العائلة إلى شَرِكةٍ أكثر عمقًا وقوّة. وفي هذا السّياق يدخل الأصدقاء أيضًا والعائلات الصّديقة وكذلك جماعات العائلات الّتي تدعم بعضها البعض في الصّعوبات والالتزام الاجتماعيّ والإيمان. وهنا خلصت السّيّدة غابرييلا غامبينو نائبة أمين سرّ دائرة العلمانيّين والعائلة والحياة إلى القول تدخل نظرة دهشة الكنيسة حول العائلة من أجل فهم الغنى الّتي يمكنها أن تمثّله لأسلوب عمل الكنيسة الرّاعويّ؛ وبالتّالي لكي تفهم الكنيسة سرّها بشكل كامل هي تنظر إلى العائلة المسيحيّة الّتي تتجلّى فيها المحبّة بطريقة طبيعيّة. ولذلك يمكن في الواقع لأسلوب المحبّة العائليّة المؤسّسة على الشّركة وتكامل الزّوجين أن يصبح أسلوبًا كنسيًّا لأنّ الكنيسة هي عائلة من العائلات، وتغتني باستمرار من حياة جميع الكنائس البيتيّة. لذلك، وبفعل سرّ الزّواج، تصبح كلّ عائلة بوجه كامل خيرًا للكنيسة."