ماذا يقول البطريرك يونان في الذّكرى السّنويّة الحادية عشرة لمذبحة سيّدة النّجاة؟
وجاء في نصّ الرّسالة:
"سيادة أخينا الحبر الجليل مار أفرام يوسف عبّا الجزيل الاحترام
رئيس أساقفة بغداد والمدبّر البطريركيّ على أبرشيّة الموصل وتوابعها وأمين سرّ السّينودس المقدّس
وحضرات أعزّائنا الرّوحيّين الآباء الخوارنة والكهنة والمؤمنين المبارَكين في أبرشيّة بغداد العزيزة
بعد إهدائكم المحبّة الأبويّة والدّعاء والسّلام بالرّبّ يسوع فادينا، نقول:
نحيي اليوم الذّكرى السّنويّة الحادية عشرة للجريمة النّكراء والمذبحة الكبرى والمجزرة الرّهيبة الّتي وقعت في كاتدرائيّة سيّدة النّجاة الحبيبة "أمّ الشّهداء" في بغداد، خلال القدّاس المسائيّ ليوم الأحد 31/10/2010، بمناسبة أحد تقديس البيعة وليلة عيد جميع القدّيسين. فأدّى هذا العرس الرّوحيّ المجيد إلى استشهاد الأبوين ثائر عبدال ووسيم القسّ بطرس و46 مؤمنًا من الرّجال والنّساء والشّبّان والأطفال، فضلاً عن عدد من الجرحى.
وها هي كاتدرائيّتنا تتلألأ عروسًا مزهوَّةً في عرسها المجيد، إذ قد أهّلَها الرّبُّ يسوعُ، إكرامًا لتضحياتها الجمّة ودماء شهداء أبنائها وبناتها، أن تشهد أعظم حدثٍ لا مثيلَ له، إنّها الشّهادة للرّبّ يسوع بمعموديّة الدّمّ!
لقد رفعنا الصّلاة حارّةً خلال الذّبيحة الإلهيّة الّتي أقمناها صباح اليوم الأحد على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكيّ في الكرسيّ البطريركيّ ببيروت، من أجل راحة نفوس شهداء هذه المذبحة، وشفاء الجرحى والمتألّمين. واستذكرنا هذه الجريمة النّكراء الّتي يندّى لها جبين الإنسانيّة، وسألنا الله أن تكون دماء الشّهداء بذارًا للحياة ونموًّا للإيمان وثباتًا في الرّجاء في خضمّ الصّعوبات والمعاناة الّتي يقاسيها المسيحيّون في الشّرق، حيث أعمال العنف والاضطهاد والإرهاب وما نتج عنها من تهجير قسريّ واقتلاع من أرض الآباء والأجداد.
إنّنا نتوجّه إليكم ونشارككم الصّلاة بالرّوح والقلب في هذه المناسبة العزيزة والغالية جدًّا على قلبنا الأبويّ، مع صاحبي السّيادة أخوينا العزيزين الحبرين الجليلين مار يوحنّا بطرس موشي رئيس الأساقفة السّابق لأبرشيّة الموصل وتوابعها، ومار أثناسيوس فراس دردر النّائب البطريركيّ في البصرة والخليج العربيّ، ومع جميع الأحبّاء من أبناء أبرشيّتكم وبناتها، خوارنةً وكهنةً ومؤمنين، وذوي الشّهداء والجرحى من المؤمنين، وجميع المشاركين معكم في الذّبيحة الإلهيّة الّتي ترفعونها مساء اليوم في الكاتدرائيّة عينها، راحةً لنفوس هؤلاء الشّهداء الأبطال الّذين قدّموا ذواتهم ذبائح محرقةً على مذبح محبّة الرّبّ يسوع والإخلاص له والشّهادة للإيمان به حتّى الموت، مقتدين به وهو القائل: "ما من حبٍّ أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه" (يوحنّا 15: 13).
أيّها الأحبّاء، نتطلّع معكم بروح الإيمان والرّجاء الّذي لا يخيب، كي تصل دعوى تطويب شهدائنا الأبرار إلى إعلان تطويبهم ورفعهم على المذابح، وهي تسير بخطى ثاقبة لدى مجمع دعاوى القدّيسين في الفاتيكان، ما يجعلنا نحثّكم على المشاركة معنا في تكثيف الصّلوات من أجل هذه النّيّة السّامية. وهكذا يشفع بنا شهداؤنا الأبرار من السّماء من أجل عراقنا الحبيب الّذي يعاني أيّامًا صعبةً وأزمنةً عصيبةً طال أمدها، ومن أجل الكنيسة والمؤمنين في كلّ مكان.
وإلى شهدائنا الأبرار نهتف مع ملفان الكنيسة الجامعة مار أفرام السّريانيّ:
«ܕܳܡܶܝܢ ܣܳܗܕ̈ܶܐ ܠܺܐܝܠܳܢ̈ܶܐ ܕܰܢܨܺܝܒܺܝܢ ܥܰܠ ܡܰܒܽܘ̈ܥܶܐ܆ ܐܺܝܠܳܢ̈ܶܐ ܝܳܗܒܺܝܢ ܦܺܐܪ̈ܶܐ܆ ܘܣܳܗܕ̈ܶܐ ܡܰܪܕܶܝܢ ܥܽܘܕܪ̈ܳܢܶܐ»، وترجمته: "إنّ الشّهداء يشبهون الأشجار المغروسة على الينابيع، فالأشجار تَهِبُ الثمار، والشّهداء يمنحون المعونات."
وبهذه المناسبة، نناشد أبناء العراق الواحد بتعدُّد انتماءاتهم الطّائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة، أن يحافظوا على المحبّة والألفة والمساواة بين جميع مكوّنات الوطن، بالحرّيّة والكرامة الإنسانيّة، فيساهموا معًا في إعادة بناء العراق، كي يزهو ويزدهر ويعود إلى سابق عهده من التّقدّم والتّطوّر.
إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، الّذي سفك دمه على خشبة الصّليب حبًّا بالبشر، نضرع كي ينشر سلامه وأمانه في العراق وبلدان شرقنا والعالم بأسره، فينعم الجميع، وبخاصّة المؤمنون بإسمه القدّوس، بالطّمأنينة والاستقرار والعيش الكريم، ليمجّدوه على الدّوام، بشفاعة والدته مريم العذراء سيّدة النّجاة، وجميع قدّيسينا وشهدائنا وشهيداتنا الأبرار.
نختم بمنحكم بركتنا الرّسوليّة عربون محبّتنا الأبويّة، والنّعمة معكم."