الفاتيكان
12 تشرين الأول 2022, 12:30

ما هي الرّغبة وكيف تساعد على التّمييز؟

تيلي لوميار/ نورسات
"الرّغبة" كعنصر جديد من عناصر التّمييز كانت محور تعليم البابا فرنسيس اليوم خلال المقابلة العامّة، مواصلاً حديثه عن عناصر التّمييز، فـ"التّمييز هو شكل من أشكال البحث، والبحث يولد دائمًا من شيء ما ينقصنا لكنّنا نعرفه بشكل أو بآخر".

وبحسب "فاتيكان نيوز"، "توقّف قداسته عند فعل "يرغب" من وجهة نظر المعلّمين الرّوحيّين، فقال إنّ هذا الفعل والّذي تعود جذوره إلى الحنين إلى الملء والّذي لا يتحقّق هو علامة حضور الله فينا، وأضاف أنّ الرّغبة لا تعني نزوة لحظيّة، ثمّ أشار إلى أنّ فعل يرغب بالإيطاليّة يأتي من كلمة لاتينيّة تعني غياب النّجم أيّ أنّ الرّغبة هي غياب لنجم، لمرجع يوجّه مسيرة الحياة. وقال الأب الأقدس إنّ هذا يتسبّب في معاناة وافتقاد لكنّه يعني أيضًا توتّرًا لبلوغ الخير الّذي نرغب فيه والّذي ينقصنا. الرّغبة هي بالتّالي البوصلة الّتي تجعلنا نفهم أين نحن وإلى أين نسير.

وتابع البابا فرنسيس حديثه عن الرّغبة فقال إنّ الرّغبة الصّادقة تكون قادرة على لمس أعماق كياننا، ولهذا فإنّها لا تنطفئ أمام المصاعب. وأعطى هنا مثلاً الشّعور بالعطش، فحين نشعر بالعطش ولا نجد الماء فإنّنا لا نستسلم بل تشغل عمليّة البحث فكرنا وأفعالنا بشكل أكبر، ويعني هذا أنّ المصاعب لا تخنق الرّغبة بل على العكس تجعلها حيّة بشكل أكبر داخلنا. وواصل البابا أنّ الرّغبة، وعلى عكس النّزوة أو الشّعور اللّحظيَّين، تستمرّ مع الوقت، فإن أراد شابّ مثلاً أن يصبح طبيبًا فعليه أن يبدأ مسيرة دراسة وعمل ستشغل سنوات من حياته، ويعني هذا أن يقول لا لاختيارات أخرى ومن بينها اللّهو والتّسلية وخاصّة خلال لحظات الدّراسة الأكثر كثافة. وأضاف الأب الأقدس إنّ الرّغبة تعطي وجهة للحياة من أجل بلوغ الهدف وتجعل الشّخص يتجاوز المصاعب.

ثم لفت البابا فرنسيس الأنظار في تعليمه الأسبوعيّ، وانطلاقًا من قراءة اليوم من إنجيل القدّيس يوحنّا حول شفاء يسوع للمُقعد، إلى أنّ يسوع وقبل أن يحقّق معجزة غالبًا ما يسأل الشّخص عن رغبته، وفي مثال اليوم سأل يسوع المُقعد "أتريد أن تُشفى؟". وتابع البابا فرنسيس أنّ إجابة المُقعد تكشف عن عدد من أشكال مقاومة غريبة للشّفاء لا تتعلّق بالمريض وحده. فقد كان سؤال يسوع، قال الأب الأقدس، دعوة إلى أن يوضح المُقعد ما في قلبه كي يتلقّى تلك النّقلة النّوعيّة الممكنة، ألا يفكّر في ذاته وفي حياته كمُقعد يحمله الآخرون إلى البِركة. وواصل قداسة البابا أنّنا وبفضل الحوار مع الرّب نتعلّم أن نفهم ما نريد بالفعل من حياتنا، وذكَّر بشكوى المُقعد وحذّر بالتّالي من الشّكوى الّتي وصفها بسم للنّفس وللحياة لا ينمي الرّغبة ولا يجعل الإنسان يسير قدمًا.

هثا وأراد البابا فرنسيس التّوقّف عند زمننا مشيرًا إلى أنّه يبدو زمنًا تطبعه حرّيّة قصوى في الاختيار، إلّا أنّه زمن يقضي على الرّغبة، قال قداسته محذّرًا من شل الرّغبات هذا. وتابع متحدّثًا عمّا نلقى من اقتراحات ومشاريع وإمكانيّات كثيرة ما يهدّد بخطر أن نتلهّى عن أن نقيِّم بهدوء ما نريد بالفعل. وأعطى البابا هنا مثلاً الشّباب الّذين يستخدمون الهواتف المحمولة بشكل متواصل، وتساءل هل يتوقّفون للتّفكير؟ وكانت الإجابة بالنّفي، وذلك لأنّ الرّغبة لا يمكن أن تنمو بهذا الشّكل الّذي هو بالأحرى عيش اللّحظة والاكتفاء بها بدون تمكين الرّغبة من النّموّ."

وأشار البابا في الختام إلى معاناة أشخاص كُثر لعدم معرفتهم ماذا يريدون من حياتهم، وقال: "إنّ هؤلاء لم يكونوا على الأرجح في علاقة مع رغبتهم العميقة. وإنّ هذا يهدّد بخطر أن يمضي الإنسان حياته في محاولات مختلفة بدون الوصول إلى أيّ شيء ويضيّع فرصًا ثمينة". وتحدّث في هذا السّياق عن وجود تغيّرات "قد تكون هناك رغبة نظريّة فيها، إلّا أنّها لا تطبَّق ما أن تحين الفرصة حيث تغيب الرّغبة القويّة في السّير بالأمور قدمًا". ثمّ "تساءل قداسة البابا ماذا لو وجّه إلينا الرّبّ السّؤال الّذي وجّهه إلى أعمى أريحا "ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟"، وتابع أنّ بإمكاننا ربّما أن نطلب منه أن يساعدنا كي نعرف الرّغبة العميقة الّتي وضعها هو في قلوبنا وكي نحقّق هذه الرّغبة، أن نطلب من الرّبّ أن يهبنا الرّغبة وأن يجعلها تكبر. وختم البابا إنّ الرّبّ لديه هو أيضًا رغبة كبيرة، أن يجعلنا شركاء في ملء الحياة الّذي يهبه".

وبعد تعليمه الأسبوعيّ، وجّه البابا فرنسيس قلبه نحو الشّعب الأوكرانيّ، وخاصّة سكّان المناطق الّتي تمّ قصفها بقوّة، وأكّد أنّه يحمل في داخله ألمًا يعبِّر عنه في الصّلاة إلى الرّبّ بشفاعة العذراء أمّ الله، وأنّ الرّبّ يصغي دائمًا إلى صرحة الفقراء الّذين يتضرّعون إليه. وتضرّع البابا "كي يحوِّل الرّوح القدس قلوب مَن بيدهم مصير الحرب، وكي يتوقّف إعصار العنف ويتمّ التّمكّن من إعادة بناء تعايش سلميّ في العدالة".