لبنان
29 حزيران 2018, 12:30

مار بطرس وبولس جوهرتان في شحتول

"بطرس وبولس جوهرتان رُصّع بهما تاج البيعة المقدّسة"، تحت هذا العنوان توجّه راعي أبرشيّة جونية المارونيّة المطران أنطوان نبيل العنداريّ في عظته إلى المشاركين في قدّاس عيد مار بطرس وبولس، الّذي أقامته جمعيّة "مار منصور دي بول"- فرع مار بطرس- شحتول، وقد عاونه فيه كاهن الرّعيّة الأب طوني بو عسّاف ولفيف من الكهنة.

 

وقال العنداري نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "تكرّم الكنيسة المقدسة الرّسولين بطرس وبولس، عمودي الكنيسة، في عيد واحد ويوم واحد: بطرس هامة الرّسل وبولس الإناء المختار. وأيّ مديح يفوق مديح يسوع لهما حين قال في بطرس: "أنت الصّخرة وعلى هذه الصّخرة سأبني بيعتي". وقال في بولس: "اخترته ليكون حاملاً اسمي بين الأمم". على رئاسة بطرس وتعاليم بولس قامت كنيسة المسيح، وستبقى ما دام الرّبّ وعد: "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" وهاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم.
يتمتّع القدّيس بطرس، العفويّ المتحمّس والجريء الغيور، بصفات كثيرة، نذكر منها: الأمانة، الثّقة، التّواضع، التّجرّد والشّهامة. كان يمتاز بالأمانة حين سأل السّيّد المسيح رسله، بعد أن تخلّى عنه الكثير من تلاميذه، بعد كلامه عن القربان المقدّس، الخبز النّازل من السّماء، قائلاً: "وأنتم ألا تريدون أن تذهبوا؟" فأجابه بطرس: "إلى من نذهب وعندك كلام الحياة الأبديّة" (يو 6). وكان بطرس صاحب ثقة عظيمة بمعلّمه حتّى سار على المياه طوعًا لكلام الرّبّ: "إذا كنت أنت هو فمر أن آتي إليك على المياه"(متّى 14). وامتاز بالتّواضع. ندم على النّكران، واعترف بخطاياه أنّه غير أهل لاتّباع يسوع، إذ خرّ على قدميه قائلاً: "ابتعد عنّي فإنّي رجل خاطىء"(لو 5). وتجرّد بطرس عن كلّ شيء من أجل المسيح: "ها نحن قد تركنا كلّ شيء وتبعناك" (متّى 19). نعم كان فقيرًا بحسب قول القدّيس غريغوريوس الكبير، لكنّه ترك كثيرًا لأنّه لم يحتفظ بشيء. مثله مثل الأرملة الّتي ألقت بفلسها في هيكل الرّبّ. أمّا الشّهامة فقد عبّر عنها أوّلاً في العشاء الأخير لمّا رفض أن يغسل الرّبّ قدميه، وثانيًا بستان الزّيتون مدافعًا عن يسوع إذ ضرب بالسّيف أذن عبد رئيس الكهنة، وثالثًا بعد القيامة حيث رمى بنفسه في البحر، في مشهد الصّيد العجيب، لمّا أعلن أنّه هو الرّبّ الّذي ظهر.
وتميّز بولس الرسول، المثقّف المهتدي، بصفات نذكر ثلاثة منها: أوّلاً: الارتباط الكلّيّ بالمسيح. "من يفصلني عن محبّة المسيح: أشدّة أم ضيق أم عري أم خطر أم سيف أم اضطهاد. إنّي واثق بأنّه لا الموت ولا الحياة. ولا شيء يفصلني عن محبّة المسيح"(روم 8). وبعد ان أحبّ يسوع، دعا الكلّ إلى محبّة يسوع بقوّة: "إن كان أحد لا يحبّ الرّبّ فاللّعنة عليه" (1 قور 16). قال عنه القدّيس