ما دور الجبال العملاقة في تطور كوكبنا؟
يقول "زيي تشو" المؤلف الرئيس للدراسة، في بيان: "لا يوجد شيء مثل هذين الجبلين الفائقين اليوم، إذ لا يتعلق الأمر بارتفاعهم فقط، إذا كنت تستطيع تخيل تكرار 2400 كم ثلاث أو أربع مرات، فستحصل على فكرة عن المقياس." إذ كانت قمم ما قبل التاريخ هذه أكثر من مجرد مشهد رائع. وفقًا للبحث الجديد، الذي نُشر في مجلة "Earth and Planetary Science Letters"، لذا فإن تشكيل وتدمير هذين النطاقين العملاقين ربما يكون سببًا في حدوث أكبر فترات ازدهار تطوري في تاريخ كوكبنا،وهي أول ظهور للخلايا المعقدة منذ ما يقرب من 2 مليار سنة، والانفجار الكمبري للحياة البحرية منذ 541 مليون سنة.
يشير الباحثون إلى أن تآكل هذه السلاسل الجبلية الهائلة، قد تسببت في إلقاء كميات هائلة من العناصر الغذائية في البحر، مما أدى إلى تسريع إنتاج الطاقة وشحن التطور
ترتفع الجبال عندما تصطدم الصفائح التكتونية دائمة التغير للأرض بكتلتين أرضيتين معًا، ما يدفع الصخور السطحية إلى ارتفاعات شاهقة. كذلك يمكن أن تنمو الجبال لمئات الملايين من السنين أو أكثر - ولكن حتى أعلى النطاقات تولد مع تاريخ انتهاء الصلاحية، حيث يبدأ التآكل الناجم عن الرياح والمياه والقوى الأخرى على الفور في تقليص تلك القمم.
يمكن للعلماء تجميع تاريخ جبال الأرض من خلال دراسة المعادن التي تتركها تلك القمم وراءها في قشرة الكوكب. بلورات الزركون، على سبيل المثال، تتشكل تحت ضغط عالٍ عميقًا تحت سلاسل الجبال الثقيلة، ويمكنها البقاء على قيد الحياة في الصخور لفترة طويلة بعد اختفاء الجبال الأم. كما يُمكن أن يكشف التركيب الأولي الدقيق لكل حبة زركون عن الظروف في القشرة متى وأين تتشكل تلك البلورات.
في الدراسة الجديدة، قام الباحثون بفحص الزركون بكميات منخفضة من اللوتيتيوم - وهو عنصر أرضي نادر يتشكل فقط عند قاعدة الجبال العالية. وكشفت البيانات عن ارتفاعين من تكوين الجبال العملاقة في تاريخ الأرض - واحدة استمرت من 2 مليار إلى 1.8 مليار سنة مضت، والثانية استمرت من 650 مليون إلى 500 مليون سنة مضت. وقد ألمحت الدراسات السابقة إلى وجود هذا النطاق الملحمي الثاني - المعروف باسم جبل "ترانسغوندوانان" الخارق، لأنه عبر شبه القارة الشاسعة في جوندوانا (قارة عملاقة واحدة تحتوي على كتل اليابسة في إفريقيا الحديثة وأميركا الجنوبية وأستراليا والقارة القطبية الجنوبية والهندية وشبه الجزيرة العربية). ومع ذلك، فإن الجبل الفائق الأقدم - الذي يُطلق عليه اسم "نونا" العملاق، لم يتم اكتشافه من قبل من قبل.
هذه الدراسة تؤكد أن الطفرات البيولوجية الأكثر إنتاجية على كوكبنا حدثت في ظلال بعض الجبال الضخمة
أظهر توزيع بلورات الزركون أن هذين الجبلين الفائقين القديمين كانا هائلين - من المحتمل أن يمتد طولهما أكثر من 8000 كيلومتر، أي نحو ضعف المسافة من فلوريدا إلى كاليفورنيا. ويقول الباحثون إنه مع تآكل كلا الجبلين، فقد ألقيت كميات هائلة من العناصر الغذائية مثل الحديد والفوسفور في البحر من خلال دورة المياه. حيث يُمكن لهذه العناصر الغذائية أن تسرع بشكل كبير الدورات البيولوجية في المحيط، ما يدفع التطور إلى تعقيد أكبر. بالإضافة إلى انتشار هذه المغذيات، قد تكون الجبال المتآكلة قد أطلقت أيضًا الأوكسجين في الغلاف الجوي، ما جعل الأرض أكثر ملاءمة للحياة المعقدة. على سبيل المثال، يتزامن تكوين جبل "نونا" الفائق مع ظهور أول خلايا حقيقية النواة على الأرض - خلايا تحتوي على نواة تطورت في النهاية إلى نباتات وحيوانات وفطريات. في هذه الأثناء، كان من الممكن أن يتآكل جبل "ترانسغندوان" العملاق تمامًا كما تكشفت طفرة تطورية أخرى في بحار الأرض. يوضح "تشو": "يتزامن جبل ترانسغوندوانان الفائق مع ظهور أول حيوانات كبيرة قبل 575 مليون سنة والانفجار الكمبري بعد 45 مليون سنة، عندما ظهرت معظم مجموعات الحيوانات في السجل الأحفوري".
في البحث الأخير أكد الفريق أيضًا الدراسات السابقة التي وجدت أن تكوين الجبال توقف على الأرض منذ نحو 1.7 مليار إلى 750 مليون سنة. إذ يشير علماء الجيولوجيا إلى هذه الفترة باسم "المليار الممل"، لأن الحياة في بحار الأرض على ما يبدو توقفت عن التطور (أو على الأقل تطورت ببطء) إذ يفترض بعض العلماء أن الافتقار إلى تكوين جبلي جديد ربما منع مغذيات جديدة من التسرب إلى المحيطات خلال هذا الوقت، ما أدى إلى تجويع الكائنات البحرية ووقف تطورها.
المصدر: National Geographic