الفاتيكان
30 آب 2016, 08:10

مارينا ريتشي مراسلة الفاتيكان السابقة تروي اللقاء الرائع الذي غير حياتها وحياة أسرتها…دفعها الله الى أمر لم تكن تخاله يوماً

مارينا ريتشي، صحفية ومراسلة الفاتيكان السابقة في TG5، تروي في كتاب “Govindo. Il dono di Madre Teresa”قصتها وقصة عائلتها، المنسوجة من لدن العناية الالهية المقدسة للام تيريزا ومهمة التبشير والاحسان. تم إغلاق المسودة الأولى للقصة في الدرج لمدة خمسة عشر عاما، والآن قد تقرر مشاركتها في نعمة هائلة أنعم الله بها على حياتها وحياة أحبائها من نهاية نوفمبر 1996 …

 

أول رحلة إلى كالكوتا

في عام 1996 أرسلت مارينا ريتشي إلى كالكوتا لتتابع عن كثب قصة الأم تيريزا التي كانت تواجه مرضا خطيرا لدرجة أنها كانت على وشك الموت. الصحفية لم تكن سعيدة بذلك، خاصة وانه كان عليها ان تترك اطفالها الاربعة وزوجها:
“وعلاوة على ذلك، وأنا أعلم أنني كنت صحفية غير عادية. فانا ربة منزل ولدي اطفالي ومشاكلهم التي علي الان التعامل معها لوحدهم. بالاضافة الى زوجي – وهو أيضا صحفي – وها انا اتركه في ورطة “.


دار الأيتام و”رضيع صغير”
كان دخول مارينا الى دار الايتام في شيسو بهافان مليء بالمشاعر المختلطة: الخوف والحزن والاشمئزاز، ولم تتصور في يوم ان حياتها ستتغير من لحظة التقاء نظرها بالصغير جوفيندو:
“عبرت عتبة شيسو بهافان بعدم وعي. صعدت الدرج المؤدي إلى الغرفة التي يعيش فيها الاطفال، اين يأكلون واين ينامون، أطفال ذوي احتياجات خاصة في دار الأيتام للأم تيريزا. لم أكن أعرف أن رحلتي كانت لتبدأ للتو من هذا الجزء. (…) خلعت حذائي وعبرت عتبة الم الاطفال. هذا العطاء واليأس، الرعب والحلاوة. الغرفة كانت مضاءة بشكل خافت مليئة بالاسرة ذات القضبان الخشبية أو الحديدية. على اليمين، على الأرض، كان هناك طفل صغير. ذراعيه وساقيه متقاطعة كما في وضع الجنين. وكأنه اصيب بتشنج وثبت في هذا الوضع. كان مستلقيا على ظهره وينظر في وجهي محاولا رفع رأسه لكنه لم يستطع. ويبدو أنه يريد أن يأتي الي أو كما انه يطلب مني أن انحني واخذه في حضني. لم اتمكن من الحراك ولم اتمكن من الاستجابة لدعوة من هذا الجسم الذي في البداية اخافني وسبب لي (…) شعور بالاشمئزاز “.


البكاء و… “التبني التبني”!
بكاء الصحفية في ساحة شيسو بهافان كان مصحوبا “بابتسامة مجموعة من الراهبات وهتافهم: "التبني التبني". مكالمة مع زوجها كانت مليئة بالكلمات، التنهدات: "افعلي ما تشعري به وما يريحك"،” أجاب توماس بحب وثقة كبيرة.


"الرب يطلب شيء اكثر: ان تتبني طفل ذو احتيجات خاصة"
عندما قابلت مارينا الاخت مارجوري، المسؤولة عن التبني، كانت مقتنعة بانها تقوم بعمل رائع ، ولكن …
"(…) نظرت الاخت مارجوري في عيني مباشرة قائلة:"الرب يطلب شيئا أكثر من ذلك. ان تأخذي طفلا لايريده احد، طفل معاق". جوابي كان واضحا وفوريا: "أنا آسف، ولكن لا يمكنني ذلك. أنا أعمل، ولدي أربعة أطفال، وكيف يمكن أن أعتني بطفل معاق؟" (…) ذهبت خارجا: "انظروا ليس من الممكن. أنه ليس لي، وأود أن افعل ذلك ، كنت قد رأيت طفل … "(…)" هيا، لنراه"، قالت الراهبة. (…) أخذته الأخت مارجوري ووضعته في ذراعي. (…) واستغرق الأمر مني خمس ثوان لإعادة الطفل إلى واحدة من الراهبات في الغرفة واختفيت (…)".