يوحنّا فم الذّهب: "إنّ قلب بولس هو قلب المسيح". ثانيًا: الغيرة الرّسوليّة: أحبّ بولس كلّ نفس أحبّها المسيح. وعبّر عن ذلك مرارًا عديدة: "إنّي أغار عليكم غيرة الله". "من يضعف ولا أضعف أنا، أو من يشكّك ولا أحترق أنا" (2 قور 11). "إنّي أبذل ذاتي لأجل نفوسكم" (2 قور 12). "والويل لي إن لم أبشّر، إنّ التّبشير فريضة لا بدّ منها". ثالثًا: البطولة في سبيل المسيح: يمكننا القول بإنّ بولس الرّسول هو رجل ليس كالرّجال، هو بطل في ما احتمله من أجل إعلان البشارة: "نجوع ونعطش ونعرّى. نشتم فنبارك. نضطهد فنتحمل. لقد صرنا كأقذار العالم كأوساخ يستخبثها الجميع. جلدني اليهود خمس مرات. ضربت بالعصي ثلاث مرّات. قضيت ليلاً ونهارًا في عمق البحر. كنت في أخطار من أمّتي ومن الأمم" (2 قور).
هذه الصّفات للرّسولين بطرس وبولس تدعونا لنقتدي بهما، لترسيخ محبّتنا ليسوع المسيح كما هو أحبّنا، كي نكون على استعداد دائم لنجاهد الجهاد الحسن وحفظ الإيمان. ويدعو قداسة البابا فرنسيس بدوره، إلى الاتّعاظ من هذه الرّسولين العظيمين بثلاث كلمات جوهريّة: الاعتراف والاضطهاد والصّلاة. الاعتراف بيسوع المسيح مثل اعتراف بطرس عندما سأل الرّبّ تلاميذه: "من يقول النّاس إنّي أنا ابن الإنسان"؟ فنجدّد اليوم خيار حياتنا بدافع إيمان وثقة ومحبّة ورجاء، ليكون إيماننا إيمان بطرس وجواب بطرس: "إنت هو المسيح ابن الله الحيّ". لنسائل ذواتنا إن كنّا مسيحيّي صالونات وثرثرة أو رسل أمناء يتبعون المسيح في الواقع والممارسة إلى النّهاية، أيّ إتّباع درب الحياة الجديدة، درب الفرح والقيامة، مرورًا بدرب الصّليب والاضطهادات. يؤكد بولس الرسول في هذا المجال: ها أنذا أعد قربانا للرب. لقد كانت حياته المسيح، وبالتّحديد المسيح المصلوب الّذي بذل حياته من أجله. يعلّمنا بطرس وبولس أنّ المسيحيّ الّذي يتشبّه ويتتلمذ للمسيح لا وجود له بدون اضطهاد وصليب. لأنّ طريق الصّليب هو طريق المجد.
إنّ الاعتراف بالمسيح والتّضحية في سبيله هي حياة المسيحيّ الّتي تفيض مسيرته بالصّلاة. إنّ الصّلاة هي ماء الحياة الّتي تغذّي الرّجاء وتنمّي الثّقة وتجعلنا محبّين ومحبوبين. الصّلاة تعضدنا في الكنيسة، تحفظنا وتجعلنا نتخطّى المحن. إنّها القوّة الّتي تجمعنا، والعلاج ضدّ العزلة والاكتفاء الذّاتيّ الّذي يقود إلى الموت الرّوحيّ. إنّ الرّبّ يتدخّل عندما نصلّي. وكما رافق الرّسل يرافقنا ويقوّينا. نسألك أيّها الرّبّ يسوع، بشفاعة الرّسولين بطرس وبولس، أن تمنحنا إيمانًا ثابتًا، ومحبّة كاملة ورجاء مستمرًّا. إحفظنا في كنيستك بعيدًا عن كلّ البدع والهرطقات، عن الموبقات والإغراءات، وعن كلّ الانقسامات، وليكن إيماننا وهتافنا واحد على لسان بطرس هامة الرّسل: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ".
بعد القدّاس، افتتح المطران العنداري معرض منتوجات الفرع في ساحة الدّار.