جوفيندو: رابط غامض
على الرغم من الهروب، والخوف من الأمراض وعدم قدرته على المشي، و صغر جلده وعظمه، الا ان الانجذاب له كان قويا جدا: روابط غير مفهومة لكن عميقة بالفعل.
"(…) وأتذكر جيدا أنني لاحظت مع مفاجأة أن أيا من تلك الوجوه كانت متأثرة. مشيت ولم يلاحقني احد. فقط ذلك الطفل الذي لم يكن يبكي ولم يتشبث بملابسي تمكن وبطريقة غامضه ان يجذبني اليه".
في كالكوتا تحدثت مارينا إلى الله، كانت تشعر بحضوره بقوة، كانت مليئة بالعواطف والدموع، وبعد سنوات طويلة اقتربت بالاعتراف والأسرار وذلك بفضل الاخت فريدريك.


"إذا كان الله يطلب عمل شيء يجب أن يعطي أيضا القدرة على القيام به."
في روما، وبالرغم من اعتراضات العائلة والأصدقاء على خطوة هامة كهذه لتبني طفل مريض بشكل كبير، قررت مارينا وزوجها توماس تبني الطفل جوفيندو:
"(…) كان يؤلمني ما يحدث في حياتي وعائلتي بسبب التبني. لكنني فهمت أنه كان من المعقول والمفهوم فقط من قبل أولئك الذين بحبوني لثنيي عن الطريق. (…) لقد كانت فرصة بالنسبة لي لتكبير القلب والقول، من دون استخدام الكلمات، لاولادي ان قلب كل منهم يمكن أن يصبح عظيما، رغم بؤسه، عيوبه، وعجزه. وكما وقالت لي الاخت فريدريك: "إذا كان الله يطلب عمل شيء يجب أن يعطي أيضا القدرة على القيام به." كلمات اكررها في داخلي. لقد شعرت اني مديونه لهذا الطفل. لاني لجئت للصلاة. ولاني انا وزوجي احببنا بعض اكثر واكثر وبطريقة تختلف عما قبل".


وفاة الام تيريزا، انطلاقة جديدة لكالكوتا، والفرح لرؤية الطفل من جديد
"(…) وصلت الباب، بحثت عن الطفل على الارض لكنني لم اجده. كان جوفيندو في الجانب الآخر من الغرفة، بالقرب من النوافذ، ويجلس على كرسي خشبي. احاط بي ضباب مليء بالمشاعر القوية. وبمجرد أن رآني، بدأ الطفل يحدث ضجة، يبتسم، ويصدر أصواتا من فمه. الفرح حرك وجهه. إرادته تحدت الشلل. (…) نعم، ابني قد عرفني. (…) شعرت بارتياب لما حدث معي. لا يمكنني حتى شرح هذا الشعور واعجز عن الوصف، عندما يصبح غير العادي عاديا ويفوز أي تردد وأي عدم ثقة. عندما يفرض الله نفسه بقوة تصبح غير قادر على التفوه بأي شيء آخر غير الموافقة. نعم، وقد فهمت أنه أنت. نعم، لقد فهمت أنك تريد هذا لأنك قلت ذلك بعنف، بوضوح، وبصوت عال، بحيث لا يمكنني التظاهر بعدم فهمه، أو عدم سماعه أو رؤيته. أعتقد أن هذا هي المعجزة. هذه "نعمة عظيمة"، تقول الأخت فريدريك، يمكنك أن تستوعب بامتنان، وذهول".
مارينا وتوماس أرهقهم الانتظار لفترة طويلة متوجهين الى الهند لجلب جوفيندو واصطحابه الى المنزل في نهاية المطاف. الوصول في روما كان مصحوبا بفرح عظيم مع العائلة والأصدقاء وتهافت الأطفال كالمجانين للتعرف على الأخ الخامس، جوجو، كما سبق أن اسموه. وعندها بدأت حياتهم معا في المستشفيات، الحياة اليومية، الضحك، القلق، الصلاة، مفاجآت وتضحيات، خوف، عطايا، ألم، معجزات صغيرة، وحب … حتى وفاة جوفيندو ، في الخامس من تشرين الثاني عام 2010 عن عمر ثمانية عشر عاما.
كان جوجو هدية ثمينة لأسرته والكتاب شاهد قوي على هذه الهدية الرائعة. وجوده الهش، والصامت، الحاجة إلى الرعاية، سمحت لوالديه واشقاءه على البقاء معا راكعين متحدين بالصلاة في وقت وفاته، شاكرين الرب على مثل هذه الهدية العظيمة. وصول جوفيندو أنقذهم من خداع العالم ليعيشوا بمتعة، ورعاية أنفسهم، فهم بعضهم البعض. كانوا معا قادرين على تذوق طعم الحياة وتذوق سر: المحبة، قبول الآخرين، والعيش له – خصوصا عند ضعفه ومرضه، مستهلكين، مقدمين بسخاء، كما فعلت الام تيريزا طوال حياتها والتي ستعلن قديسة في الرابع من ايلول والتي الآن تتأمل وجه الله مع جوفيندو وجميع أولاده في السماء.